معنى آية ومن يعظم حرمات الله، بالشرح التفصيلي

كتابة:
معنى آية ومن يعظم حرمات الله، بالشرح التفصيلي

سورة الحج

سورة الحج من السور المدنيّة إلا الآيات "52-55" وهي من المئين، آياتها 78، وترتيبها في المصحف 22 في الجزء السابع عشر، السورة بها سجدتين في الآية رقم 18 و 77 ، نزلت بعد سورة النور، بدأت بأسلوب نداء، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ}[١]، تناولت السورة مواضيع مهمّة كيوم القيامة والبعث والنشور والعبودية لله والإذن بالجهاد، وغيرها من المواضيع، ومن مقاصدها: ذكر التعظيم والاستسلام لله -تبارك وتعالى- من خلال عرض مشاهد العظمة والقدرة الإلاهيّة، سميت بسورة الحج؛ وذلك تخليداً لدعوة الخليل إبراهيم -عليه السلام-، حين انتهى من بناء البيت العتيق ونادى لحج بيت الله الحرام، وأجابوا النداء لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك إنّ الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، والحج يذكرنا بالعبودية الخالصة لله -جلّ جلاله- فالكلّ في الحج يدعون إلهاً واحداً، قال الله -سبحانه و تعالى-: {وَما أُمِروا إِلّا لِيَعبُدوا إِلـهًا واحِدًا لا إِلـهَ إِلّا هُوَ} [٢][٣]

معنى آية: ومن يعظم حرمات الله، بالشرح التفصيلي

في تفسير قول الله -تبارك وتعالى-: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّـهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}[٤]، لابدّ من بسطها مطوّلاً؛ لأنّها من الآيات التي تتحدث عن المحرمات وأثرها على الفرد وعلى تقوى قلبه إذ بذلك ينعكس الأثر على المجتمع بأكمله، وفي هذه الآية يقول الله -تبارك وتعالى-: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّـهِ} أي: ومن يجتنب معاصيه ومحارمه ويكون ارتكابها عظيماً في نفسه {فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ} أي: فله على ذلك خير كثير وثواب جزيل ، فكما على فعل الطاعات ثواب جزيل وأجر كبير، وكذلك على ترك المحرمات واجتناب المحظورات وقال بعض السلف المراد بقوله تعالى: {ذلك ومن يعظم حرمات الله}: المراد به مكة والحج والعمرة، والنهي عن المعاصي يشمل عموم المعاصي، وقوله -سبحانه وتعالى-: {وأحلت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم} أي: أحللنا لكم جميع الأنعام من -الإبل والبقر والغنم-، وقوله -تبارك وتعالى-: {إلا ما يتلى عليكم} أي: من التحريم، وهم المذكرات في سورة المائدة قال الله سبحانه: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّـهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}[٥]، وقوله تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}: "من"هنا لبيان الجنس، والمقصود: اجتنبوا الرجس الذي هو الأوثان، ومن خطورة قول الزور أنّ الله -سبحانه وتعالى- قرنه مع الشرك بالله، كما قال الله -جل وعلا-: {قُل إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنها وَما بَطَنَ وَالإِثمَ وَالبَغيَ بِغَيرِ الحَقِّ وَأَن تُشرِكوا بِاللَّـهِ ما لَم يُنَزِّل بِهِ سُلطانًا وَأَن تَقولوا عَلَى اللَّـهِ ما لا تَعلَمونَ}[٦]، ومما يبيّن خطورة وعظم شهادة الزور ما أخرجه البخاريّ ومسلم في صحيحيهما عن أبي بكرة -رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله -عليه الصلاةوالسلام-:" أَلا أُنَبِّئُكُمْ بأَكْبَرِ الكَبائِرِ قُلْنا: بَلَى يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ: الإشْراكُ باللَّهِ، وعُقُوقُ الوالِدَيْنِ، وكانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فقالَ: ألا وقَوْلُ الزُّورِ، وشَهادَةُ الزُّورِ، ألا وقَوْلُ الزُّورِ، وشَهادَةُ الزُّورِ فَما زالَ يقولُها، حتَّى قُلتُ: لا يَسْكُتُ" [٧][٨]

هذا تفسير الحافظ ابن كثير مختصرًا وفي الآية مسائل مهمّة:

  • الأولى: أنّ "ذلك" في قوله تعالى: {ذلك} المقصود منها تعظيم مواضع الحج والمشاعر المحرمة، ويدخل بها أفعال الحج.
  • الثانية: أنّ "خير" في قوله تعالى: {فهو خير له عند ربه} ليست على بابها للتفضيل، بل المقصود بها هنا؛ خير التي تقابل الشر
  • الثالثة: المقصود بالأنعام في قوله تعالى: {وأحلت لكم الأنعام} هي الإبل والبقر والغنم، بأن تأكلوها.
  • المراد بقوله تعالى: {إلا ما يتلى عليكم} هي المحرمات المذكورة في سورة المائدة، وفي هذا دليل على أنّ المحرمات محصورة بخلاف المباحات فهي غير محصورة ودليل ذلك قول الله -سبحانه-: { إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّـهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}[٩]
  • الرابعة: أن الرجس في قوله تعالى: {فاجتنبوا الرجس من الأوثان}المقصود به: الشيء القذر.
  • الخامسة: حرف "من" في قوله : {من الأوثان} لبيان الجنس.
  • السادسة: أنّ الزور المنهيّ عنه في الآية في قوله تعالى: {واجتنبوا قول الزور والزور}: هو الباطل والكذب، وفيها وعيد شديد على الشهادة بالزور وهي شهادة كاذبة باطلة.[١٠]

معاني المفرادات في آية: ومن يعظم حرمات الله

بعد الانتهاء من بيان وشرح قول الله -تبارك وتعالى: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّـهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}[١١]، يحسن بعد ذلك بيان الغريب من الكلمات؛ لكي يزول الإشكال والالتباس في فهم الآية الكريمة:

  • قوله:{ذَلِكَ} "حرف/أداة" وهي كَلِمَةٌ مُرَكَّبَةٌ مِنْ ذَا الإِشارَةِ، وَالكافُ كافُ الخِطابِ وَهِيَ اسْمُ إِشارَةٍ لِلبَعيدِ : ذَلِكَ الرَّجُلُ ذَلِكَ الأَمْرُ.[١٢]
  • قوله:{ومن يعظّم} عَظَّمَ: (فعل) عظَّمَ يعظِّم والمصدر تعظيمًا، فهو مُعظِّم ،كبَّر وفخَّم، بجَّل، وقَّر. [١٣]
  • قوله:{حرمات الله} هو ‏كل ما يحرم انتهاكه‏، وهو بنفس معنى "محارم الله" فيدخل فيها كلّ ما حرّمه الله -جلّ وعلا-.[١٤]
  • قوله:{وأحلّت لكم الأنعام} النعم اسم وجمعه: أنْعَامٌ و أَناعيم، والمقصود بها " الإبل والبقر والغنم"[١٥]
  • قوله:{الرجس}: الرجس جمع أَرجاس، والمقصود به: الحرامُ، أو العذاب ، أو الشيئ القذر وهو المراد هنا يقال: أَتى رِجْساً : أتَى عَمَلاً دَنِيئاً قَذِراً قَبيحاً.[١٦]
  • قوله:{من الأوثان} وَثَن اسم جمعه: أَوثانٌ، أي التِّمثايل التي تعبد من دون الله سواء أَكانت من خشب أَم حجر أَم نُحاس أَم فِضَّة أَم غير ذلك، والفرق بين الوثن والصنم أن يقال بينهمت عموم وخصوص فالوثن يعمّ كلّ معبود من دون الله -تبارك وتعالى-، والصنم يختص بالحجر.[١٧]
  • قوله:{واجتنبوا قول الزور} الزَور اسم، جمعه أزْوَار، وهو الباطل والكذب،مَصْدَرُ زارَ، يقال هذه شهادة زور أي باطلة وكاذبة.[١٨]

إعراب آية: ومن يعظم حرمات الله

بعد الفراغ من تفسير قول الله -جلّ وعلا-: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّـهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}[١٩]، وبيان مفرداتها، يحسن بعدها بيان إعراب الآية الكريمة:

  • قوله تعالى:{ذلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ}
  • {ذلك} خبر مبتدأ محذوف.
  • {و}: استئنافية.
  • {من}: اسم شرط جازم في محل رفع مبتدأ.
  • {يعظم}: فعل الشرط، والفاعل ضمير مستتر يعود على من.
  • {حرمات الله}: شبه الجملة من المضاف والمضاف إليه في محل نصب مفعول به.
  • {ف}: "الفاء" للربط.
  • {هو}: ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ.
  • {خير}: خبر مرفوع وعلامة رفعه تنوين الضم.
  • {وَ}: الواو حرف عطف.
  • {أحلت}: فعل ماض مبني للمجهول.
  • {إلا ما يتلى عليكم}: موصول مستثنى. 
  • {فَاجْتَنِبُوا}:الفاء للإستئناف، اجتنبوا الرجس فعل أمر مبني، والفاعل ضمير مستتر تقديره "أنتم".
  • {الرجس من}: مفعول به منصوب، و"من" لبيان الجنس.
  • {والرجس}: تمييز منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على آخره.
  • {واجتنبوا قول الزور}:"الواو" للعطف، اجتنبوا: فعل أمر مبني، والفاعل ضمير مستتر تقديره "أنتم"، قول: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة على أخره وهو مضاف، الزور: مضاف إليه[٢٠]

الثمرات المستفادة من آية: ومن يعظم حرمات الله

إنّ مما يستفاد من هذه الآية الكريمة ومن جميل ما يستنبط منها من فوائد ما يأتي:

  • أن ترك المحرمات إبتغاء وجه الله يثاب المرئ بذلك، لقوله -سبحانه وتعالى-: {فهو خير له عند ربه}.
  • أنّ "خير" في الآية الكريمة ليست على بابها من أنّها تفيد التفضيل.
  • وأنّ من نعمة الله -جلّ وعلا- على عباده المؤمنين أن جعل المحرمات قليلة محدودة، وأمّا المباحات فكثيرة غير محدودة، لقوله تعالى: {وأحلّت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم}.
  • وأن تحريم الأوثان يعم كلّ مايعبد من دون الله من حجر وهو ما يسمّى بالصنم، أوحديد أو نحاس وغيره.
  • أن إقتران شهادة الزور مع الإشراك بالله تعالى يدلّ على خطورة وشناعة هذا الذنب العظيم -شهادة الزور-،وقد قالرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ذَكَرَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الكَبَائِرَ، أوْ سُئِلَ عَنِ الكَبَائِرِ فَقالَ: الشِّرْكُ باللَّهِ، وقَتْلُ النَّفْسِ، وعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ، فَقالَ: ألَا أُنَبِّئُكُمْ بأَكْبَرِ الكَبَائِرِ؟ قالَ: قَوْلُ الزُّورِ، أوْ قالَ: شَهَادَةُ الزُّورِ قالَ شُعْبَةُ: وأَكْثَرُ ظَنِّي أنَّه قالَ: شَهَادَةُ الزُّورِ"[٢١][١٠]

المراجع

  1. سورة الحج، آية:1
  2. سورة التوبة، آية:31
  3. "سورة الحج"، ar.wikipedia.org، 2020-06-13. بتصرّف.
  4. سورة الحج، آية:30
  5. سورة المائدة، آية:3
  6. سورة الأعراف، آية:33
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو بكرة، الصفحة أو الرقم:5976، صحيح.
  8. " تفسير ابن كثير تفسير سورة الحج تفسير قوله تعالى " ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه ""، islamweb.net، 2020-06-15.
  9. سورة البقرة، آية:173
  10. ^ أ ب " التفسير الكبير سورة الحج قوله تعالى ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه"، islamweb.net، 2020-06-15. بتصرّف.
  11. سورة الحج، آية:30
  12. "تعريف و معنى ذلك في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، 2020-06-15. بتصرّف.
  13. "تعريف و معنى يعظم في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، 2020-06-15. بتصرّف.
  14. "تعريف و معنى حرمات الله في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، 2020-06-15. بتصرّف.
  15. "تعريف و معنى الأنعام في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، 2020-06-15. بتصرّف.
  16. "تعريف و معنى الرجس في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، 2020-06-15. بتصرّف.
  17. "تعريف و معنى الأوثان في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، 2020-06-15. بتصرّف.
  18. "تعريف و معنى الزور في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، 2020-06-15. بتصرّف.
  19. سورة الحج، آية:30
  20. "إعراب القرآن الكريم سورة الحج آية 30"، books.rafed.net، 2020-06-15. بتصرّف.
  21. رواه البخاري، في حيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:5977، صحيح.
4711 مشاهدة
للأعلى للسفل
×