معنى آية وتوكل على الحي الذي لا يموت، بالشرح التفصيلي

كتابة:
معنى آية وتوكل على الحي الذي لا يموت، بالشرح التفصيلي

التوكل على الله

إنَّ المسلم مأمورٌ بالتوكل على الله -عزَّ وجلّ- ودليل ذلك قول الله تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً}،[١] ورغم ذلك إلا أنَّ التوكل على الله لا ينافي الأخذ بالأسباب بل هو من تمام التوكل وكماله لكن على المرء أن يحذر من ركون قلبه إلى الأسباب، ويُمكن تعريف التوكل على الله على أنَّه: "صدق اعتماد القلب على الله تعالى في استجلاب المصالح ودفع المضار، من أمور الدنيا والآخرة"، وقد ورد ت عبادة التوكل على الله في القرآن الكريم في عدَّة مواضع،[٢] منها قول الله تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ ۚ وَكَفَىٰ بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا}،[٣] وسيتم في هذا المقال الحديث حول هذه الآية الكريمة حيث سيتم بيان معناها ومعاني مفرداتها وإعرابها كما سيتم استنباط بعض الثمرات المستفادة منها.

معنى آية: وتوكل على الحي الذي لا يموت، بالشرح التفصيلي

في قول الله تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ ۚ وَكَفَىٰ بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا}،[٣] يطلب الله -عزَّ وجلّ- من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن المسلمين، حيث إنَّ خطاب رسول الله يعدُّ خطابًا لأمته، من الاعتماد عليه في دعوته إلى الدين، حيث إنَّه هو الحي الكامل في حياته الذي لا يموت، ذلك لأنَّ حياته غير معرضةٍ للزوال بالموت ولا معرضةٍ لاختلال أثرها بالنوم وغيره، وهذا هو سبب العدول عن اسم الجلالة إلى وصفيّ {الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ}،[٣] بالإضافة إلى أنَّ ذكر هذين الوصفين فيه تعريضٌ للمشركين الذين علَّقوا آمالهم وأحلامهم على الأصنام وهي أمواتٌ غير أحياء، ثمَّ أُمر بالتسبيح وتنزيه الله عمَّا لا يليق به من الشرك وغيره، وكأنَّ الله -عزَّ وجلَّ- يقول للنبيّْ: إن أهمك إعراض المشركين عن الدعوة الإسلامية فعليك بنفسك وذلك بتنزيه الله عن الشرك، وبتسبيحك له تسبيحًا مصاحبًا للثناء عليه بما هو أهله، ثمَّ تأتي نهاية الآية بقول الله تعالى: {وَكَفَىٰ بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا}،[٣] للدلالة على أنَّ علم الله بذنوب عباده علمًا تامًّا، سواء أكان هؤلاء العباد من المسلمين أم المشركين، وإنَّ في العلم بذنوب العباد كناية عمَّا يلزمه هذا العلم ألا وهو مجازاتهم ومعاقبتهم علي ما فعلوه من آثامٍ وذنوب،[٤] ولا بأس في هذا المقام من ذكر أقوال العلماء في تفسير الآية:[٥]

  • تفسير القرطبي: أمرٌ من الله -عزَّ وجلَّ- بالاعتماد عليه وحده، وأنَّ الأسباب مجرد وسائط أمر بالأخذ بها من غير اعتمادٍ عليها، إضافةً إلى الأمر بتنزيه الله -عزَّ وجلَّ- عمَّا قام الكفار بوصفه به من الشرك وقيل أيضًا أنَّ التسبيح هنا جاء بمعني الصلاة، أي وصلِّ له، ويكفي أنَّ الله -عزَّ وجلّ- عليمًا بذنوب عباده فيجازيهم عليها.[٦]
  • تفسير الطبري: أمرٌ من الله -عزَّ وجلَّ- لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالتوكل على من له الحياة الدائمة التي لا يُقص منها الموت، لذلك ثق بربك واستسلم له وفوَّض أمرك إليه واصبر على ما نابك وأصابك، واعبده شكرًا على ما أنعم عليك به، ويكفيك أنَّه عليمٌ بذنوب عباده وخلقه فإنَّه لا يخفى عليه شيئًا منها، كما أنَّه قام بتمحيصها جميعًا ليجازيهم عليها يوم القيامة.[٦]

معاني المفرادات في آية: وتوكل على الحي الذي لا يموت

إنَّما نزل القرآن الكريم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليُعمل به، ولا يُمكن أن يُعمل بشيء لا يستطيع الإنسان فهمه، وإنَّ من طرق فهم القرآن الكريم معرفة المسلم باللغة العربية، وذلك لأنَّ القرآن الكريم نزل بلسانٍ عربيٍّ مبين حيث قال الله تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنزيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ* نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ* عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ* بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ}،[٧] لذلك لا بدَّ عند بيان معنى آيات القرآن الكريم، أن يتم بيان معنى مفرداتها،[٨] ومن هذا المنطلق سيتم تخصيص هذه الفقرة لبيان معاني مفردات قول الله تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ ۚ وَكَفَىٰ بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا}،[٣] وفيما يأتي ذلك:

  • توكل: إنَّ كلمة توكل في اللغة العربية لها عدَّة معاني، ومن معانيها الاعتماد على الله -عزَّ وجلَّ- والتسليم إليه، وهذا هو المعنى التي جاءت به الآية الكريمة السابقة.[٩]
  • الحيّ: اسمٌ من أسماء الله الحسنى، ومعناه الدائم الحياة بلا زوال.[١٠]
  • يموت: الموت في اللغة العربية يعني زوال الحياة عن الكائنات الحية،[١١] والله -عزَّ وجلَّ- لا يلحقه الموت فحياته غير معرضةٍ للزوال كما ذكر ذلك سابقًا.[٤]
  • وسبِّح: إنَّ كلمة سبِّح تعدُّ فعلًا، ومعناها في اللغة العربية عظِّم الله ومجِّده.[١٢]
  • بحمده: أي مثنيًا عليه بأوصاف الكمال.[١٣]
  • وكفى: أي حصل به الاستغناء عن غيره. [١٤]
  • بذنوب: إنَّ كلمة ذنوب جمع لكلمة ذنب، والذنب في اللغة يعني المعصية والجرم والإثم.[١٥]
  • عباده: العباد في اللغة تعني الخلق والبشر والناس أجمعون.[١٦]
  • خبيرًا: الخبير في اللغة العربية يعني الذي يخبر الشيء بعلمه، وهو كذلك اسمٌ من أسماء الله الحسنى ومعناه العالم بكُنْه الشّيء، المطّلع على حقيقته، الذي لا تخفى عليه خافية.[١٧]

إعراب آية: وتوكل على الحي الذي لا يموت

يظهر أهمية علم النحو والإعراب في القرآن الكريم في صيانته عن اللحن والخطأ والتحريف، كما أنَّه يعمل على توضيح معنى الآيات وبيان ما تقصده من دلالات، وقد قال مكي بن أبي طالب في مقدمة إشكاله: "ورأيت من أعظم ما يجب على طالب علوم القرآن، الراغب في تجويد ألفاظه، وفهم معانيه ومعرفة قراءاته ولغاته، هو معرفة إعرابه والوقوف على تصرف حركاته وسواكنه؛ ليكون بذلك سالمًا من اللحن فيه، مستعينًا على إحكام اللفظ به، مطلعًا على المعاني التي قد تختلف باختلاف الحركات، متفهمًا لما أراد الله به من عباده؛ إذ بمعرفة حقائق الإعراب تعرف أكثر المعاني وينجلي الإشكال، وتظهر الفوائد، ويفهم الخطاب، وتصح معرفة حقيقة المراد"،[١٨] بالإضافة إلى أنَّ من خلاله يشعر المسلم بحلاوة القرآن الكريم وجماله، حيث لا سبيل لمعرفة إعجاز القرآن الكريم إلَّا من خلال معرفة لغة العرب، ومعرفة ما كان عليه العرب من الفصاحة والبيان،[١٩] لذلك من المهم تخصيص مساحة في هذا المقال لبيان إعراب قول الله تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ ۚ وَكَفَىٰ بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا}،[٣] وفيما يأتي ذلك:[٢٠]

  • الذي: اسم موصول في محلِّ جر نعت للحي.
  • لا: لا النافية.
  • وتوكل على الحيِّ: جملة معطوفة على ما قبلها لا محل لها من الإعراب.
  • الذي لا يموت: جملة صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.
  • بحمده: الباء حرف جر والهاء فاعل مؤخر للفعل كفى.
  • وسبح بحمده: جملة معطوفة على جملة توكل لا محل لها من الإعراب.
  • خبيرًا: حال منصوب من فاعل كفى.
  • كفى به بذنوب عباده خبيرًا: جملة استئنافية لا محل لها من الإعراب.

الثمرات المستفادة من آية: وتوكل على الحي الذي لا يموت

إنَّ القرآن الكريم كتاب هدايةٍ وتشريع فلم يُنزل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقط لقراءته وتلاوته بل نزل لغاياتٍ أخرى مثل: تعليم الناس أحكام دينهم وما شرع ربهم لهم، وليُعرِّفهم بربهم وأسمائه وصفاته وحقِّه عليهم، ولأخذ العظة والعبرة ممن سبقهم من الأمم،[٢١] ولاستنباط الثمرات منه من خلال تدبره وفهمه وإدراك المقصود من آياته،[٨] وبناءً على ذلك سيتم تخصيص هذه الفقرة لاستنباط الثمرات المستفادة من قول الله تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ ۚ وَكَفَىٰ بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا}،[٣] وفيما يأتي ذلك:

  • إنَّ الله -عزَّ وجلَّ- هو الذي يكفل رزق عباده ويدبر لهم أمورهم، فينغي على المسلم التوكل عليه وعدم الركون إلى من سواه.[٢٢]
  • لا بدَّ للمسلم من معرفة صفات الله -عزَّ وجلَّ- ليستطيع التوكل عليه حقَّ التوكل.[٢٢]
  • الأخذ بالأسباب لا ينافي توكل المسلم على ربه.[٢٢]
  • رغم أهمية الأخذ في الأسباب إلَّا أنَّ على المسلم ألَّا يركن إليها، ولا يتعلق بها بل كل اعتماده يكون على رب الأسباب.[٢٢]
  • أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- هو كافي المسلم ومؤيَّده وناصره.[٢٣]
  • التوكل على البشر قد يفيد أحيانًا لكنَّه لا يدوم، لذلك على المرء ألَّا يتوكل إلا على الله وحده.[٤]
  • إنَّ التوكل على غير الله معرض للاختلال والانخرام.[٤]
  • على المرء أن يبدأ بنفسه إن أراد الإصلاح وذلك بإزالة نقصه.[٤]
  • على المرء أن يجمع بين التخلية والتحلية، لكن عليه تقديم التخلية أولًا.[٤]
  • على المرء أن يثنى الله ثناءً يليق به وبما يكون هو أهله.[٤]
  • أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- يعلم خفايا الأمور.[٤]

المراجع

  1. سورة الأحزاب، آية:3
  2. "التوكل على الله طريقك إلى السعادة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-03. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت ث ج ح خ سورة الفرقان، آية:58
  4. ^ أ ب ت ث ج ح خ د "قوله تعالى وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيرا"، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-03. بتصرّف.
  5. "التوكل على الله تعالى والاعتماد عليه"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 08/08/2020. بتصرّف.
  6. ^ أ ب "القول في تأويل قوله تعالى " وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيرا ""، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
  7. سورة الشعراء، آية:192 195
  8. ^ أ ب "كيف نفهم القرآن الكريم؟"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
  9. "تعريف و معنى توكل في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
  10. "تعريف و معنى الحي في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
  11. "تعريف و معنى الموت في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
  12. "تعريف و معنى سبِّح في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
  13. "تعريف و معنى بحمده في قاموس المعجم الوسيط ،اللغة العربية المعاصرة ،الرائد ،لسان العرب ،القاموس المحيط. قاموس عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
  14. "تعريف و معنى كفى في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
  15. "تعريف و معنى بذنوب في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
  16. "تعريف و معنى العباد في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
  17. "تعريف و معنى خبيرا في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
  18. "أثر اختلاف الإعراب في تفسير القرآن الكريم"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
  19. "أهمية علم النحو في فهم القرآن"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
  20. ".إعراب الآيات (57- 59):"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
  21. "الهدف من إنزال القرآن الكريم"، binbaz.org.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
  22. ^ أ ب ت ث "التوكل على الله تعالى والاعتماد عليه"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 08/08/2020. بتصرّف.
  23. "تفسير آية 58"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-04. بتصرّف.
5089 مشاهدة
للأعلى للسفل
×