معنى آية وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثورًا

كتابة:
معنى آية وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثورًا

سورة الفرقان

تعدُّ سورة الفرقان من السور المكية في القرآن الكريم، وهي السور التي أنزلت على النبي -صلى الله عليه وسلم- في مكة المكرمة قبل الهجرة، إلا الآيات من 68 إلى 70 فهي مدنية، والسورة من السور المثاني، تقع في الجزء التاسع عشر ورقم ترتيبها فيه 25، عدد آياتها 77 آية كريمة، وكانت بعد سورة يس نزولًا، بدأت السورة بالثناء على الله تعالى بالإشارة إلى أنَّه تعالى أنزل الفرقان وهو القرآن الكريم على رسوله، ولذلك سمِّيَت السورة بسورة الفرقان، حيث قال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا* الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا}،[١] وفي السورة سجود تلاوة عند الآية رقم 60، وفي هذا المقال سيدور الحديث حول معنى آية: وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثورًا.[٢]


معنى آية: وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثورًا

لا بدَّ قبل الدخول في الحديث عن معنى آية: وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثورًا، من الإشارة إلى بعض المعلومات حول الآية الكريمة، حيثُ تقع هذه الآية في سورة الفرقان، وهي الآية رقم 23 فيها، وقد ذكرها الله تعالى في سياق الكلام عن أصحاب النار يوم القيامة، وهم الخاسرون الذين كانوا يظنون أنَّهم لن يلاقوا الله تعالى ولا يرجونَ ذلك اللقاء، حيث قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا* يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا* وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا* أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا}،[٣]


ويشيرُ معنى الآية إلى أنَّ الله تعالى سوف يحبطُ أعمال أولئك الخاسرين الذين كذبوا بلقاء الله تعالى واليوم الآخر، وسيجعل أعمالهم جميعها باطلة ولا ثواب فيها، لأنَّهم لم يقوموا بها ابتغاء وجه الله تعالى، والهباء ما يظهر عندما يدخل ضوء الشمس من فتحة إلى مكان مظلم، وهو كالغبار لكنَّه لا يلمس باليد ولا يُرى في الظلِّ، وهذا قول مجاهد وعكرمة وغيرهم، ورويَ عن ابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة قولهم في ذلك: أنَّ الهباء ما تذريه الرياح من حطام أشجار وتراب، وفسره مقاتل بقوله: هو ما تثيره حوافر المواشي عن سيرها، ووردَ أيضًا أنَّ الهباء هو ما تثيره الرياح وتطيره من الغبار المثار من سنابك الخيل.[٤]


وفي ذلك أنَّ الله تعالى يوم القيامة عندما يبدأ الحساب لجميع البشر، وحينَ يظنُّ الكفار أنَّهم قاموا بأعمال قد تنجيهم من عذاب ذلك اليوم، فإنَّ الله تعالى يبطلُ أعمالهم ويحبطها لأنَّها لم تكن خالصةً لوجه الله، ولأنَّ كل عمل لا يكون وفق الشريعة وخالصًا لله تعالى فهو باطل، ولذلك فإنَّ أعمال الكفار يكون فيها كلا الأمرين أو أحدهما، فهي باطلة ووصفها الله أنَّها مثل الهباء المنثور، وهو الأشياء الدقيقة التي تظهر عند دخول ضوء الشمس من فتحة إلى مكان مظلم، أي لا قيمة لها ولا نفع بها، ورويَ عن ابن عباس أيضًا أنَّ الهباء المنثور هو الماء المهراق، وعن علي أنَّه رهجُ الدواب، والخلاصة في معنى الآية أنَّ أولئك الكفار الذين ظنوا أنَّ أعمالهم ذات قيمة، كانت يوم الحساب بلا قيمة، وقد شبهها الله بشيء حقير وتافه ولا قيمة له، كما في قوله تعالى: {مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ ۖ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ ۖ لَّا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَىٰ شَيْءٍ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ}،[٥] والله أعلم.[٦]


معاني المفردات في آية: وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثورًا

هل لمفردات هذه الآية معاني؟ إنَّ معرفة معاني المفردات تزيد من إمكانية فهم معنى النصِّ عمومًا، وكذلك في آيات كتاب الله تعالى، فكلما اتَّضحت معاني المفردات تبيَّن المقصود من كلام الله وأصبح فهم الآية أقرب للقلب، وسيتمُّ إدراج معاني المفردات في آية: وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثورًا، فيما يأتي:

  • وقدمنا: من قدِم ويقدَمُ وقدومًا، والفاعل قادم والمفعول مقدوم، والجمع منها قدُوم، وقدم الأرضَ: بمعنى أتاها وأتى إليها، وقدم من السفر: عاد منه ورجع، وقدم إلى الأمر: قصدَ وعمد إليه، ومنه وقدمنا في الآية بمعنى عمدنا وأتينا وأمثالها.[٧]
  • عملوا: من عمِل ويعمَل، والفاعل عامل والمفعول معمول، وعمل بمعنى قام بجهد ومارس نشاطًا من أجل الوصول إلى غاية محددة، وعمل المطلوب منه: أنجزه وقام به على أكمل وجه، وعمل إذا فعل فعلًا عن قصد، حيث قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ}،[٨] أي من قام به وأنجزه.[٩]
  • هباءً: وجمعه أهباء وأهبية، وهو ما يتطاير في الجو مثل الغبار أو الدخان ويُرى عند دخول ضوء الشمس من النافذة أو فتحة، وهو مضربُ مثل لكل شيء عديم القيمة ولا يعتدُّ به، الهباء من الناس: من هم دون عقل، هباء العاصفة: ما ارتفع في الجو منها، والهباء أيضًا الغبار الذي تطيره الرياح فيلتصق بالأشياء، وذهبَ عمله هباءً: هدرًا وخسرانًا من دون نتيجة.[١٠]
  • منثورًا: منثور اسم مفعول من نثر، والفاعل ناثر، وهو بمعنى متفرِّق، نثر الشيء: فرقه وبعثره، وهباءً منثورًا: بمعنى لا شيء.[١١]


إعراب آية: وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثورًا

هل لمفردات هذه الآية إعراب في اللغة العربية؟ تتضمن علوم القرآن الكريم دراسته من جميع جوانبه بما فيها اللغوية، ومن خلال إعراب مفردات القرآن يمكن أن يفهم المسلم المقصود من كلام الله من خلال معرفة موقع وعمل كل كلمة في الآية، وفيما يأتي إعراب آية: وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثورًا، إعرابَ مفرداتٍ وإعراب جُمَل:[١٢]

  • وقدمنا: الواو: استئنافية، قدمنا: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا، و"نا" ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل.
  • إلى: حرف جر.
  • ما: اسم موصول بمعنى الذي في محل جرِّ بإلى، وجملة "قدمنا إلى ما عملوا" جملة استئنافية لا محل من الإعراب.
  • عملوا: فعل ماض مبني على الضم لاتصاله بالواو، والواو ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل، وجملة "عملوا" صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.
  • من: حرف جر.
  • عمل: اسم مجرور وعلامة جره الكسرة، والجار والمجرور متعلقان بحال محذوف.
  • فجعلناه: الفاء: حرف عطف، جعلناه: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بنا، ونا ضمير متصل في محل رفع فاعل، والهاء: ضمير متصل في محل نصب مفعول به أول، وجملة "فجعلناه" معطوفة على جملة استئنافية لا محل لها من الإعراب فهي لا محل لها من الإعراب.[١٣]
  • هباءً: مفعول به ثانٍ منصوب وعلامة نصبه الفتحة.
  • منثورًا: صفة منصوبة وعلامة نصبها الفتحة الظاهرة.


الثمرات المستفادة من آية: وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثورًا

بعد المرور على معاني الآية بالشرح التفصيلي من ثمَّ معرفة معاني مفرداتها وإعرابها إعراباً كاملًا، يجدر بالذكر بيان الثمرات المستفادة منها، فقد أنزل الله تعالى كتابه الكريم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هداية للناس، ففيه تعاليم وأحكام إذا التزمَ بها المسلمون يستطيعون أن يفلحوا في الدنيا والآخرة، وأن يسيروا كما شاء لهم خالقهم تبارك وتعالى، ولذلك سيتمُّ ذكرِ الثمرات المستفادة من آية: وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثورًا، فيما يأتي:[١٤]

  • لا يُقبل عملُ أي إنسان إذا لم يكُن يؤمن بالله تعالى، لذلك تكون أعمال المشركين والكفار باطلة ولا قيمة لها يوم القيامة، وسيحبطها الله كأنها لم تكن، ويُلقي بأصحابها إلى نار جهنم خالدين فيها، حيث قال تعالى:{وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.[١٥]
  • إنَّ أعمال العاصي والمذنب من المسلمين في خطر إذا لم يتُب إلى الله تعالى، فقد يقبلها الله ويتوب عليه ويدخل الجنة بتوحيده وعبادته، وقد لا يقبل منه الله تعالى شيئًا منها بسبب معاصيه وتهاونه ولأنه لم يتُب قبل أن يموت ويلقى الله تعالى عاصيًا، حيث قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا}.[١٦]
  • كل عملٍ متعلق بأمرين لا يُقبَل من دونهما، أولًا أن يكون من مسلم ووفق أحكام ومقاصد الشريعة ولا يكون مخالفًا لها، وثانيًا أن يكون خالصًا لوجه الله تعالى وابتغاء مرضاته، فإذا افتقد أي عمل أحد هذين الشرطين أو كليهما فإنَّ عمله باطل ولا نفع يُرجى منه يوم الحساب.[١٧]

المراجع

  1. سورة الفرقان، آية:1-2
  2. "سورة الفرقان"، ar.wikipedia.org. بتصرّف.
  3. سورة الفرقان، آية:21-24
  4. "تفسير قوله تعالى " وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا ""، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-12. بتصرّف.
  5. سورة إبراهيم، آية:18
  6. "وَقَدِمْنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍۢ فَجَعَلْنَٰهُ هَبَآءً مَّنثُورًا"، www.quran7m.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-12. بتصرّف.
  7. "تعريف و معنى قدمنا في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-12. بتصرّف.
  8. سورة فصلت، آية:46
  9. "تعريف و معنى عملوا في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-12. بتصرّف.
  10. "تعريف و معنى هباء في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-12. بتصرّف.
  11. "تعريف و معنى منثورا في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-12. بتصرّف.
  12. "وَقَدِمْنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍۢ فَجَعَلْنَٰهُ هَبَآءً مَّنثُورًا"، www.quran7m.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-12. بتصرّف.
  13. "كتاب: الجدول في إعراب القرآن"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-12. بتصرّف.
  14. "بيان من تكون أعمالهم هباءً منثوراً يوم القيامة"، binbaz.org.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-12. بتصرّف.
  15. سورة المائدة، آية:5
  16. سورة النساء، آية:48
  17. "وَقَدِمْنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍۢ فَجَعَلْنَٰهُ هَبَآءً مَّنثُورًا"، www.quran7m.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-12. بتصرّف.
3695 مشاهدة
للأعلى للسفل
×