معنى آية ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء، بالشرح التفصيلي

سورة البقرة

سورة البقرة هي أطول سورة في القرآن الكريم، وهي السورة الثانية في المصحف حيث تقع بعد سورة الفاتحة، وعدد آياتها 286 آية، ويُقال أنّها أول سورة نزلت في المدينة المنورة، إلّا قوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}،^[١] حيث إنّه من المشهور أنّ هذه الآية هي آخر ما نزل من القرآن، وسبب تسميتها بسورة البقرة ورود قصة النبي موسى وبقرة بني إسرائيل، ومن مقاصد هذه السورة الكريمة إعداد الأمة لإعمار الأرض والقيام بأمر الدين، والحديث عن أصول الإيمان، وغير ذلك من المقاصد والموضوعات الكثيرة التي تضمنّتها سورة البقرة فهي سورة طويلة وفضلها عظيم، ومن خصائصها احتواؤها على أعظم آية في المصحف وهي آية الكرسي، بالإضافة إلى وجود أطول آية فيها أيضًا وهي آية المداينة، وقد تحدّثت السورة الكريمة عن أحكام العدّة، وسيتناول هذا المقال معنى آية: ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء، بالشرح التفصيلي.^[٢]

معنى آية: ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء، بالشرح التفصيلي

سورة البقرة هي سورة عظيمة تناولت الكثير من المواضيع والقضايا التي تخص المجتمع والأسرة، مثل الحديث عن أحكام الزواج والطلاق والنفقة والعدة وأحكام الرضاع وغير ذلك من القضايا والمسائل المهمّة الواجب تعلّمها وإدراكها كي لا يقع المسلم في المحظورر ويفعل ما هو محرّم عليه فعله أو يمتنع عن فعل ما أباح الله له فعله ظنًّا منه بحرمته، وقد تحدّث الله تعالى عن حكم الخطبة والتعريض بها في فترة العدّة، حيث قال: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ ۚ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَٰكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَن تَقُولُوا قَوْلًا مَّعْرُوفًا ۚ وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ}.^[٣]

وفي تفسير قوله تعالى: ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء، يقول الإمام الطبري في تفسيره أنّ الله تعالى يُخبر الرجال بأنّه لا جناح عليهم -أي لا حرج ولا أثم- في التعريض بخطبة النساء المعتدّات من وفاة أزواجهن وهنّ في العدّة، والآية تتكلم عن التعريض فقط ولا تُبيح التصريح بالرغبة بالنكاح، وفي معنى التعريض الكثير من الأقوال والأمثلة التي ضربها أهل العلم من السلف الصالح، حيث قال ابن عباس -رضي الله عنهما- أنّ التعريض هو قول الرجل للمرأة المعتدّة: "إنّي أُريد التزويج"، و "إنّي لأحبّ امرأة من أمرها وأمرها"، فيعرض لها بالقول بالمعروف، وقال أيضًا أنّ التعريض هو الكلام الذي لم يوضع ولم يُنصب بأصله لإرادة الخطبة بشكلٍ صريح.^[٤]

وقال مجاهد: قال رجلٌ لامرأة في جنازة زوجها: لا تسبقيني بنفسك! قالت: قد سبقت، وقد كره مجاهد هذا القول، إلّا أنّ الطبري قد نقل عن ابن عباس نحوًا من هذا الكلام ولم يرَ في قوله حرجًا هو وأشباهه، حيث قال في تفسير التعريض: أن يقول الرجل: "إن رأيت أن لا تسبقيني بنفسك، ولوددت أنّ الله قد هيّأ بيني وبينك"، وعلّق بأنّ هذا الكلام ونحوه ليس فيه حرج، ومن الآثار الواردة عنه أيضًا في التعريض أنّه قال: التعريض أن يقول للمرأة في عدّتها: "إنّي لا أريد أن أتزوج غيرك إن شاء الله" و "لوددت أني وجدت امرأة صالحة"، وقد شدّد على عدم التصريح بالخطبة في العدّة، حيث قال: ولا ينصب لها ما دامت في عدّتها.^[٤]

ومن الأقوال الآخرى التي تمثّل لتعريض الرجل للمرأة في عدتها، قوله: "إنك لجميلة وإنّك لنافقة، وإنّك إلى خير" وزاد مجاهد في قولٍ آخر له أنّه يقول: "وإنّ النساء لمن حاجتي"، وعن سعيد بن جبير أنّه قال في التعريض هو قول الرجل: "إنّي أريد أن أتزوّج، وإنّي إن تزوجت أحسنت إلى امرأتي"، وعنه أيضًا أنّه مثّل للتعريض في ترغيب الرجل للمرأة من خلال قوله لها: "لأعطينك، لأحسنن إليك، لأفعلن بك كذا وكذا"، ومن الأقوال الواردة عن أهل العلم في التعريض قول الرجل للمرأة: "والله إنّي لراغب، وإنّي لحريصٌ عليك"، وعن عطاء قال: يُعرّض تعريضًا، ولا يبوح بشيء. يقول: كإنّ لي حاجة وأبشري وأنت بحمد الله نافقة"، وهي تقول: "قد أسمع ما تقول"، ولا تعده شيئًا، ولا تقول: "لعلّ ذاك".^[٤]

كما نقل عن إبراهيم النخعي أنّه قال لا بأس في تقديم الهدية في العدّة بهدف التعريض بالخطبة، وعن ابن زيد قال أنّ التعريض هو كل شيء دون العزم على النكاح، وفي الأثر عن سكينة ابنة حنظلة بن عبد الله بن حنظلة قالت: "دخل عليّ أبو جعفر محمد بن علي وأنا في عدتي, فقال: يا ابنة حنظلة، أنا من علمت قرابتي من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم, وحق جدي علي، وقدمي في الإسلام. فقلت: غفر الله لك يا أبا جعفر، أتخطبني في عدتي, وأنت يؤخذ عنك! فقال: أو قد فعلت! إنما أخبرك بقرابتي من رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وموضعي! قد دخل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- على أم سلمة، وكانت عند ابن عمها أبي سلمة, فتوفي عنها, فلم يزل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يذكر لها منـزلته من الله وهو متحامل على يده، حتى أثر الحصير في يده من شده تحامله على يده, فما كانت تلك خطبة".^[٤]

وقد قال الطبري أنّ أهل اللغة اختلفوا في المعنى اللغوي لكلمة الخطبة، حيث قال البعض هي بمعنى الذكر وقال آخرون هي التشهد، أمّا التعريض في اللغة فهو ما كان من لحن الكلام الذي يفهم به السامع الفهم ما يفهم بصريحه،^[٤] والخطبة في الاصطلاح هي التماس النكاح والرغبة في الزواج، وفي تفسير قوله تعالى: ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء، أنّ التعريض هو الكلام غير الصريح المتضمّن للدلالة على ما يريد، وهو التماس النكاح في العدّة من المرأة التي توفّي عنها زوجها، كأن يقول لها: "إنّك لجميلة وإنّك لصالحة وإنّ من عزمي أن أتزوّج".^[٥]

كما ذكر البغوي في تفسيره المسمّى بمعالم التنزيل أنّ التعريض بالخطب جائز في عدّة الوفاة، أمّا المعتدّة من فرقة الحياة وهي التي يكون الرجل الذي فارقته على قيد الحياة، فيُنظر حينها إن كانت لا يحلّ لها الزواج منه كأن تكون مطلقة ثلاثًا أو التي بانت بسبب اللعان أو الرضاع فإنّه يجوز التعريض لها بالخطبة، وإن كان يجوز لها أن تعود لزوجها كأن تكون فارقته بسبب الخلع أو الفسخ، فيجوز لزوجها أن يخطبها تعريضًا أو تصريحًا، أمّا الغير فقد اختلف أهل العلم في جواز تعريضه لها بالخطبة، فقال البعض يجوز كالمطلقة ثلاثًا، وقال آخرون لا يجوز لأنّه يمكن لزوجها الأول أن يعاودها، فهي كالمعتدة من طلاق رجعي.^[٥]

معاني المفرادات في آية: ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء

تمّت الإشارة إلى بعض المعاني اللغوية للمفردات في آية: ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء، من خلال الحديث عن تفسير هذه الآية وذكر أقوال أهل اللغة في بيان معاني بعض الكلمات كالخطبة، وفيما يأتي بيان لمعاني مفرداتها بالتفصيل:

• جناح: الإثم والذنب.^[٦]
• عرضتم: التعريض هو التلويح والإشارة.^[٧]
• خطبة: طلب المرأة للزواج.^[٨]
• النساء: جمع امرأة وهنّ الإناث من البشر.^[٩]

سبب نزول آية: ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء

إنّ أسباب النزول هو أحد العلوم المهمة المتصلة اتصالًا وثيقًا بعلم التفسير حيث إنّ الحادثة التي تكون سببًا في نزول آية أو سورة معيّنة قد يكون لها أثر مهم في تفسير هذه الآية أو السورة، وقد قال صاحب تفسير روائع البيان في تفسير آيات الأحكام، قال الخازن في تفسيره: نزلت هذه الآية: {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النسآء} في رجلٍ من الأنصار، تزوج امرأة من بني حنيفة ولم يسمّ لها صداقًا، ثمّ طلقّها قبل أن يمسها فنزلت: {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} الآية، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "أمتعها ولو بقلنسوتك".^[١٠]

إعراب آية: ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء

اهتمّت بعض كتب التفسير بتفسير جميع آيات القرآن الكريم بينما اهتّم نوع آخر من كتب التفسير بتفسير آيات الأحكام فقط، وذلك لأهمية هذه الآيات حيث تضمنّت الكثير من الأحكام الشرعية من حلال وحرام وأمرٍ ونهي، وكذلك الأمر بالنسبة لكتب إعراب القرآن الكريم حيث قام بعض مصنفيها بإعراب جميع آيات القرآن بينما جمع بعض المصنفين إعراب آيات الأحكام، ومن هذه الآيات قوله تعالى: ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء، وفيما يأتي إعراب هذه الآية الكريمة من كتابي الجدول في إعراب القرآن وإعراب آيات الأحكام في القرآن الكريم:

• ولا: الواو حرف عطف، لا أداة نافية للجنس.^[١١]
• جناح: اسم لا مبني على الفتح في محل نصب.^[١١]
• عليكم: جار ومجرور.^[١١]
• فيما: في حرف جر، ما اسم موصول مبني على السكون في محل جر،^[١١] وهو متعلّق بخبر محذوف.^[١٢]
• عرضتم: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بتاء الفاعل، وتم ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل.^[١١]
• به: جار ومجرور،^[١١] متعلقّان بالفعل عرضتم.
• من خطبة: من حرف جر، خطبة اسم مجرور وعلامة جرّه الكسرة الظاهرة، وهو مضاف،^[١١] والجار والمجرور متعلقان بمحذوف حال من الضمير في "به".
• النساء: مضاف إليه مجرور وعلامة جرّه الكسرة.^[١١]
• جملة "لا جناح عليكم": لا محلّ لها من الإعراب معطوفة على جملة استئنافية.
• جملة "عرضتم": صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.

الثمرات المستفادة من آية: ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء

نظمّت سورة البقرة الكثير من العلاقات في المجتمع والدولة الإسلامية ففيها تحريم للربا والخمر وحديث عن الدين والتجارة والرهن، وتحدّثت عن الفرد في المجتمع الإسلامي وبيّنت الكثير من الأحكام الخاصة بالزواج والطلاق والنفقة والرضاع والعدة، وفي كل هذا فوائد عظيمة وثمرات جليلة بالإضافة إلى الحكم الرئيس الذي تفيده آيات هذه السورة الكريمة، وقد تمّ بيان معنى قوله تعالى: ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء، وفيما يأتي ذكرٌ لبعض الثمرات والفوائد المستفادة والمستنبطة من هذه الآية:

• لا يُحاسب الله تعالى على وساوس النفس لأنّها ليست من الأعمال، حيث قال بعد ذكر نفي الجناح عن التعريض أن الإكنان في النفس هو في حكمه أيضًا.^[١٣]
• الإسلام هو دين يُراعي الحاجة البشرية وفقًا للحدود الشرعية، حيث سمح للرجل الراغب بامرأة ما أن يُعرّض بها بالخطبة، دون التصريح حفاظًا على حرمة العدّة وأنّها حديثة عهد بوفاة زوجها، وحرصًا على مشاعر أقارب زوجها وما شابه.^[٤]
• المرأة كائن رقيق جاءت التشريعات والآداب الإسلامية لمراعاة هذه الطبيعة وهذا ظاهر من خلال بيان أهل العلم للتعريض حيث قالوا بأنّه قول الرجل للمرأة أنتِ جميلة، وترغيبها من خلال ذكر محاسنها وأنّها مرغوبة، بالإضافة إلى قول بعضهم بجواز تقديم الهدايا لها في عدتّها بهدف ترغيبها.^[٤]
• الحفاظ على الأسرة هو أحد الأولويات في الشريعة الإسلامية، حيث لا يُسمح بالتعريض أو التصريح بالخطبة للمرأة المعتدة من طلاق رجعي فزوجها أحق بإرجاعها، وكذلك الأمر بالنسبة للتي فارقت زوجها بسبب الخلع أو الفسخ على قول بعض أهل العلم.^[٥]

المراجع

1. ↑ سورة البقرة، آية:281
2. ↑ "سورة البقرة"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-15. بتصرّف.
3. ↑ سورة البقرة، آية:235
4. ^ ^{أ ب ت ث ج ح خ} "تفسير الطبري"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-15. بتصرّف.
5. ^ ^{أ ب ت} "تفسير: (ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء....) "، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-15. بتصرّف.
6. ↑ "تعريف و معنى جناح في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-15. بتصرّف.
7. ↑ "تعريف و معنى عرضتم به في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-15. بتصرّف.
8. ↑ "تعريف و معنى خطبة في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-15. بتصرّف.
9. ↑ "تعريف و معنى النساء في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-15. بتصرّف.
10. ↑ "كتاب: روائع البيان في تفسير آيات الأحكام"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-15. بتصرّف.
11. ^ ^{أ ب ت ث ج ح خ د} "إعراب آيات الأحكام في القرآن الكريم"، books.google.jo، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-15. بتصرّف.
12. ↑ "كتاب: الجدول في إعراب القرآن"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-15. بتصرّف.
13. ↑ "سُورَةِ البَقَرَةِ"، dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-15. بتصرّف.