معنى آية ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرًا ورئاء الناس

كتابة:
معنى آية ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرًا ورئاء الناس

سورة الأنفال

إنَّ سورة الأنفال تعدُّ سورة من سور القرآن الكريم المدنية، باستثناء الآيات من الثلاثين إلى السادسة والثلاثين فهنَّ آياتٌ مكية، كما أنَّ سورة الأنفال تعدُّ من السبع الطوال حيث إنَّ عدد آياتها يبلغ خمسة وسبعون آية، ويرجع سبب تسميتها بهذا الاسم إلى ذكر حكم الأنفال فيها أي الغنائم، أمَّا موضوع السورة فإنَّه يتمحور حول الغزوات والجهاد في سبيل الله،[١] وقد وردت بها آية كريمة ترشد المسلمين في مراعاة الإخلاص في نواياهم وعدم تشوييها بالرياء والبطر عند الخروج للجهاد في سبيل الله،[٢] وهذه الآية هي قول الله تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}،[٣] وسيتم في هذا المقال بيان معنى الآية الكريمة، وبيان معاني مفرداتها، كما سيتم إعرابها وذكر بعض الثمرات التي يُمكن استنباطها منها.

معنى آية: ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرًا ورئاء الناس

إنَّ المعنى الإجمالي لقول الله تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}،[٣] أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- يحذِّر المسلمين أن يكونوا مثل قريش عندما خرجوا من مكة بهدف حفظ العير، فخرجوا بالقيان والمغنيات والمعازف، وأصروا على القتال حتى بعد معرفتهم بسلامة العير من أيدي المسلمين ليشيع صيتهم بين العرب ويسمعوا بهم ويهابوهم، فكان خروجهم تكبرًا وفخرًا كما أنَّهم اتخَّذوا نعم الله -عزَّ وجلَّ- عليهم وسيلة إلى ما لا يرضيه، بالإضافة إلى أنَّ خروجهم كان بقصد كسب ثناء النَّاس عليهم، وقد عُبر عن الرياء والبطر بالاسم الدال على الثبات والتمكين دلالة على أنَّهم مجبولون على حبِّ الظهور، كما أنَّ من أهدف خروج قريش يوم بدر ليصدوا النَّاس عن دين الله -عزَّ وجلَّ- وقد عُبر عن الصدِّ بالفعل الدال على التجديد والتغير إشارة من الله -عزَّ وجلَّ- إلى أنَّ هذا الصدَّ لم يحصل منهم إلا بعد أن دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الإسلام، ثمَّ ختم الله -عزَّ وجلَّ- الآية الكريمة بقوله: {وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}، لتحذير المسلمين من الاتِّصاف بهذه المواصفات السيئة المذمومة، مبينًا أنَّه محيطٌ بكل ما هو صغيرٌ وكبير، وأنَّه سيقوم بمجازاة كلَّ من أساء بعمله، كما أنَّه سيجازي بالحسنى كلَّ من أحسن بعمله لذلك على المسلمين أن يكونوا مخلصين بأعمالهم لله -عزَّ وجلَّ- وحده،[٤] ولا بأس في هذا المقام من ذكر أقوال بعض العلماء في تفسير الآية الكريمة، وفيما يأتي ذلك:

  • الطبري: في الآية الكريمة إشارة من الله -عزَّ وجلَّ- للمسلمين بأن يجعلوا نواياهم خالصة له في جميع أعمالهم، وتحذيرٌ لهم من الرياء كما فعل مشركوا قريش عند خروجهم يوم بدر، حيث كان الهدف من هذا الخروج هو أن ينتشر صيتهم بين العرب فيتحدثوا بهم، وليصدوا الناس عن دين الله وذلك بقتال المسلمين وتعذيبهم، ويختم الله -عزَّ وجلَّ الآية الكريمة بإخبار المسلمين بأنَّه محيطٌ وعليمٌ لا يخفى عليه شيءٌ من أفعال المشركين.[٥]
  • تفسير ابن كثير: في الآية الكريمة نهيٌ من الله -عزَّ وجلَّ- عن التشبه بالمشركين في خروجهم من ديارهم يوم بدر، حيث إنَّهم خرجوا دفعًا للحقِّ ومفاخرةً وتكبرًا، وفي ذلك إشارة للمؤمنين بالإخلاص في القتال في سبيله، ثمَّ يُخبر الله -عزَّ وجلَّ- في نهاية الآية الكريمة بأنَّه عليمٌ بما جاء به هؤلاء المشركين، لذلك كان جزاؤهم شرَّ الجزاء.[٦]
  • تفسير القرطبي: يحذِّر الله -عزَّ وجلَّ- المسلمين من أن يكونوا مثل أبي جهلٍ وأصحابه عندما خرجوا يوم بدرٍ لنصرة العير، فخرجوا بالقيان والمغنيات والمعازف، فكانوا مستغلين نعمة الله -عزَّ وجلَّ- عليهم بالمعاصي.[٧]

معاني المفردات في آية: ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرًا ورئاء الناس

إنَّ القرآن الكريم هو الأساس الأول لفهم الدين الإسلامي، وإنَّ هذا الأساس قد نزل بلسانٍ عربيٍ مبين، حيث قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}[٨]، وعلى ذلك فإنَّ من أراد فهم الإسلام، لا بدَّ من فهم القرآن الكريم وحيث إنَّ القرآن الكريم نزل باللغة العربية، فلا بدَّ لمن أراد فهمه أن يكون على اطِّلاعٍ جيدٍ بمعاني الكلمات،[٩] ومن هذا المنطلق سيتم تخصيص هذه الفقرة لبيان معاني مفردات قول الله تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}، وفيما يأتي ذلك:

  • ديارهم: إنَّ الديار في اللغة هي جمع الدار، ولفظة الدار تعني المحلَّ الَّذي يجمع البناء والساحة، والمعنى المقصود في الآية الكريمة هو البلد والقبيلة.[١٠]
  • بطرًا: أي الطغيان والفخر والأشر.[١١]
  • رئاء: أي مراءةً لهم وسمعة لا لوجه الله.[١٢]
  • الناس: اسمٌ للجمع من بني آدم.[١٣]
  • يصدون: أي يمنعون ويردعون ويصرفون.[١٤]
  • سبيل الله: كلُّ ما أمر به الله -عزَّ وجلَّ- من الخير.[١٥]
  • الله: علمٌ على الذات العليَّة الواجبة الوجود، الجامعة لصفات الألوهية.[١٦]
  • محيط: اسم من أسماء الله الحسنى، ويأتي بمعنى الذي أحاطت قدرتُه وسعة علمه بجميع خَلْقه.[١٧]

إعراب آية: ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرًا ورئاء الناس

ذُكر سابقًا أنَّ القرآن الكريم نزل بلغة العرب، وأنَّه لا بدَّ لمن أراد فهم القرآن الكريم أن يكون عالمًا باللغة العربية وعلومها، ومن هذه العلوم، ما يُسمى بعلم النحو والإعراب، وذلك لما في هذا العلم من أهمية كبيرة في فهم المراد من كلام الله -عزَّ وجلَّ- ولما في الحركة الإعرابية من عظيم الأثر في توضيح المراد من الآيات الكريمة،[١٨] وبناءً على ذلك فإنَّه لمن الضروري أن يتمَّ تخصيص فقرة في هذا المقال لبيان إعراب مفردات قول الله تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}، وفيما يأتي ذلك:[١٩]

  • ولا: لا الناهية.
  • تكونوا: فعل مضارع وجزوم بلا الناهية، وعلامة جزمه حذف حرف النون من آخره.
  • كالذين: "الكاف" حرف جر، "الذين"، اسم موصول مبني على الفتح في محل جر، والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر.
  • خرجوا: فعل ماضي مبني على الضمة لاتصاله بواو الجماعة، "والواو" ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل.
  • من ديارهم: "من" حرف جر، "ديار" اسم مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره، والجملة صلة موصول متعلقة بالفعل "خرجوا".
  • بطرًا: حال منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
  • ورئاء: اسم معطوف منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره، وهو مضاف.
  • الناس: مضاف إليه منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
  • ويصدون: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت حرف النون في آخره، "والواو" ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل.
  • عن سبيل: "عن" حرف جر، "وسبيل" اسم مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره، والجار والمجرور متعلِّقان بالفعل يصدون.
  • الله: لفظ الجلالة، مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره.

الثمرات المستفادة من آية: ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرًا ورئاء الناس

إنَّ القرآن الكريم كتاب هداية وتشريعٍ أُنزل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليخرج النَّاس من الظلمات إلى النور، وليهديهم إلى الصراط المستقيم، وقد أُمر المسلم بقراءة القرآن الكريم وتدبره، حيث قال تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}،[٢٠] وذلك لأنَّ التدبر مفتاحٌ للمعارف وبه يُستنتج كلَّ خيرٍ من كتاب الله، كما أنَّ باستطاعة المسلم أن يستعين به لاستخراج ما يهمه من العلوم بالإضافة إلى ما يتركه التدبر من أثرٍ في نفس المؤمن وقلبه إذ إنَّه يعرِّف المؤمن بربه فيزيد إيمانه، وحيث إنَّ التدبر مهمٌ في حياة المسلم وكما أنه الهدف الرئيسي من إنزال القرآن الكريم،[٢١] سيتم تخصيص هذه الفقرة لتدبر قول الله تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}، واستنباط الثمرات المستفادة منها، وفيما يأتي ذلك:[٤]

  • ينبغي للمؤمن إخلاص النية لله -عزَّ وجلَّ- وتنقيتها من شوائب الرياء والبطر.
  • أنَّ البطر والرياء لا يعودان على صاحبهما إلَّا بالشرِّ والسوء.
  • أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- عليم خبيرٌ بكلِّ صغيرة وكبيرة، فلا يخفى عليه شيء سواء أكان ظاهرًا أم باطنًا.
  • أنَّ تشبه المسلم بالمشرك يعدُّ ذميمة له.
  • أنَّ استغلال نعم الله -عزَّ وجلَّ- في المعاصي وترك الشكر عليها يعدُّ مذمةً للمرء.
  • على المرء ألَّا يسمح للفخر والتكبُّر أن يوصلاه لفعل ما يُكره، فالأصل أن يقدِّم السلم على الحرب إن أُتيح له ذلك.

المراجع

  1. "سورة الأنفال"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-23. بتصرّف.
  2. "تفسير الطبري"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-23. بتصرّف.
  3. ^ أ ب سورة الأنفال، آية:47
  4. ^ أ ب "الأنفال 47"، www.quran7m.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-23. بتصرّف.
  5. "تفسير الطبري"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-23. بتصرّف.
  6. "تفسير ابن كثير"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-23. بتصرّف.
  7. "تفسير القرطبي"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-23. بتصرّف.
  8. سورة يوسف، آية:2
  9. "أهمية اللغة العربية في فهم الإسلام"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-23. بتصرّف.
  10. "تعريف و معنى ديارهم في قاموس المعجم الوسيط ،اللغة العربية المعاصرة ،الرائد ،لسان العرب ،القاموس المحيط. قاموس عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-23. بتصرّف.
  11. "تعريف و معنى بطرا في قاموس المعجم الوسيط ،اللغة العربية المعاصرة ،الرائد ،لسان العرب ،القاموس المحيط. قاموس عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-23. بتصرّف.
  12. "تعريف و معنى رئاء في قاموس المعجم الوسيط ،اللغة العربية المعاصرة ،الرائد ،لسان العرب ،القاموس المحيط. قاموس عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-23. بتصرّف.
  13. "تعريف و معنى الناس في قاموس المعجم الوسيط ،اللغة العربية المعاصرة ،الرائد ،لسان العرب ،القاموس المحيط. قاموس عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-23. بتصرّف.
  14. "تعريف و معنى يصدون في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-23. بتصرّف.
  15. "تعريف و معنى سبيل الله في قاموس المعجم الوسيط ،اللغة العربية المعاصرة ،الرائد ،لسان العرب ،القاموس المحيط. قاموس عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-23. بتصرّف.
  16. "تعريف و معنى سبيل الله في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-23. بتصرّف.
  17. "تعريف و معنى محيط في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-23. بتصرّف.
  18. "أثر اختلاف الإعراب في تحديد المعاني"، www.m-a-arabia.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-23. بتصرّف.
  19. ".إعراب الآية (47):"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-23. بتصرّف.
  20. سورة ص، آية:29
  21. "أنزل الله القرآن هداية للناس وأمرهم بتدبره ، وبين النبي عليه السلام ما أُشكِل منه وفصل ما أُجمل ، ولم يجعل فيه سرا لأحد ."، islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-23. بتصرّف.
4198 مشاهدة
للأعلى للسفل
×