معنى آية ولا تقف ما ليس لك به علم، بالشرح التفصيلي

كتابة:
معنى آية ولا تقف ما ليس لك به علم، بالشرح التفصيلي

سورة الإسراء

سورة الإسراء من السور المكيّة التي نزلت قبل الهجرة، ويرجّح ابن عاشور أنّ نزولها كان قبل الهجرة بعامين أو عام ونصف، كانت تُسمّى في عصر الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- والصحابة -رضوان الله عليهم- سورة بني إسرائيل، وقد ذُكرت في حديث في صحيح البخاري يقول: "سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يقولُ في بَنِي إسْرَائِيلَ والكَهْفِ ومَرْيَمَ وطه والأنْبِيَاءِ: إنَّهُنَّ مِنَ العِتَاقِ الأُوَلِ، وهُنَّ مِن تِلَادِي"،[١] ومن أسمائها قديمًا "سورة سبحان" لأنّها بدأت بالتسبيح، سُمّيت بسورة الإسراء لأنّها اشتملت على ذكر إسراء النبي -صلّى الله عليه وسلّم- من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ترتيبها من حيث النزول الخمسون، ونزلت بعد سورة القصص وقبل سورة يونس، ويبلغ عدد آياتها عند الجمهور 110 آيات، وعند أهل الكوفة 111 آية،[٢] وترتيبها في المصحف 17 بين سورتي النحل والكهف، وقد ورد فيها قوله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}،[٣] وسيقف معه هذا المقال.[٤]

معنى آية: ولا تقف ما ليس لك به علم، بالشرح التفصيلي

تقف هذه الفقرة فيما يأتي مع تفسير وبيان قوله تعالى في سورة الإسراء: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}،[٥] والحقّ أنّ أهل العلم من السلف الصالح قد اختلفوا في المقصود بقوله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}، وقد نقل أهل التأويل أقوالهم في بعض كتبهم فقالوا إنّ بعضهم ذكر أنّ المعنى هو: ولا تقل ما ليس لك به علم، وقيل إنّ المعنى هو: ولا ترمِ أحدًا أو تذمّه بما ليس لك به علم، فهذا القول قولٌ باطلٌ، وقال ابن الحنفيّة -وهو من أحفاد علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه- إنّ المقصود بهذا القول هو شهادة الزور، وقال بعض السلف أيضًا إنّ المقصود هو عدم تتبّع الآخرين بالحدس والظنّ من دون العلم، وذلك آتٍ من القفو، وهو القذف بالباطل والبهت، ومنه الحديث الذي يرويه الأشعث بن قيس إذ يقول: أتَيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ في وفدِ كِندةَ، ولا يرَوني إلَّا أفضلَهُم، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، ألستُمْ منَّا؟ فقالَ: "نَحنُ بنو النَّضرِ بنِ كِنانةَ، لا نَقفو أمَّنا، ولا نَنتَفي مِن أبينا"،[٦] ومنه كذلك قول الكميت بن زيد الأسدي:

فلا أرمي البريءَ بغيرِ ذنبٍ

ولا أقفو الحواصِنَ إن قُفينا

ومنه علم القيافة الذي هو تتبّع الآثار والفاعل منه القائف والجمع القافة، ومن ذلك المعنى أُخذ اسم قافية الشعر لأنّها تقفو البيت؛ أي: تأتي في آخره، وقال الإمام ابن كثير الدّمشقيّ إنّ جملة ما حكاه علماء السلف حول تفسير هذه الآية يصبّ في معنى واحد وهو نهي الله -تبارك وتعالى- عن القول أو الحكم بلا علم وباتّباع الظنّ الذي يكون منبعه من الوهم والخيال، وقد قال تعالى في سورة الحُجُرات: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللهَ ۚ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ}،[٧] وكذلك قال -صلّى الله عليه وسلّم- في الحديث الصحيح: "إيَّاكُمْ والظَّنَّ، فإنَّ الظَّنَّ أكْذَبُ الحَديثِ"،[٨] والله أعلم.[٩]

ثمّ يقول تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}، والمعنى كما ذهب أهل العلم أنّ الله -تعالى- سيسأل أعضاء الإنسان وجوارحه عمّا كان يفعله، فيسأل سَمْعه عمّا سَمِعَه، ويسأل بصره عمّا رآه، ويسأل القلب عمّا افتكر فيه، وقيل إنّ الله -تعالى- سيسأل الإنسان عمّا حوته جوارحه، فبعض الناس يكذبون فتشهد عليهم جوارحهم يوم القيامة، ومن ذلك قوله تعالى في سورة يس: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}،[١٠] وقوله تعالى كذلك في سورة فُصِّلَت: {حَتَّىٰ إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}،[١١] وقال بعضهم إنّ قوله تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} يتلاقى معه حديث النبي -صلّى الله عليه وسلّم- الذي يقول فيه: "أَلا كُلُّكُمْ راعٍ، وكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عن رَعِيَّتِهِ"،[١٢]فكأنّ جوارح الإنسان من رعيّته، وهو مسؤول عنها أمام الله تعالى، وأمّا عن سبب قوله -تعالى- أولئك ولم يقل تلك فقد عزاه الإمام الطبري إلى أنّ ذلك مستعمل في لغة العرب؛ وذلك أنّهم يستعملون أولئك وهؤلاء للجمع القليل، وهذه وتلك للجمع الكثير، ومنه قول جرير بن عطيّة اليربوعي:

ذُمَّ المَنــازِلَ بَعْــدَ مَنزلَـةِ اللَّـوَى

والعَيْشَ بَعْـــدَ أُولَئِـــكَ الأيَّــامِ

والعرب تجعل الجمع على مثال الأسماء، والله أعلم.[٩]

معاني المفردات في آية: ولا تقف ما ليس لك به علم

بعد الوقوف مع تفسير الآية الكريمة من سورة الإسراء التي يقول فيها الله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}،[١٣] فإنّ هذه الفقرة تقف مع بيان معاني المفردات لزيادة الإيضاح والبيان، وذلك فيما يأتي:

  • تقف: لهذا الفعل معانٍ عدّة في اللغة، منها تتبّع الأثر، والقذف والرمي بالباطل والفجور.[١٤]
  • علم: العلم هو ما كان نقيض الجهل، وقالوا فيه هو إدراك حقيقة الأمور والأشياء.[١٥]
  • الفؤاد: الفؤاد القلب، ومنه قوله تعالى في التنزيل العزيز في سورة النجم: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ}،[١٦] وقيل غشاء القلب، وقيل وسط القلب.[١٧]

إعراب آية: ولا تقف ما ليس لك به علم

بعد الوقوف مع معاني بعض مفردات الآية الكريمة التي يقول فيها تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}،[١٨] فإنّ هذه الفقرة تقف مع إعراب مفرداتها وجملها من أجل كشف اللثام عن المعنى الذي لم يتّضح بعد لقارئ هذه الآية الكريمة، وذلك فيما يأتي:

  • ولا: الواو حرف عطف، ولا ناهية جازمة.[١٩]
  • تقفُ: فعل مضارع مجزوم بلا، وعلامة جزمه حذف حرف العلة من آخره، والفاعل ضمير مستتر تقديره أنت.[١٩]
  • ما: اسم موصول بمعنى الذي مبني في محل نصب مفعول به.[١٩]
  • ليس: فعل ماضٍ ناقص.[١٩]
  • لك: اللام حرف جر، والكاف ضمير متصل مبني في محل جر بحرف الجر، والجار والمجرور متعلقان بخبر ليس المُقدّم المحذوف، والتقدير: ليس علمٌ كائنًا لك.[١٩]
  • به: الباء حرف جر، والهاء ضمير متصل مبني في محل جر بحرف الجر، والجار والمجرور متعلّقان بحال محذوفة من اسم ليس المؤخّر "علم".[١٩]
  • علمٌ: اسم ليس مؤخّر مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة.[١٩]
  • إنّ: حرف مشبّه بالفعل.[١٩]
  • السمعَ: اسم إنّ منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.[١٩]
  • والبصرَ: الواو حرف عطف، والبصر معطوف على "السمع" فهو منصوب مثله وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.[١٩]
  • والفؤاد: الواو حرف عطف، والبصر معطوف على "السمع" كذلك فهو منصوب مثله وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة.[١٩]
  • كلُّ: مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره.
  • أولئك: اسم إشارة مبني في محل جر بالإضافة، والكاف حرف خطاب لا محل له من الإعراب.[٢٠]
  • كان: فعل ماضٍ ناقص، واسمه محذوف.[١٩]
  • عنه: عن حرف جر، والهاء ضمير متصل مبني في محل جر بحرف الجر، والجار والمجرور متعلقان بخبر كان "مسؤولًا".[١٩]
  • مسؤولًا: خبر كان منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.[١٩]
  • جملة {لَا تَقْفُ}: معطوفة على جملة {وَزِنُوا} في الآية السابقة التي يقول فيها تعالى: {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}،[٢١] فهي مثلها لا محل لها من الإعراب.[٢٢]
  • جملة {لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}: صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.[٢٢]
  • جملة {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}: تعليليّة لا محل لها من الإعراب.[٢٢]
  • جملة {كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}: في محل رفع خبر إنّ.[٢٢]
  • جملة {كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}: في محل رفع خبر للمبتدأ كل.[٢٢]

الثمرات المستفادة من آية: ولا تقف ما ليس لك به علم

تقف هذه الفقرة ختامًا مع الثمرات المستفادة من قوله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}،[٢٣] وخير ما يمكن الحديث عنه من ثمرات هو ما قاله الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله، فيرى الشيخ أنّ الله -تعالى- قد ساق بهذه الآية الآليّة التي تنتظم بها حياة البشر، وهي قضيّة العلم بالشيء، فلا حياة منتظمة وراقية سوى بالعلم، العلم وحده من يرتقي بالإنسان ويجعله يليق ببشريّته وإنسانيّته، وقد ساق الله -تعالى- هذه الآية بعد حديثه في الآية السابقة لهذه الآية على الضّروريّات وأنّه قد تكفّل بها، فانتقل للحديث على ما يجعل الإنسان يرتقي بحياته وهو العلم والتّفكّر، والعلم المقصود هنا هو العلم المطلق لا الديني فقط، فيمكن القول باختصار في عنوان الثمرة المستفادة من هذه الآية ما ورد عن أحد الصالحين -رحمهم الله- حينما أوصى بعض مريديه فقال: "تعلّم ثمّ تكلّم"، والله أعلم.[٢٤]

المراجع

  1. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، الصفحة أو الرقم:4994، حديث صحيح.
  2. "التحرير والتنوير - سورة الإسراء"، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-25. بتصرّف.
  3. سورة الإسراء، آية:36
  4. "سورة الإسراء"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-25. بتصرّف.
  5. سورة الإسراء، آية:36
  6. رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن الأشعث بن قيس، الصفحة أو الرقم:2132، حديث حسن.
  7. سورة الحجرات، آية:12
  8. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:5143، حديث صحيح.
  9. ^ أ ب "تفاسير الآية 36 من سورة الإسراء"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-25. بتصرّف.
  10. سورة يس، آية:65
  11. سورة فصلت، آية:20
  12. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:1829، حديث صحيح.
  13. سورة الإسراء، آية:36
  14. "تعريف و معنى يقفو في قاموس القاموس المحيط"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-25. بتصرّف.
  15. "تعريف و معنى العلم في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-25. بتصرّف.
  16. سورة النجم، آية:11
  17. "تعريف و معنى الفؤاد في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-25. بتصرّف.
  18. سورة الإسراء، آية:36
  19. ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص "وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِۦ عِلْمٌ ۚ إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَٰٓئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْـُٔولًا (الإسراء - 36)"، www.quran7m.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-25. بتصرّف.
  20. محمد علي طه الدرة (2009)، تفسير القرآن الكريم وإعرابه وبيانه (الطبعة 1)، دمشق:دار ابن كثير، صفحة 339، جزء 5. بتصرّف.
  21. سورة الإسراء، آية:35
  22. ^ أ ب ت ث ج "الجدول في إعراب القرآن"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-25. بتصرّف.
  23. سورة الإسراء، آية:36
  24. "سورة الإسراء - تفسير الشعراوي"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-25. بتصرّف.
5728 مشاهدة
للأعلى للسفل
×