معنى آية ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزمًا

كتابة:
معنى آية ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزمًا

سورة طه

سورة طه سورة مكية, نزلت ما بين السنة السابعة والحادية عشر من البعثة, عدد آياتها: 135, ترتيبها العشرون في المصحف العثماني, تقع بعد سورة مريم, تعددت آراء علماء التفسير في تسميتها, وقيل: سميت بسورة موسى لأنها تناولت الحديث عنه بكثرة, وبدأت السورة بذكر رأفة الله ورحمته -سبحانه- بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم, بأنه لم ينزّل عليه القرآن للعذاب والمشقة؛ بل للبلاغ والدعوة والخشية, حيث قال تعالى: {طه* مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ},[١] وسرّى الله -تعالى- عن نبيه في هذه الآيات؛ بذكر قصة موسى -عليه السلام- وكيف كان من أهل العزم, بصبره, ودعوته, وتذكيره لقومه بعبادة الله, رغم عصيانهم, وطغيانهم, إذ إنّ الله -تعالى- اصطفاه لنفسه وصنعه على عينه, وذكرت الآيات أيضًا: قصة آدم -عليه السلام- حين غفر الله خطيئته بعد عصيانه وأكله من الشجرة, وقد ذكرت بعض التفاسير بأن سورة طه, كانت سببًا فيإسلام عمر بن الخطاب,[٢] وهذه الحادثة كذّبها أكثر أهل العلم.

معنى آية: ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزمًا

تحمل سورة طه في طياتها قصص من الأمم السابقة من الأنبياء والرسل؛ وذكر القصص في القرآن؛ إنما يكون لأخذ العبرة التي تنفع المسلم في أمور دينه ودنياه, وجاءت آيات السورة تنبّه المؤمنين بأن يمتثلوا أوامر الله -عز وجل- وتحذرهم من اتّباع أمر عدوهم إبليس, كما حدث مع آدم - عليه السلام- فقد عهد الله -سبحانه- إليه أن لا يأكل من شجرة معينة في الجنة, وأباح له ما دون ذلك, وحينها جاءه إبليس ليوسوس له أن يأكل من الشجرة التي نهاهُ ربُه عنها, قال تعالى: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ},[٣] فأغوى الشيطان آدم - عليه السلام - حتى أنساه أمر ربه وأكل من تلك الشجرة, وذهب بعض أهل العلم في تفسير نسيان آدم في الآية الكريمة من سورة طه؛ أنه ترك أمر ربه, وخالف عهده,[٤] وبسبب نسيانه لهذا العهد؛ لم يعدّ آدم عليه السلام من أولي العزم من الرسل, وفي قوله تعالى: {مِن قَبْلُ},[٥] كان هذا القسم من الآية تسلية للنبي - صلى الله عليه وسلم- وأمته وتنبيهًا لهم في نفس الوقت؛ بأن طاعة بني آدم لإبليس ليس جديدًا, بل منذ عهد آدم -عليه السلام- مع العلم بأن آدم - عليه السلام- لم يعصِّ ربَهُ عن علم وإصرار؛ إنما كان ناسيًا, فكيف باللذين يخالفون أمر ربهم, وينقضون عهده بعزم واستكبار.[٦]

وهذه رسالة تحذير من الله - سبحانه تعالى- أن يَحذر الذين يعصون أمره, أن يَحلّ عليهم عقابُ الله, مع أن آدم -عليه السلام - لمّا عصى ربه ضلَّ عن طريق الصواب, حيث قال تعالى: {وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ}،[٧] فقد أباح الله له ما شاء من الجنة إلا تلك الشجرة, ولا زال إبليس يوسوس له أن يأكل منها ويغويه بأنها شجرة الخلد والمُلك الذي لا يبلى, حتى ظنَّ آدم - عليه السلام- من شدة تعظيمه لربه, بأن إبليس صادقًا في قسمه, ولا يمكن لأحدٍ أن يحلف على الله كاذبًا, فأنساه يمين إبليس ما عاهد ربه عليه, فوقع منه الخطأ, وضلَّ عن الصواب بتصديقه ذلك اليمين الكاذب,[٨] والله - تعالى- لا يؤاخذ البشر على الخطأ والنسيان؛ لكنه - سبحانه- عدّ ذلك من آدم عصيانًا؛ لمكانته التي أعطاه إياها, وبسبب هذا النسيان لم يعدّ آدم -عليه السلام- من أولي العزم، وقال تعالى: {وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عزمًا},[٩] أي حفظًا وتطبيقًا لما أمره الله به من عدم الاقتراب من تلك الشجرة, مع أن الله- سبحانه- يعلم أن آدم عليه السلام- لم يستكبر يومًا عن طاعته وعبادته, فألهمه بذلك كلمات التوبة، فتاب عليه.[١٠]

معاني المفردات في آية: ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزمًا

تعدّ سورة طه من السور المكية التي تحدثت عن أمور عقدية, مثل: النبوة, والبعث, وأصول الدين, والنشور, والتوحيد, وأسهبت في ذكر قصة موسى -عليه السلام- مع قومه, وأتت على ذكر خطيئة آدم -عليه السلام- وكيف تاب منها, وهذا موضوع الفقرة بالتحديد, وبعد الاطلاع على عدة تفاسير من أقوال أهل العلم, لقوله تعالى: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عزمًا},[١١] ستكون هذه الفقرة شرح لمفردات الآية الكريمة مع مزيدٍ من الإيضاح والتفصيل فيما يأتي:

  • عهدنا: أمرناه وأوصيناه وأوحينا إليه ألا يأكل من الشجرة.[١٢]
  • من قبل: هؤلاء الذين أخبر أنه صرف لهم الوعيد في هذا القرآن.[٤]
  • فنسي: فترك عهدي، أو ترك الأمر، والمعنى: آدم - عليه السلام- أيضًا عهدنا إليه فنسي.[٦]
  • ولم نجد له عزمًا: اختلف أهل التأويل في معنى العزم هنا، فقال بعضهم: معناه: الصبر، وقال آخرون: معناه: الحفظ، أي: ولم نجد له حفظًا لما عهدنا إليه، أي: المحافظة على ما أمره الله - تبارك وتعالى- بحفظه والتمسك به، وقال بعضهم: لم نجعل له عزمًا، وقيل: أن أصل العزم: اعتقاد القلب على الشيء، يقال: عزم فلان على كذا: إذ اعتقد عليه ونواه، ومن اعتقاد القلب حفظ الشيء، ومنه الصبر على الشيء؛ لأنه لا يجزع جازع إلا من خور قلبه وضعفه، فإذا كان ذلك كذلك، فلا معنى لذلك أبلغ مما بيّنه الله - تبارك وتعالى- فيكون تأويله: ولم نجد له عزم قلب على الوفاء لله بعده، ولا على حفظ ما عهد إليه.[٤]

إعراب آية: ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزمًا

في هذه الفقرة سيتم إعراب الآية الكريمة: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عزمًا}, [١٣] وذلك لبيان أهمية اللغة العربية وارتباطها الوثيق بالقرآن الكريم, والتي من أقسامها: النحو: وهو ضبط حركات الإعراب, فمن خلاله سيتمكن القارىء من الفهم الصحيح لآيات القراآن الكريم, وهذا له أثر كبير بأن اللغة العربية هي لغة القرآن الخالدة إلى يوم الدين, والتي لا يمكن لأحد أن يفهم القرآن الكريم إلا من خلالها، وفيما يأتي بيان إعراب الآية الكريمة: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عزمًا}،[١٤][١٥]

  • الواو: استئنافية.
  • لقد: اللاملام القسم.
  • قد: حرف تحقيق.
  • عهدْنا: فعل ماضٍ مبني على السكون لاتصاله بضمير الفاعل نا.
  • نا: ضمير متصل مبني في محل رفع فاعل.
  • إلى: حرف جر.
  • آدم: اسم مجرور بالفتحة عوضًا عن الكسرة، لأنه اسم ممنوعٌ من الصرف.
  • من: حرف جر.
  • قبلُ: ظرفٌ مبني على الضم في محل جر .
  • ف: حرف عطف.
  • نسي: فعل ماضٍ مبني على الفتحة الظاهرة على آخره.
  • جملة نسي: معطوفة على عهدنا.
  • والفاعل: ضمير مستتر تقديره هو.
  • الواو: حرف عطف.
  • لم: حرف جزم.
  • نجد: فعل مضارع مجزوم، وعلامة جزمة السكون.
  • الفاعل: ضمير مستتر تقديره نحن.
  • جملة لم نجد: معطوفة على جملة نسي.
  • له: اللام حرف جر.
  • الهاء: ضمير متصل مبني في محل جر بحرف الجر.
  • عزمًا: مفعول به منصوب، وعلامة نصبه الفتحة.

الثمرات المستفادة من آية: ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزمًا

ذُكر في الفقرات السابقة، أن الله - تعالى- أنزل سورة طه على نبيه - صلى الله عليه وسلم- ليس للعذاب والمشقة؛ إنما للتنبيه والتحذير من عصيان أمره, وأخذ العِظة والعبرة من قصص الأنبياء والرسل مع أقوامهم وممن كان من الأمم السابقة, وفي ذكر قصة آدم - عليه السلام- حين أخطأ وتاب, فتاب الله عليه, إذ إنّ هذه الفقرة ستكون آخر محطة من محطات تفسير الآية الكريمة: :{وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عزمًا},[١٦] والتي سيكون لها الأثر الكبير في جعل القرآن الكريم تطبيقًا عمليًا في سلوك المسلم وأخلاقه, وإليكم فيما يأتي بعضًا منها:

  • يجب على المسلم أخذ العظة، والعبرة من القصص القرآني، فالله -سبحانه وتعالى- لم يذكرها عبثَا.
  • يجب على المسلم عدم الاستكبار على أوامر الله -عز وجل- وإن بدر منه أيّ معصية كبيرة أو صغيرة، فليسارع بالتوبة والاستغفار، كما فعل آدم عليه السلام.[١٧]
  • يجب على المسلم حال النسيان والخطأ وهذا وارد عليه، أن لا يستهتر بالأمر، بل يسارع إلى تصحيح الخطأ.
  • يجب على المسلم الوفاء بالعهود، سواء أكان عهدًا مع الله، أم البشر، كبيرًا كان، أم صغيرًا.
  • يجب على المسلم أن يأخذ دائمًا بالعزائم، حين يتعلق الأمر بطاعة الله، حتى لا يدخل الفتور إلى نفسه، وإن تطرق إليه الضعف، فإنه يكون محصنًا من الداخل بقوة من الله لا يقوده ذلك إلىمعصية.[١٨]
  • يجب على المسلم أن يدرك دوره في الحياة وأنه خُلق لعمارة الأرض ففي قصة آدم -عليه السلام- وقضية نزوله إلى الأرض لم تكن عقابًا من الله على نسيانه بل كان من باب الابتلاء فالله -سبحانه- رحيم لا يعاقب من أناب ورجع إليه، حيث قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}،[١٩] فغاية خلق الإنسان هي: الاستخلاف وعمارة الأرض.[٢٠]
  • يجب على المسلم أن يتقرب إلى الله -تعالى- بطاعته وأوامره، وأن يبتعد عمّا نهاه عنه.

المراجع

  1. سورة طه، آية:1-3
  2. "مقاصد السور القرآنية - [33 مقاصد سورة طه رابط المادة"]، ar.islamway.net، 2020-06-21، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-21. بتصرّف.
  3. سورة طه، آية:120
  4. ^ أ ب ت "وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115)"، quran.ksu.edu.sa، 2020-06-21، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-21. بتصرّف.
  5. سورة طه، آية:115
  6. ^ أ ب "وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (115)"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 08/08/2020. بتصرّف.
  7. سورة طه، آية:121
  8. "أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن "، islamweb.net، 2020-06-21، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-21. بتصرّف.
  9. سورة طه، آية:115
  10. "وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا"، quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-23. بتصرّف.
  11. سورة طه، آية:115
  12. "تفسير ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزما"، www.alukah.net، 2020-06-21، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-21. بتصرّف.
  13. سورة طه، آية:115
  14. سورة طه، آية:115
  15. ".إعراب الآية رقم (111):"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 08/08/2020. بتصرّف.
  16. سورة طه، آية:115
  17. "التوبة ... حقيقتها وأحكامها "، www.saaid.net، 2020-06-23، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-23. بتصرّف.
  18. "ما علاج ضعف العزيمة في هذا العصر؟ "، binbaz.org.sa، 2020-06-23، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-23. بتصرّف.
  19. سورة البقرة، آية:30
  20. "إشكال في وسوسة إبليس لآدم عليه السلام بالخلود إن أكل من الشجرة "، islamqa.info، 2020-06-23، اطّلع عليه بتاريخ 2020-06-23. بتصرّف.
3567 مشاهدة
للأعلى للسفل
×