محتويات
سورة المائدة
تعدّ سورة المائدة إحدى سور القرآن الكريم المدنيّة، نزلت على الرّسول الكريم محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- بعد هجرته من مكّة المكرّمة إلى المدينة المنوّرة، وهي من السّور الطّوال، عدد آياتها مئة وعشرون آية، نزلت بعد سورة الفتح، وترتيبها في المصحف الشّريف السّورة الخامسة، وفي الجزء السّادس والسّابع، بدأت السّورة بأسلوب نداء للمؤمنين، حيث قال تعالى: {َيا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ}،[١] سُميت بـ"سورة المائدة" والتي إحدى معجزات النّبي عيسى -عليه السّلام- إلى قومه عندما طلبوا منه تنزيل مائدة عليهم من السّماء؛ يأكلوا منها، وتطمئن بها قلوبهم، وكما سبق فسورة المائدة من السّور المدنيّة الطّوال، وقد تناولت كغيرها من السّور المدنيّة جانب التّشريع، بشكلٍ موسّع مثل سورة البقرة والنّساء والأنفال، بالإضافة لموضوع العقيدة وقصص أهل الكتاب، وتعدّ سورة المائدة من أواخر ما نزل من القرآن، ليس فيها منسوخ وفيها ثمان عشرة فريضة، وفيما يأتي معنى آية: ولا يجرمنكم شنآن قوم ألا تعدلوا، بالشرح التفصيلي.[٢]
معنى آية: ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، بالشرح التفصيلي
جاء في تفسير معنى قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ}،[٣] في الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي، قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ}، أي: قائمين لله بكلِّ عدل حقٍّ يلزمكم القيام به، قوله: {شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ}، تشهدون بالعدل، قوله: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قوم}، لا يحملنَّكم بغضكم لقوم على ترك العدل معهم،[٤] قوله: {اعْدِلُوا}، في الأولياء والأعداء، قوله: {هُوَ}، أَيْ: العدل، قوله: {أَقْرَبُ لِلتَّقْوى}، أَيْ: للفلاح واتِّقاء النّار، {وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ}.[٥]
وجاء في تفسير الطّبري: قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا}، أي: يا أيها المؤمنون! عليكم القيامُ لله شهداء بالعدل في أوليائكم وأعدائكم، وأن لا تجوروا في أحكامكم وعلاقاتكم فتقعوا في ظلم أعدائكم لعدواتهم لكم، وأن لا تقصِّروا فيما حُدّد لكم في أوليائكم لولايتهم لكم، ولكن عليكم أن تنتهوا في جميعهم إلى ما حدّدت لكم، وأن تعملوا بما أمرتكم، وقوله: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلاَّ تَعْدِلُوا}، أي: ولا تدفعنّكم عداوةُ قوم على ألّا تعدلوا في الحكم فيهم، فتظلموهم بسبب ما بينكم وبينهم من العداوة، وقوله: {اعْدِلُوا}، أي: طبّقوا ميزان العدل على كل واحد من النّاس وليًّا لكم كان أو عدوًّا، وبذلك تحملوهم على ما أمرتكم به أن تحملوهم عليه من أحكامي، ولا تجوروا على أحد منهم، قوله: {هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}، هو: تعود على العدل، أي: تطبيقكم للعدل على الأولياء والأعداء، هو دليل إيمانكم وصلاحكم،[٦] وقوله: {وَاتَّقُوا اللَّهَ}، أي: واحذروا أيها المؤمنون، من ظلمكم لعباده، فتجاوزوا فيهم حكم الله الذي بيّنه لكم، فتحلّ بكم عقوبته، وتستوجبوا عذابه، قوله: {إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ}، أي: إن الله ذو خبرة وعلم بما تعملون فيما أمركم به ونهاكم عنه، من عمل به أو مخالفة له.[٧]
معاني المفردات في آية: ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا
شرح معاني بعض الكلمات التي تحتاج إلى شرح وتوضيح في قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ}، من معاجم اللّغة العربيّة، وهي:
- قَوَّامِينَ: قَوَّامونَ: اسم، وهو جمع لـ"قَوَّام"، وقَوّام: صيغة مبالغة من قامَ يقوم، قيامًا وقوامًا، رجلٌ قوَّامٌ في اللّيل: يحسن القيام ويخلص فيه، القوّامُ: القيام لله بحقوقه، القوّامُ: الحسن القيام بالأمور، القوّامُ: المُتَولِّي للأمور، والقوّامُ: الشّخص الحسَنُ القامة، يقومون بالنَّفقة عليهنَّ والدّفع عنهنّ، هُوَ قَوَّامُهُمْ: أَمِيرُهُمْ. [٨]
- القِسْط: اسم: جمعه: أَقساط، القِسْطُ: العَدْلُ؛ وهو من المصادر الموصُوف بها، يوصف به الواحد والجمع، ميزانٌ قِسْطٌ، وميزانان قِسْطٌ، وموازينُ قِسْطٌ، القِسْطُ: الميزانُ، القِسْطُ: الحِصَّةُ والنَّصِيب، وفَّاهُ قِسْطَهُ: أعطاه كامل حصّته ونصيبه.
- يجرمنّكم: جَرَمَ: فعل: جَرَمَ الرَّجُلُ: أَذْنَبَ، اِرْتَكَبَ ذَنْباً، جَرَمَ نَفْسَهُ أو جَرَمَ عَلَيْهِم: جَنَى جِنَايَةً، جَرَمَ لأَهْلِهِ: كَسَبَ لَهُمْ، جَرَمَ الرَّجُلَ: أَكْسَبَهُ جُرْمًا، جرَمه على السَّرقة: حمله عليها، لا يجرمنّكم: لا يحملنّكم أو لا يكسبنّكم.
- شنآن: اسم: مصدر شنَأَ وشنِئَ، وشنآن الشِّتاء: بَرْده، شَنَآنٌ: حِقْدٌ، بُغْضٌ، وهو المراد في الآية الكريمة.[٩]
- تعدلوا: عَدَلَ: فعل، عدَل بين المتخاصمين: أنصف بينهما، وتجنَّب الظُّلْمَ والجَوْرَ، أعطى كلَّ ذي حقٍّ حقَّه، عَدَلَ فِي أَمْرِهِ: اِسْتَقَامَ، عَدَلَ فِي أَحْكَامِهِ: أَنْصَفَ، كَانَ عَادِلاً، تعدلوا: تنصفوا في الحكم.[١٠]
- خَبير: اسم: جمعه : خُبَرَاءُ، وخَبِيرَاتٌ، الخَبِيرُ: ذو الخِبَرة الذي يَخْبُرُ الشيءَ بعلْمِهِ، والخبير: اسم من أسماء الله الحسنى، ومعناه: العالم بكُنْه الشّيء، المطّلع على حقيقته، الذي لا تخفى عليه خافية.[١١]
إعراب آية: ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا
بعد بيان معاني المفردات في الآية الكريمة، يجدر إعراب قول الله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ}، مفردات وجملًا، كلآتي:[١٢] إعراب المفردات:
- يا أيّها: يا: أداة نداء، أيّ: منادى نكرة مقصودة مبنيّ على الضمّ في محلّ نصب، و"ها": للتنبيه.
- الذين: اسم موصول مبنيّ في محل نصب بدل من أيّ أو عطف بيان.
- آمنوا: فعل ماض مبنيّ على الضّمّ، و"الواو: ضمير متّصل مبنيّ في محل رفع فاعلًا.
- كونوا: فعل أمر ناقص مبني على حذف النّون.. والواو اسم كونوا مبنيّ في محلّ رفع.
- قوّامين: خبر "كونوا" منصوب وعلامة نصبه الياء.
- للّهِ: اللّام: حرف جرّ، الله: لفظ الجلالة، اسم مجرور باللّام متعلّقان بـ"قوّامين".
- شهداء: خبر ثانٍ لـ"كونوا" منصوب.
- بالقسطِ: جارّ ومجرور متعلّقان بـ"شهداء".
- ولا: الواو: عاطفة، لا: نافية مهملة.
- يجرمنّكم: فعل مضارع مبنيّ على الفتح في محلّ جزم، و"النّون": نون التّوكيد، "كم": ضمير متّصل مبني في محلّ نصب مفعولًا به.
- شنآن: فاعل مرفوع وعلامة رفعه الضّمّة.
- قوم: مضاف إليه مجرور وعلامة جرّه الكسرة.
- على ألا: على: حرف جرّ، أن: حرف مصدريّ ونصب، لا: نافية مهملة.
- تعدلوا: فعل مضارع منصوب بأن وعلامة نصبه حذف النّون، والواو: ضمير متّصل في محلّ رفع فاعلًا.
- اعدلوا: فعل أمر مبني على حذف النّون، و"الواو": ضمير متّصل مبنيّ في محلّ رفع فاعلًا.
- هو: ضمير منفصل مبني في محلّ رفع مبتدأ.
- أقرب: خبر مرفوع وعلامة رفع الضّمّة.
- للتّقوى: اللّام حرف جرّ، التّقوى: اسم مجرور وعلامة جرّه الكسرة المقدّرة على الألف، متعلّقان بـ"أقرب"،
- واتّقوا: الواو: عاطفة، اتّقوا: مثل اعدلوا.
- الله: اسم الجلالة مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة.
- إنّ: حرف مشبّه بالفعل.
- الله: اسم إنّ منصوب وعلامة نصبه الفتحة.
- خبير: خبر إنّ مرفوع وعلامة رفع الضّمّة.
- بما: الباء: حرف جرّ، "ما": اسم موصول مبني في محلّ جرّ متعلّقان بـ"خبير".
- تعملون: فعل مضارع مرفوع.. و"الواو": ضمير متّصل فاعل.
- {يأيّها الذين...}: استئنافيّة لا محلّ لها من الإعراب.
- {آمنوا}: صلة الموصول لا محلّ لها من الإعراب.
- {كونوا قوّامين}: جواب النداء لا محلّ لها من الإعراب.
- {لا يجرمنّكم}: معطوفة على جواب النّداء لا محلّ لها من الإعراب.
- {لا تعدلوا}: صلة الموصول لا محلّ لها من الإعراب.
- {اعدلوا}: استئنافيّة لا محلّ لها من الإعراب.
- {هو أقرب للتّقوى}: تعليليّة لا محلّ لها من الإعراب.
- {اتّقوا الله}: معطوفة على جملة اعدلوا لا محلّ لها من الإعراب.
- {إنّ اللّه خبير}: تعليليّة لا محلّ لها من الإعراب.
- {تعملون}: صلة الموصول لا محلّ لها من الإعراب.
الثمرات المستفادة من آية: ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا
ونهاية المطاف وبعد الوقوف على تفسير معنى قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ}، وشرح معنى بعض مفرداته، بقي معرفة الثمرات المستفادة منها وهي:
- تأكيدُ الله تعالى الأَمْرِ بالعَدْلِ مع الأعداءِ، وشَّهادته لهم به، في قَوْلِه تعالى: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}، ليُفيد بوجوبَه مع الأعداء كوجوبه مع الأقرباء والأولياء.
- تكرار الباري سبحانه في طلب العدل في قوله تعالى: {عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا}، لإظهار مدى أهمّيّته، فكان عدل المسلمين فيما بينهم، ومع أعدائهم وغيرهم سببًا في دخول النّاس في الإسلام أفواجًا.
- وممَّا يُستَفادُ مِن قَوْلِه تعالى: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}، بأنَّه هناك فَرْقٌ بين العَدْلِ والمساواةِ، وأكثَرُ ما ورد في القرآنِ الكريم إثبات العدل كما في الآية السّابقة، ونفْيُ المساواةِ؛ كما في قوله تعالى: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ* مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}،[١٣] وقوله تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}،[١٤] فقد نفى الله تعالى إمكانيّة المساواة في الآيتين.
- إقامة العدل في الدّولة والمجتمع دليل الصلاح والفلاح، وكما يقال: ينصر الله دولة العدل وإن كانت كافرة، ولا ينصر دولة الظلم وإن كانت مؤمنة.
المراجع
- ↑ سورة المائدة، آية: 1.
- ↑ "سورة المائدة"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 30-06-2020. بتصرّف.
- ↑ سورة المائدة، آية: 8.
- ↑ "تفسير: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا)"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 30-06-2020. بتصرّف.
- ↑ "موسوعة التفسير"، dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 30-06-2020. بتصرّف.
- ↑ "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا(8)"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 30-06-2020. بتصرّف.
- ↑ " تفسير السعدي"، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 30-06-2020. بتصرّف.
- ↑ "قوامين"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 03-06-2020. بتصرّف.
- ↑ "شنآن"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 03-06-2020. بتصرّف.
- ↑ "تعدلوا"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 03-06-2020. بتصرّف.
- ↑ "خبير"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 03-06-2020. بتصرّف.
- ↑ ".إعراب الآية رقم (8)"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 03-06-2020. بتصرّف.
- ↑ سورة القلم، آية: 35-36.
- ↑ سورة الزمر، آية: 9.