معنى آية ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل

كتابة:
معنى آية ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل

سورة البقرة

تعد سورة البقرة من السور العظيمة في كتاب الله تعالى والتي تعددت الأحكامُ والمواعظُ فيها؛ فهي أطولُ سورةٍ في القرآن الكريم وآياتها مائتان وستُ وثمانون آية، وهي ثاني سورةٍ في المصحف وسورة البقرة لها فضلٌ عظيمٌ ذَّكِرَ في كثيرٍ من أحاديثِ رسول الله، حيثُ قال رسول الله: "يُؤْتَى بالقُرْآنِ يَومَ القِيامَةِ وأَهْلِهِ الَّذِينَ كانُوا يَعْمَلُونَ به تَقْدُمُهُ سُورَةُ البَقَرَةِ، وآلُ عِمْرانَ، وضَرَبَ لهما رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ ثَلاثَةَ أمْثالٍ ما نَسِيتُهُنَّ بَعْدُ، قالَ: كَأنَّهُما غَمامَتانِ، أوْ ظُلَّتانِ سَوْداوانِ بيْنَهُما شَرْقٌ، أوْ كَأنَّهُما حِزْقانِ مِن طَيْرٍ صَوافَّ، تُحاجَّانِ عن صاحِبِهِما"،[١] وقال رسول الُله: "لا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقابِرَ، إنَّ الشَّيْطانَ يَنْفِرُ مِنَ البَيْتِ الذي تُقْرَأُ فيه سُورَةُ البَقَرَةِ"،[٢] وسميت بهذا الاسم لورودِ قصة بقرة بني إسرائيل فيها[٣]، وأُطلق على سورة البقرة العديدٍ من الأسماء منها: سنام القرآن وفسطاط القرآن والزهراء، ورويَ عن أهل التفسير أنّهم قالوا عن سورة البقرة: "أنها اشتملت على ألف خبر وألف أمر وألف نهي".[٤]

معنى آية: ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل

ذكرت سورة البقرة العديد من قصص الأنبياء والرسل -عليهم السلام- ومنهم نبي الله موسى -عليه السلام- وقد وردَ اسمه في مَعرضِ الامتنانِ على بني إسرائيل حيثُ قال الله تباركَ وتعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ}،[٥] وأما معنى الآية كما ذَكرهُ علماء التفسير فهو كما يأتي:[٦]

تفسير الطبري

جاء في تفسير الطبري في تفسير قول الله تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ}، إن الله تعالى يخبر أنّه أنزل على نبيه موسى التوراة؛ فهو الكتاب الذي أعطاه إياه تعالى، وأتبعَ الرُّسل وأردفهم بعضهم خلفَ بعض، من بعدِ نبيهِ موسى -عليه السلام- فقد أرسل الله تعالى رُّسله جميعهم بمنهاجٍ واحدٍ وشريعةٍ واحدةٍ، واتبعهم ببعض، فكل نبيٍ بعثه الله تعالى إلى بني إسرائيل من بعدِ نبيه موسى وحتى بعثَ نبيه عيسى ابن مريم جميعهم بُعثوا ليأمروا بني إسرائيل بإقامة التوراة والعمل بما جاءَ بها، ولذلك قال تعالى قفينا من بعدَهُ أي بنفسِ شريعتتِهِ ومنهاجِهِ.[٧]

تفسير السعدي

جاء في تفسير السعدي في تفسير قول الله تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ}، وفي هذه الآية إظهارٌ لمنَّةِ الله تعالى على بني إسرائيل أنّه أرسل إليهم نبيه موسى، وآتاهُ كتاب من عندِهِ وهو التوراة، ثُمّ تابعَ تعالى من بعدِ موسى ببعثِ الرُّسل إلى بني إسرائيل وجميع هؤلاء الأنبياء يحكمون بالتوراة ويعملون بما جاءَ بها، حتى بعثَ الله نبيه عيسى ابن مريم -عليه السلام- وهو خاتمُ أنبياء بني إسرائيل، وأيدهُ بالآيات البينات، وأيَّدَه بروح القُدس وهوجبريل -عليه السلام- وقيل أن روح القُدُس هو الإيمان الذي يؤيد الله به عباده.[٦]

تفسير ابن كثير

جاء في تفسير ابن كثير لقول الله تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ}، يصف الله تعالى بنى إسرائيل بالعناد والمخالفة والعتوّ، وباستكبارِهم على الأنبياء واتباعِهم أهواءهم، فالله تعالى قد آتى نبيه موسى -عليه السلام- الكتاب وهو التوراة، فقاموا بتبديلِها وتأويلها وتحريفها ومخالفةِ أوامرِها، وأرسل الله بعدَ موسى الرُّسل الذين يحكمونَ بالتوراة التي جاءَ بها موسى، وينهجون نفس نهجِهِ وشريعتِهِ، ويدعونهم لمّا دعاء إليه نبي الله موسى.[٦]

تفسير القرطبي

جاء في تفسير القرطبي لقول الله تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ}، قصدَ الله تعالى بالكتاب الذي آتاه لموسى التوراة، وقفينا أي أتبعنا فالتقفيةُ تعني الإردافُ والاتباع، وقال العلماء أنَّ هذه الآية مرادفة لقول الله تبارك وتعالى: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَىٰ}،[٨] وكل رسولٍ بعثَه الله تعالى من بعدِ موسى جاءَ لإثباتِ ما جاءَ في التوراة والأمر باتباعِ ما جاءَ بها من أوامر واجتنابِ ما جاءَ بها من نهي.[٦]

تفسير البغوي

جاء في تفسير البغوي لقول الله تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ}، ومعنى آتينا أعطينا والمقصود أنه الله تعالى أعطى موسى كتابًا من عنِده وهو التوراة، وأعطاه إياه جُملةً واحدةً، وقفينا أي أتبعنا من بعد موسى بالرُّسل رسولًا بعدَ الآخر.[٩]

تفسير الطنطاوي

جاء في تفسير الطنطاوي لقول الله تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ}، يُذكر الله تعالى بني إسرائيل بلون آخر من ألوان جناياتِهم، ففيها تذكيرٌ للنعم التي آتاهم الله تعالى إياها وأمدّهم بها وقابلوا هذا كُلّه بالعنادِ والكفر والإجرام، والمقصود بالكتاب الذي آتاه الله تعالى لموسى التوراة، فالله تعالى أنزَلها لهدايتهم وإصلاحهم، لكنّهم قاموا بتبديلها وتحريفِها، وخالفوا ما جاءَ فيها من أوامرٍ وأولوها بما تهوى أنفسهم، ومعنى {وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ}، أي أرسلنا وأردفنا من بعد نبي الله موسى -عليه السلام- رسلًا كثيرين ومُتتابعين؛ وذلكَ لهدايةِ بني إسرائيل وإرشادِهم، وإخراجهم من الظُلمات إلى النور، ويقال: "قفا أثره يقفوه قفوا وقفوا، إذا تبعه وقفى على أثره بفلان إذا أتبعه إياه وقفيته زيدا وبه: أتبعته إياه، والرّسل هي جمعٌ للرسول وقد أرسلَ الله تباركَ وتعالى رُسلًا من بعدِ نبيه موسى -عليه السلام- منهم داود وإلياس وسليمان ويونس ويحيى وزكريا وعيسى -عليهم الصلاة والسلام- وغيرهم من الأنبياء والرُّسل الذين بعثهم الله تعالى لبني إسرائيل، فمن مظاهرِ النعم التي أعطاها الله تبارك وتعالى لبني إسرائيل أنه لم يكتفِ بطريقةٍ واحدةٍ لهدايتهم، فلم يكتفِ الله تعالى بإنزال الكُتب بل بعثَ فيهم رُسلًا وأنبياء وهم متعددون وكُثر إلى جانبِ الكتاب السماوي الذي أعطاهم إياه، لينذرونهم من عذاب الله تعالى ويبشرونهم بنعيمهِ ولكن كانَ موقف بني إسرائيل أنّهم قابلوا هذه النعم بالكُفر والجحود، فقتلوا بعضًا من أنبيائِهم وقاموا بتحريفِ الكتب السماوية التي آتاهم الله تعالى إياها.[٦]

معاني المفردات في آية: ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل

إن كتاب الله تعالى هو أصلُ الأصول، وهو أساسُ الدينِ الإسلامي كُلّه وأنزل الله تعالى كتابه لعباده المؤمنين لفهمه وتدبره والعمل بما جاء به، ولا بدَّ من معرفةِ معاني المفردات في آياتِه ليسهل تفسيرها وتدبرها[١٠]، وبعدَ بيان معنى قول الله تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ}، سيأتي بيان معاني المفردات في الآية ليكتملَ تفسير الآية وتزداد وضوحًا وهي كما يأتي:

  • آتَيْنَا: أعطى وأدَّى وساقَه إليه.[١١]
  • الْكِتَابَ: الصُّحفُ المجموعة، والكتاب يُطلق علىالقرآن الكريم وغيره من الكتب السماوية، والكتاب المقدس هو كتاب اليهود ويشمل التوراة والأنبياء وبعضالكتب الأخرى التي يطلق عليها الكتابات.[١٢]
  • قَفَّيْنَا: أتبَعَ، ومعناها أتبعنا على أثره الرّسل على منهاجه يحكمون بشريعته.[١٣]
  • الرُّسُلِ: جمع رسول وهو المُرْسَل، الرَّسُولُ من الملائكة : من يبلِّغ عن الله.[١٤]

إعراب آية: ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل

يُعدُ الإعراب أمرًا ضروريًا في اللّغة العربية، ويُعرفُ الإعراب بأنّه تغيير أحوال أواخر الكلام، لاختلاف العوامل الداخلة عليه، تقديرًا أو لفظًا[١٥]، وإعرابُ قول الله تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ}، كما يأتي:[٦]

  • وَلَقَدْ: الواو حرف عطف، اللام واقعة في جواب القَسم المحذوف، قَد حرف تحقيق.
  • آتَيْنَا: فعل ماضٍ مبني على السكون، نا: ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل.
  • مُوسَى: مفعول به أول منصوب وعلامة نصبه الفتحة المقدره على آخره منعَ من ظهورها التعذر.
  • الْكِتَابَ: مفعول به ثاني منصوب وعلامة نصبه الفتحة على آخره، والجملة جواب القسم لا محل لها من الإعراب.
  • وَقَفَّيْنَا:الواو حرف عطف والجملة الفعلية قفَّينا معطوفة.
  • مِن بَعْدِهِ: جار ومجرور متعلقان بالفعل قَفَّينا والجملة معطوفة.
  • بِالرُّسُلِ: جار ومجرور وهي متعلقة بالفعل قّفَّينا والجملة معطوفة.

الثمرات المستفادة من آية: ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل

وبعدَ بيان معنى قول الله تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ}، وعرض أقوال أهل التفسير، وبيان معاني المفردات في الآيةِ الكريمة وإعرابها سيأتي بيان الثمرات المستفادة من الآية الكريمة والتي ينبغي الوقوف عندها وهي كما يأتي:[٦]

  • أن الله تعالى بعثَ الأنبياء والرُّسل جميعهم بشريعةٍ واحدةٍ ونهجٍ واحدٍ لدعوةِ النّاس وهدايتهم إلى الطريق المستقيم.
  • أن الله تعالى أرسل موسى إلى بني إسرائيل وأعطاهُ كتابًا من عنده وهو التوراة ليدعوهم إلى الهداية وإلى معرفةِ طريق الحق.
  • أن الله تعالى أرسل من بعدِ نبيهِ موسى -عليه السلام- عددًا من الرُّسل إلى بني إسرائيل يدعونهم لما جاءَ به نبي الله موسى وما أمرهم به الله تعالى في التوراة.
  • أن الله تعالى أيد رُسله بالكتب السماوية وبالمعجزات التي تدل على صدقِهم.

المراجع

  1. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن النواس بن سمعان الأنصاري، الصفحة أو الرقم:805، حديث صحيح.
  2. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:780، حديث صحيح.
  3. "سورة البقرة"، ar.wikipedia.org، 2020-07-18. بتصرّف.
  4. "أسماء سورة البقرة"، www.islamweb.net، 2020-07-18. بتصرّف.
  5. سورة البقرة، آية:87
  6. ^ أ ب ت ث ج ح خ " وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَٰبَ وَقَفَّيْنَا مِنۢ بَعْدِهِۦ بِٱلرُّسُلِ"، www.quran7m.com، 2020-07-19. بتصرّف.
  7. محمد بن جرير الطبري، تفسير الطبري، صفحة 318. بتصرّف.
  8. سورة المؤمنون، آية:44
  9. "تفسير: (ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل) "، www.alukah.net، 2020-07-19. بتصرّف.
  10. "كيف نفهم القرآن الكريم؟"، www.saaid.net، 2020-07-19. بتصرّف.
  11. "تعريف و معنى آتَيْنَا في معجم المعاني الجامع "، www.almaany.com، 2020-07-23. بتصرّف.
  12. "تعريف و معنى كتاب في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-07-26. بتصرّف.
  13. "تعريف و معنى قَفَّيْنَا في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، 2020-07-23. بتصرّف.
  14. "تعريف و معنى الرُّسُلِ في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، 2020-07-23. بتصرّف.
  15. "ما هو الإعراب في اللغة العربية؟"، www.alukah.net، 2020-07-19. بتصرّف.
3577 مشاهدة
للأعلى للسفل
×