معنى آية وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرًا

كتابة:
معنى آية وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرًا

الإعراض عن الحق

يشيرُ معنى الإعراض في اللغة إلى الصد، وأعرضَ عنه صدَّ عنه، وأعرض عن الشيء بمعنى ولَّاه ظهره، وقد ذُكر معنى الإعراض في أكثر من خمسين موضعًا في كتاب الله تعالى، وقد ذكرَ ابن القيم -رحمه الله- أنَّ الإعراض أحد نواقض الإسلام، لأنَّ الإعراض عن الإسلام هو رفضه وعدم قبوله وإنكار ما جاء به، قال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا}،[١] أي إنَّ أظلم الناس هو الذي تُعرَضُ عليه آيات الله وما فيها من أحكام فيُعرِض عنها وينكرها ولا يؤمنُ بها، وقال تعالى: {وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا}،[٢] وهذا الكلام قد يكون في أهل الكفر وأهل الإيمان، ويكون إعراض الكفار بعدم القبول، ويكون إعراض أهل الإيمان بعدم العمل بما جاء في آيات الله، لذلك كان العذاب الشديد جزاءً من الله لمن أعرض عن الحق، وفي هذا المقال سيدور الحديث حول معنى آية: وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرًا.[٣]


معنى آية: وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرًا

ما معنى هذه الآية؟ في بداية الحديث عن معنى آية: وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرًا، لا بدَّ من ذكر بعض التفاصيل التي تحيط بهذه الآية الكريمة، إذ تقع هذه الآية في ثلاث سورٍ في القرآن الكريم، في سورة الأنعام وفي سورة الإسراء وفي سورة الكهف، وسيبدأ الحديث عنها في سورة الأنعام، فهي الآية ذات الرقم 25 منها، وقد وردَت في سياق الحديث عن أحوال الكفار والمشركين الذين ظلموا أنفسهم بإعراضهم عن آيات الله تعالى، حيث قال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ ۗ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ* وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ* ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَن قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ* انظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ ۚ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ* وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ ۖ وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ۚ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا ۚ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ}،[٤]


حيثُ يخاطب الله -سبحانه وتعالى- رسوله الكريم -صلى الله عليه وسلم- في هذه الآية بأنَّ قومكَ الذين رفضوا الإيمان وأعرضوا عن الحق وجعلوا لله أندادًا من الأصنام والأوثان منهم نفرٌ يستمع إلى آيات القرآن الكريم منك، وينصتُ إلى ما تدعو إليه من إسلام وتوحيد، ولكنَّهم لا يفقهون ولا تعي قلوبهم ما تقول، ولا يبذلون أدنى جهدٍ لتدبُّر تلك الآيات، فقد جعل الله على قلوبهم حجُبًا وأغطيةً وأصمَّ أسماعهم وأثقلها عن فهم الحق بسبب كفرهم وجحودهم وشركهم، وعن قتادة أنَّه قال في معنى الآية: يسمعون القرآن الكريم بآذانهم ولكنَّهم لا يعونَ شيئًا منه، مثل البهائم التي تسمعُ نداءً ولكنَّها لا تفهم ما يُقال لها.[٥]


كما وردَت الآية في سورة الإسراء أيضًا في الآية رقم 46 منها، وذلك في سياق آيات تدور حول ذات الموضوع، وهو إعراض المشركين عن كلام الله وعن الحق، حيث قال الله تعالى: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا* وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ۚ وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَىٰ أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا}،[٦] فقدَ جعل الله تعالى أغطيةً على قلوب جماعة من كفار قريش كانوا يستمعون إلى النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- حتَّى لا يفقهوه ولا يفهموه، وجعلَ أيضًا ثقلًا في أسماعهم حتى لا يسمعوه ويعوه،[٧] وبمعنى آخر يقول تعالى: لقد جعلنا على قلوب من لا يؤمنون بالله تعالى أغطية وحجبًا عندما تقرأ عليهم القرآن يا محمد، وجعلنا أيضًا صممًا في آذانهم حتَّى لا يسمعوه جيدًا، لأنَّهم يكفرون بالله ويشركون به ويعرضون عن دعوة الحق، وفي نهاية الآية يشيرُ الله تعالى إلى أنَّ أولئك الكفار عندما سمعوا رسولَ الله والمسلمين معه يذكرون ربَّهم في القرآن هربوا وانفضُّوا من حولهم استكبارًا وجحودًا من توحيد الله.[٨]


وفي سورة الكهف يذكر الله تعالى الآية الكريمة في الحديث عن الإعراض عن آيات الله، حيث يقول الله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ۚ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا ۖ وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا}،[٩] ويشيرُ معنى الآية إلى نفس المعنى المُراد منها في مواضعها السابقة في كلا السورتين، فقد جعل الله تعالى على قلوب المعرضين عن ذكره وآياته عندما تُتلى عليه أغطيةً حتى لا يفقهوه ولا يفهموه، وجعلَ ثقلًا وصممًا في أسماعهم حتى لا يسمعوا منه شيئًا أي لا يعوه حتى لو سمعوه، والله أعلم.[١٠]


معاني المفرادات في آية: وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرًا

هل لمفردات هذه الآية معاني؟ بعد معرفة معنى آية: وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرًا، بشيء من التفصيل، فمن الضروري معرفة معاني مفردات الآية، لأنَّ ذلك من شأنه أن يقرِّب المعنى ويجعله أقرب إلى الصواب والدقة، وسيتمًّ إدراج معاني المفرادات في آية: وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرًا، فيما يأتي:

  • وجعلنا: من جعلَ ويجعَل، والفاعل جاعل، والمفعول مجعول، جعلَ الشيءَ: وضعه، وواجتعله بمعنى صنعه، وجعل الحسن قبيحًا: صيَّره، وتأتي في القرآن بمعنى خلَقَ، قال تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ}،[١١] وجعل الله الشيء: أنشأه وخلقه، وجعله: صنعه وفعله.[١٢]
  • أكنةً: الكنُّ والكنَّة والكنان وهو سترُ كلِّ شيء ووقاؤه، والكنُّ هو البيت وجمعه أكنة وأكنان، والأكنة الأغطية، وكلُّ شيءٍ يقي شيئًا فهو كنُّه وكنانه، والفعل منه كننتُ الشيءَ: جعلته في الكنِّ، أي سترته وحجبته.[١٣]
  • يفقهوه: فقِهَ ويفقهُ، والفاعل فَقِه، والمفعول مَفقوه، ومعنى فقه الرجل: علِمَ وازداد علمه فصار فقيهًا، وفقِهَ الأمر: علمَه من بعد جهل، وأدركه بعد التفكير جيدًا، وفقه بمعنى فهم، وفقهه الله: جعله عالمًا، وفقَّهه الأمر: أعلمه إياه وعلمه وأفهمه.[١٤]
  • وقرًا: جمعها وقور، والوقر هو مصدر للفعل وقَر ووقِر، ومعنى وقْر الأذن: ذهاب السمع فيها أو ثقلها وصممها، والوقر هو الصدع في الساق، والوقر هو النقرة الذي يكون في العظم أو الحجر أو العين.[١٥]


إعراب آية: وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرًا

هل لمفردات هذه الآية إعراب في اللغة العربية؟ إنَّ تحديد مكان كل كلمة في الجملة وعملها يساعد في إظهار معنى الآية بشكل أكبر، وهذا ما يقوم به علم الإعراب في اللغة العربية، ولذلك سيتمُّ التطرُّق إلى إعراب آية: وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرًا، فيما يأتي إعرابَ مفرداتٍ وإعراب جمَلٍ:[١٦]

  • وجعلنا: الواو حرف عطف، جعلنا: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بالضمير، ونا ضمير متصل في محل رفع فاعل.
  • على: حرف جر.
  • قلوبهم: اسم مجرور وعلامة جره الكسرة، والهاء: ضمير متصل في محر جر بالإضافة، والميم للجمع، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف حال.
  • أكنةً: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة.
  • أن: حرف مصدري ناصب.
  • يفقهوه: فعل مضارع منصوب وعلامة نصبه حذف النون، والواو ضمير متصل في محل رفع فاعل، والهاء: ضمير متصل في محل نصب مفعول به.
  • وفي: الواو حرف عطف، وفي: حرف جر.
  • آذانهم: اسم مجرور وعلامة جره الكسرة، والهاء: ضمير متصل في محل جر بالإضافة، والميم للجمع.
  • وقرًا: معطوف على أكنة منصوب وعلامة نصبه الفتحة.


الثمرات المستفادة من آية: وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرًا

في نهاية المطاف من الأفضل أن يقفَ المسلم على الثمرات المستفادة من الآية، ففي كل آية من آيات كتاب الله توجيهات ربانية وعبَرٌ أنزلها الله تعالى لعباده من أجل ضمان صلاحهم في الدنيا ونجاتهم يوم القيامة، وفيما يأتي أهم الثمرات المستفادة من آية: وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرًا:[١٧]

  • إنَّ الإعراض عن ذكر الله تعالى من نواقض الإسلام، لأنَّ فيه رفض للقرآن الكريم أو عدم قبول العمل بما جاء به من تعاليم وأحكام.
  • إعراض الكفار والمشركين عن آيات الله زادهم استكبارًا، فأعمى الله أبصارهم وأصمَّ أسماعهم وجعل على قلوبهم أغطية كي لا يفقهوه بسبب كفرهم وجحودهم.
  • لا يغني الاستماع إلى الآيات عن إنصات القلب والعقل لها، فإذا لم يفقه الإنسان كلام الله تعالى ويتدبره فلن يغنيَ عنه ذلك شيئًا مهما استمع إليه بأذنيه ونظر إليه بعينيه.
  • يجبُ على الإنسان أن يُقبلَ على كلام الله يكليَّته قبل أن يقتصر ذلك على الاستماع إليه، فالتأمل والتدبر والتفكر من الأشياء الواجبة عند الاستماع إلى آيات كتاب الله، فيفهم الآيات ويأخذ ما جاء فيها من أحكام وتشريعات لكي يعمل فيها.

المراجع

  1. سورة السجدة ، آية:22
  2. سورة الجن، آية:17
  3. "المطلب الرابع: الإعراض عن دين الله"، dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-13. بتصرّف.
  4. سورة الأنعام، آية:21-25
  5. "تفسير الطبري"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-13. بتصرّف.
  6. سورة الإسراء، آية:45-46
  7. "تفسير: (وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا)"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-13. بتصرّف.
  8. "التفسير الطبري"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-13. بتصرّف.
  9. سورة الكهف، آية:57
  10. "تفسير الطبري"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-13. بتصرّف.
  11. سورة الملك، آية:23
  12. "تعريف و معنى جعلنا في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-13. بتصرّف.
  13. "تعريف و معنى أكنة في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-13. بتصرّف.
  14. "تعريف و معنى يفقهوه في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-13.
  15. "تعريف و معنى وقر في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-13. بتصرّف.
  16. "كتاب: الجدول في إعراب القرآن"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-13. بتصرّف.
  17. "تفسير الطبري"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-13. بتصرّف.
3816 مشاهدة
للأعلى للسفل
×