معنى آية وعجلت إليك رب لترضى، بالشرح التفصيلي

كتابة:
معنى آية وعجلت إليك رب لترضى، بالشرح التفصيلي

الطريق إلى نيل رضا الله

رضا الله تعالى والتّقرّب إليه والابتعاد عن سخطه وغضبه هو مسعى كلّ مؤمن؛ رضي بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمّد -صلّى الله عليه وسلّم- نبيًّا ورسولًا، ومن الأعمال التي تقرّب صاحبها إلى رضا الله زلفى: عبادة الله وحده لا شريك له، والتّمسّك بكتابه واتّباع سنّة نبيّه، حيث قال، صلّى الله عليه وسلّم: «إنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلاثًا، ويَكْرَهُ لَكُمْ ثَلاثًا، فَيَرْضَى لَكُمْ: أنْ تَعْبُدُوهُ، ولا تُشْرِكُوا به شيئًا، وأَنْ تَعْتَصِمُوا بحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا ولا تَفَرَّقُوا، ويَكْرَهُ لَكُمْ: قيلَ وقالَ، وكَثْرَةَ السُّؤالِ، وإضاعَةِ المالِ...»[١]وكذلك الصّيام وذكر الله تعالى والصّلاة في جوف اللّيل والنّاس نيام والتضرّع إلى الله تعالى والجهاد في سبيله وكذلك الأعمال القلبيّة التي تظهر على الجوارح وذلك بالاعتراف بنعم الله تعالى وحمده وشكره عليها دون أن يغفل العبد عن ذلك فإذا أكل وشرب أو لبس حمد الله وأثنى عليه بما هو أهله وحسن الخلق بالأقوال والأفعال، وفيما يأتي معنى آية: وعجلت إليك رب لترضى.[٢]

معنى آية: وعجلت إليك رب لترضى، بالشرح التفصيلي

بعد معرفة الطّريق المؤدّي إلى نيل رضا الله تعالى، سيتمّ شرح معنى الآية: وعجلت إليك رب لترضى بالشرح التفصيلي، ولا بدّ من المرور بما قبلها وهو صدر الآية الكريمة، وهو قول الله تعالى على لسان موسى، عليه السّلام: {قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَىٰ أَثَرِي}.[٣] ولذلك سيتمّ تفسير الآية الرّابعة والثّمانين من سورة طه على شقّين، ثمّ الحديث عن قراءة: {هم أولاء على أثري} كالآتي:[٤]

تفسير: {قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَىٰ أَثَرِي}

فقول الله تعالى على لسان موسى: {قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَىٰ أَثَرِي}.[٥] لا يقصد موسى عليه السّلام أنّ أهله يتتبعون أثره ويسيرون خلفه، إنّما يقصد في كلامه هذا بأنّهم قريبون منه وينتظرون عودته إليهم، وهناك من قال: بأنّ هارون كان مأمورًا بأن يسير ببني إسرائيل متتبعًا أثر أخيه موسى لاحقًا به، وعندما وصل موسى جانب الطّور، لم يتمالك نفسه بأن يبقى يسير على سير قومه، فتركهم مسرعًا شوقًا للقاء ربّه وسماع كلامه وعندما شعر بطول المسافة لشدّة اشتياقه لربه ضاق صدره، فشقّ قميصه تاركًا كلّ من معه خلفه قاصدً ربّه وعند وصوله خاطبه الباري سبحانه: {وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَا مُوسَى}.[٦] فاحتار –عليه السّلام-في الجواب ثمّ قال: {هُمْ أُولَاءِ عَلَىٰ أَثَرِي}.[٧] فقد سأله الله تعالى عن السبب الذي أعجله بالاستفهام بما فكان إخباره عن مجيئهم بالأثر. ثمّ أتبع قائلًا: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ}.[٨]

تفسير: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ}

كنّى موسى -عليه السّلام- عن شدّة شوقه وحبّه للقاء ربّه بابتغاء الرّضا والقبول، فقال: عجلت إليك ربّي لترضى، أي تعجّلت للمثول بين يديك لتختارني وتقبلني، فقد تعجّل موسى لميقات ربّه ليكون قدوة ومحفّزًا لقومه في الإقبال على الله تعالى، فالقائد عندما يأمر من هم تحت سلطته بأمر ما، لا بدّ وأن يكون سبّاقًا لهم بفعله، ليستنّوا بسنته،[٩] وجاء في حديثأنس بن مالك، أنّه قال: مُطِرْنا ونحنُ مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فحسَر عن ثوبِه للمطَرِ قُلْنا: لِمَ صنَعْتَ هذا يا رسولَ اللهِ ؟ قال: "إنَّه حديثُ عهدٍ بربِّه".[١٠] فكان هذا فعل الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- وكذلك ممن بعده من قبيل شوقهم وحبّهم لله تعالى وتعلّقهم به؛ وقال ابن عباس: كان الله عالمًا بفعل موسى، ولكن رحمة به وإكرامًا له وتسكينًا لجوارحه، ورفقًا به، قال له: وما أعجلك عن قومك يا موسى، فكان جواب موسى لربّه: هم أولاء على أثري.

القراءات في {هم أولاء على أثري}

فقد اختُلِف في أؤلاء على مذاهب، فقد قرأ بنو تميم الآية: {هم أولى على أثري}، بالقصر، بينما يرى أهل الحجاز بالمدّ وحكى ذلك الفراء: {هم أولاي على أثري}، وأبو إسحاق الزّجاج: أنّ "أولاء" ممدودة، إذًا: فلغة التميميّين القصر "أولى، أولا" وأجازوا دخول اللّام عليها للبعد، كقولهم: "أولالكا قومي.."، بينما قرأ الحجازيّون، قوله: {هم أولاء}، بالمدّ مع عدم جواز دخول اللّام للبعد عليها، ورجح ذلك ابن مالك في الخلاصة بقوله: "والمدّ أولى"،[١١] وفي قراءة: {على أثري} لغتان، وقرأ ابن أبي إسحاق ورويس ونصر عن يعقوب {على إِثْري} بكسر الهمزة وسكون الثّاء وهو بمعنى أثر ، وقرأ غيرهم: {على أَثَرِي}، بفتح الهمزة والثّاء وفي النّهاية وعجلت إليك ربّي لترضى، أي: تعجّلت بالمسير إلى المكان الذي أمرتني بالحضور إليه لأنال رضاك وتقبلني بقبول حسن.

معاني المفرادات في آية: وعجلت إليك رب لترضى

بعد الوقوف على معنى آية: وعجلت إليك رب لترضى، بالشرح التفصيلي للآية، سيتمّ التّعرّف على معاني مفرداتها، كلّ على حده:

  • عَجَل: مصدر للفعل عجِلَ، وعندما يقال: جاء على عَجَل، أي: جاء بسرعة، والعَجَلةُ مفرد عَجَل، ورَجُلٌ عَجِلٌ، رَجُلٌ مُسرِعٌ، وعَجِل الشَّخصُ: إذا أسرع، وعَجِل الأمر: طلب الإسراع فيه، وعجَّلَ الأمرَ: قام بتنفيذه قبل الوقت المحدَّد لذلك، وقد قال الله تعالى في سورة الأعراف: {أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ}.[١٢] وعَجِلَ: فعل الشَّيء قبل أوانه، وعكسه بطُؤ، واستعجل الأمرَ: عجِله؛ طلب القيام به بسرعة، فإذًا عجّلتُ إليك: أي أسرعتُ إليك.
  • ترضى: من رَضِيَ، ويمكن القول: رضيَ بـ، ورضي على، ورضي عن، مضارعه يرضى وترضى، والأمر منه ارضَ رضاء ورِضوانًا ورُضوانًا، ورضًا ورضًى، فهو راضٍ ورَضٍ ورضيٍّ، ورضيه صديقًا، ورضي به صديقًا، ورضي عليه صديقًا، ورضي عنه صديقًا، أي: قبله واختاره، فالرّضا: الاختيار والقبول، وترضى: تختار وتقبل،[١٣] حيث قال تعالى في سورة المائدة: {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.[١٤] أي قبل الله تعالى بأعمال عباده الصّالحة التي أخلصوا فيها لله تعالى، وقبلوا هم بما وعدهم الله من ثواب وجزاء وبنعمه وفضائله عليهم.[١٥]

إعراب آية: وعجلت إليك رب لترضى

الإعراب: هو الإبانة والإفصاح عن الشّيء، والإعراب في النّحو: هو تغيير أواخر الكلمات العربيّة في الضّبط والنّطق بحسب مواقعها في الجملة والعوامل الدّاخلة عليها، وأنواع الإعراب أربعة: الرّفع والنّصب والجزم والجرّ، للإعراب في اللّغة عربية فائدة عظيمة، إذ من خلاله يمكن التّمييز بين الفاعل والمفعول، ففائدة الإعراب إبانة المعاني التي تختلج في النّفس وتوضيحها، وقد ذكر أبو البركات الأنباري في كتابه أسرار العربية بأنَّ سببَ تسمية الإعراب إعرابًا لتبيينه المعاني وتوضيحها، وهو مأخوذ من قولهم: أعرب الرّجل عن رأيه إذا بيّنه، فلمّا كان الإعراب يكشف المعاني ويبيّنها سُمِّيَ إعرابًا، وعندما رأى علماء النّحو بأنّ تغيّر حركات أواخر الأسماء والأفعال يؤدّي إلى تغيّر معانيها سمَّوها إعرابًا وكأنّ بها يكون البيان،[١٦] وفيما يأتي إعراب قول الله تعالى: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ}.[١٧][١٨]

  • وعجلت: الواو: حرف عطف، عجِلْتُ: فعل ماضٍ مبنيّ على السّكون لاتّصاله بتّاء الفاعل المتحرّكة، والتّاء: ضمير متّصل مبنيّ على الضّم في محلّ رفعٍ فاعل.
  • إليك: إلى: حرف جرّ، الكاف: ضمير متّصل مبنيّ على الفتح في محلّ جرّ بحرف الجر "إلى"، والجار والمجرور متعلّقان بالفعل "عجلت".
  • ربّ: منادى بأداة نداء محذوفة، مضاف منصوب وعلامة نصبه الفتحة على الياء المحذوفة للتّخفيف، والياء: ضمير متّصل مبني على السّكون في محلّ جرّ مضافًا إليه.
  • لترضى: اللّام: للتّعليل، ترضى: فعل مضارع منصوب بأنْ المضمرة بعد لام التّعليل، وعلامة نصبه الفتحة المقدّرة على الألف منع من ظهورها التّعذّر، والفاعل: ضمير مستتر وجوبًا تقديره "أنت"، والمصدر المؤوّل: "أن ترضى": بعد لام التّعليل: في محل جرّ بلام التّعليل، والجارّ والمجرور: متعلّقان بالفعل "عجلت".
  • إعراب الجملة عجلت: في محلّ نصب معطوفة على مقول القول، "ربّ": اعتراضيّة لامحلّ لها من الإعراب، "ترضى": صلة الموصول الحرفي لامحلّ لها من الإعراب.

الثمرات المستفادة من آية: وعجلت إليك رب لترضى

بعد الوقوف على تفسير الآية الكريمة: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ}،[١٩] ثمّ إعرابها، بقي معرفة الثّمرات المستخلصة من الآية السّابقة، قال ابن القيم، رحمه الله: إنّ الدّافع لموسى -عليه السّلام- على العجلة في ظاهر الآية هو السّعي في حصوله على رضى الله تعالى، وأن تحقيق الرّضا يكون في الإسراع في المبادرة إلى التزام أوامره والعجلة إليه، ولهذا السّبب احتجّ السّلف بهذه الآية الكريمة على أنّ الأفضل في أداء الصّلاة؛ أن تقام في أوّل الوقت، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله: إنّ رضى الرّب في العجلة إلى أوامره،[٢٠] وكذلك قولِه: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى}؛[٢١] كان هذا استكمالًا لجواب موسى لربّه، عند سؤاله عن سبب عجلته، فكان كلامه هذا لمَزيدِ الضَّراعةِ والابتهالِ؛ ورغبةً من موسى في قَبولِ العُذْرِ، وموسى -عليه السّلام- قد سبق قومه، وتعجَّل إلى ميقات ربّه لحكمة، فالقائد حين يأمر أتباعه بأمر فيه مشقّة على النّفس، لا بدّ وأن يسبقهم إلى ذلك، ليكون هو أوّل مَنْ يُنفِّذ ما أمرهم به[٢٢].

المراجع

  1. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة ، الصفحة أو الرقم:1715، حديث صحيح.
  2. "كيف تحصل على رضا الله؟"، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-02. بتصرّف.
  3. سورة طه، آية:84
  4. "قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَىٰ أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ (84)"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-02. بتصرّف.
  5. سورة طه، آية:84
  6. سورة طه، آية:83
  7. سورة طه، آية:84
  8. سورة طه، آية:84
  9. "تفسير الآية رقم (84)"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-02. بتصرّف.
  10. رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان ، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:6135، حديث أخرجه في صحيحه.
  11. " هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى "، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-02. بتصرّف.
  12. سورة الأعراف، آية:150
  13. "تعريف و معنى رضي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-02. بتصرّف.
  14. سورة المائدة، آية:119
  15. "القول في تأويل قوله تعالى " رضي الله عنهم ورضوا عنه ""، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-02. بتصرّف.
  16. "الفائدة من الإعراب"، www.uobabylon.edu.iq، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-02. بتصرّف.
  17. سورة طه، آية:84
  18. "إعراب الآية رقم (84)"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-02. بتصرّف.
  19. سورة طه، آية:84
  20. "فصل القلق "، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-02. بتصرّف.
  21. سورة طه، آية:84
  22. "تفسير الآية رقم (84)"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-02. بتصرّف.
3443 مشاهدة
للأعلى للسفل
×