محتويات
سورة الأنبياء
سورة الأنبياء منالسور المكيّة، وهي آخر حزب المئين، ترتيبها في المصحف السورة الواحدة والعشرين، تقع في الجزء السابع عشر، نزلت بعد سورة إبراهيم، عدد آياتها 112 سميت بهذا الاسم؛ لاشتمالها على ذكر معظم أسماء الأنبياء والمرسلين ومن مقاصدها؛ بيان وحدة الرسلات من خلال التذكير بحال الرسل ودعوتهم الواحدة لعبادة الله وحده، بدأت السورة بفعل ماض يقول الله تبارك وتعالى: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ}،[١] ومما ينّبه عليه في هذه السورة العظيمة أنّ الله -عزّ وجلّ- قرر فيها التوحيد والوحدانية له سبحانه وتعالى، ويشير الله -تبارك وتعالى- على مصدر هذا الوجود، وإلى أنّ المخلوقات كلّها ترجع إلى أصل واحد كما قال الله: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}،[٢] وفي الآية إعجاز علميّ عظيم وهو أنّ الموجودات كلّها ترجع إلى أصل الماء، و أيضاً في هذه السورة ينبّه الله إلى أنّ النّاس كلّهم مرجعهم إلى الله يتوفّاهم ثم يبعثهم للحساب والجزاء يقول الله: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}[٣][٤]
معنى آية: ونبلوكم بالشر والخير فتنة، بالشرح التفصيلي
في الحديث حول تفسير قول الله سبحانه وتعالى: {وَنَبلوكُم بِالشَّرِّ وَالخَيرِ فِتنَةً وَإِلَينا تُرجَعونَ}،[٥] يحسن الحديث حول الابتلاءات وما يجري حول الإنسان من أمور من الشر والخير، وأيضاً بيّنت هذه الآية الكريمة أنّ البلاء لا يختصّ بالشرّ، بل قد يكون الخير إبتلاءً وإمتحانًا من الله تعالى بعدم الشكر لله تعالى، ونظير هذه الآية قول الله -جلّ وعلا- على لسان نبيّه سليمان -عليه السلام-: {قَالَ هَـذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ}،[٦] وقول الله جلّ ذكره: {وَبَلَوناهُم بِالحَسَناتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُم يَرجِعونَ}،[٧] وفي هذا المقال سيكون الحديث حول هذه الآية وبيان مفرداتها والغريب من أقوالها وغير ذلك من الفوائد المستنبطة فيها، ومعنى الآية: "ونختبركم بما يجب فيه الصبر من البلايا، ومما يجب فيه الشكر من النّعم"، والإبتلاء يكون بالشرّ والخير والصحة والسقم والشّدة والرخاء ويكون بالغنى والفقر والطاعة والمعصية والهدى والضلالة والحلال والحرام فالإبتلاءات بالخير تكون بشكر المنعم وهو الله سبحانه وتعالى، وبالشّر تكون بالصبر والرضا عن الله تبارك وتعالى، فقوله تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً}؛ نختبركم أيها الناس بالشر وهو الشدة نبتليكم بها، وبالخير وهو الرخاء والسعة العافية فنفتتنكم به، وقوله تعالى: {وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} وإلينا يردّون فيجازون بأعمالهم، حسنها وسيئها.[٨]
فهذه الدنيا دار ابتلاء وامتحان، يبتلى فيها المؤمن بالشّدة والرخاء والسّراء والضراء والغنى والفقر والصحة والمرض والحسنات والسيئات، كما قال الله -تبارك وتعالى- في هذه الآية: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}،[٩] والمعنى: نختبركم بالشّدة والمصائب، وبالسّعة والنّعم تارة أخرى، فننظر من يشكر عند السّعة والخير وهذا هو ابتلاء الخير، ومن يكفر ويجحد ومن يصبر ومن يقنط عند وجود الشّدة والمصائب، ومما يجب التنبيه عليه أنّ النّعم والسعة والخير ليست دليلاً على كرم العبد عند ربّه، وأنّ الشّدة والمصائب ليست دليلاً وبرهاناً على هوان العبد عند ربّه، بل المعوّل عليه تقوى العبد لربه كما قال تعالى وبيّن ميزان التفاضل بين النّاس فقال: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}،[١٠] وشكره عند حصول الخير من الله تبارك وتعالى، وصبّره ورضاه عند حصول المصائب والشّدة، وقال الله سبحانه وتعالى: {فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ* وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ *كَلَّا بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ}،[١١]
كلاّ أي ليس الأمر كما تتصورون من أنّ النّعم والسّعة دليل الرضا من الله للعبد وكرمه عليه، وأنّ الشّدة والمصائب دليل السخط والغضب وهوان العبد على ربّه تبارك وتعالى، بل الأمر كلّه قائم على الشكر عند السّعة وحصول الخير، والصبر والرضا بالله تعالى عند حصول الشّدة والمصائب وهذا هو معنى التقوى العام، ثم قال تعالى: {وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}: فنجازيكم على مواقفكم من هذه الأحوال التي لا يخلو عنها الإنسان في حياته، فالإنسان متقلّب بين الخير والشرّ لكن المؤمن يشكر عند حصول الخير ويصبر عند حصول الشرّ، ففي صحيح مسلم من حديث صهيب الرومي -رضي الله عنه-أنّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له".[١٢][١٣]
معاني المفردات في آية: ونبلوكم بالشر والخير فتنة
في الحديث حول معنى وتفسير قول الله تبارك وتعالى: {كُلُّ نَفسٍ ذائِقَةُ المَوتِ وَنَبلوكُم بِالشَّرِّ وَالخَيرِ فِتنَةً وَإِلَينا تُرجَعونَ}،[١٤] يحسن بيان معاني مفردات الآية الكريمة، فاللّه -سبحانه وتعالى- أنزل القرآن بلسان عربيّ مبين ليفهمه النّاس، حيث قال الله تعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ* نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ* بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ}،[١٥] والعلماء قد صنّفوا كتبًا في هذا الباب وألّفوا مؤلفات في بيان غريب الكلمات القرآنيّة وفي الآتي بيان معاني المفردات في آية: ونبلوكم بالشر والخير فتنة:
- قوله تعالى: {نفسٍ} اسم جمع: أَنْفُسٌ، و نُفوسٌ وهي: الرُّوحُ، يقال: خرجت نفسُه أي روحه، وجاد بنَفْسِه: مات.[١٦]
- قوله تعالى: {نَبلوكُم} بَلاء: اسم مصدره بَلاَ يبلو، وأبلى، وتستعمل في الاختبار بالنّعم وبالمصائب والبلايا، وقال بعض العلماء: أكثر ما يستعمل في الشرّ "بلا يبلو"، وفي الخير "أبلى يبلي"، ومنه قول زهير بن أبي سلمى:[١٧]
جزى الله بالإحسان ما فعلا بكم وأبلاهما خير البلاء الذي يبلو
- قوله تعالى: {بالشّر} نَقِيضُ الخَيْرِ، وهو السّوء والفساد، جمعه: شرور وأشرار شرار، ويقال: هذا رجُلٌ شَرٌّ: أي ذو شرٍّ.[١٨]
- قوله تعالى: {والخير} اسم جمعه: خِيار و أخْيار، والخَيرُ: اسم تفضيل، يقال: هُوَ مِنْ أَخْيَارِ النَّاسِ أي: مِنْ أَفَاضِلِهِمْ.[١٩]
- قوله تعالى: {فتنةً} اسم فِتَن :جمع فِتْنَة ، وهي بالقرآن بحسب سياق الآيات فقد تكون بمعن الشرك كما في قوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّـهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِين}،[٢٠] وهي في هذه الآية بمعنى الابتلاء.[٢١]
إعراب آية: ونبلوكم بالشر والخير فتنة
في تفسير قول الله تبارك وتعالى: {كُلُّ نَفسٍ ذائِقَةُ المَوتِ وَنَبلوكُم بِالشَّرِّ وَالخَيرِ فِتنَةً وَإِلَينا تُرجَعونَ}،[٢٢] فيحسن بيان إعراب الآية الكريمة؛ لأنّ علم الإعراب يفيد في فهم القرآن الكريم وتدبّر معانيه والاختلاف في الإعراب له أثر كبير في تفسير القرآن وبيان معانيه العظيمة، ويظهر في إعراب القرآن إعجازه من الناحية اللّغوية والبيانيّة:[٢٣]
- {كُلُّ}: كلّ مبتدأ مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره وهو مضاف.
- {نَفْسٍ}: مضاف إليه مجرور وعلامة جرّه تنوين الكسر.
- {ذائِقَةُ الْمَوْتِ}: شبه الجملة من المضاف والمضاف إليه في محل رفع خبر.
- {الواو}: الواو استئنافية ونبلوكم فعل مضارع وفاعل مستتر تقديره نحن والكاف مفعول به.
- {نَبْلُوكُمْ}: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة على آخره ، والفاعل ضمير مستتر تقديره "نحن"، والكاف: ضمير متصل في محل نصب مفعول به.
- {بِالشَّرِّ}: الباء حرف جر والشر: اسم مجرور وعلامة جره الكسرة.
- {الواو}: للعطف.
- {الْخَيْرِ}: اسم معطوف على مجرور فيكون مجرور وإلينا متعلقان بترجعون.
- {فِتْنَةً}: مفعول لأجله منصوب وعلامة نصبه تنوين الفتح.
- {الواو}: استئنافية.
- {إِلَيْنا}: متعلقان بترجعون.
- {تُرْجَعُونَ}: فعل مضارع مبني للمجهول والواو: نائب فاعل والجملة معطوفة على نبلوكم أو قيل حالية.[٢٣]
الثمرات المستفادة من آية: ونبلوكم بالشر والخير فتنة
إنّ مما يستفاد من قول الله تبارك وتعالى: {كُلُّ نَفسٍ ذائِقَةُ المَوتِ وَنَبلوكُم بِالشَّرِّ وَالخَيرِ فِتنَةً وَإِلَينا تُرجَعونَ}،[٢٤] مجموعة من الثمار القيّمة التي ينبغي على كلّ مسلم معرفتها وفي الآتي بيانها:[٨]
- أن الله -سبحانه وتعالى- يبتلي العباد بالشر والخير.
- أنّ حصول الخير ليس علامةً ولا دليلًا على كرامة العبد عند ربّه -تبارك وتعالى- وكذلك حصول الشر والمصائب ليست علامة ولا دليلًا على هوان العبد عند الله -جلّ وعلا- بل المعوّل عليه أنّ يستمرّ الإنسان عند حصول الخير له بشكر المنعم وهو الله تعالى، و عند حصول الشر والمصائب بالصبر والرضا.
- أنّ الله تعالى سيجازي كلّ النّاس يوم القيامة، بحسب قيامهم بهتين الوظيفتين -الشكر عند السرّاء والصبر والرضا عند الضرّاء- وبهما يتقلّب العبد في كلّ شؤونه.
المراجع
- ↑ سورة الأنبياء، آية:1
- ↑ سورة الأنبياء، آية:30
- ↑ سورة الأنبياء، آية:30
- ↑ "سورة الأنبياء"، ar.wikipedia.org، 2020-06-16. بتصرّف.
- ↑ سورة الأنبياء، آية:35
- ↑ سورة النمل، آية:40
- ↑ سورة الأعراف، آية:168
- ^ أ ب "كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35)"، quran.ksu.edu.sa، 2020-06-16. بتصرّف.
- ↑ سورة الأنبياء، آية:35
- ↑ سورة الحجرات، آية:13
- ↑ سورة الفجر، آية:15-17
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن صهيب بن سنان الرومي، الصفحة أو الرقم:2999، صحيح.
- ↑ "الابتلاء"، www.alukah.net، 2020-06-16. بتصرّف.
- ↑ سورة الأنبياء، آية:35
- ↑ سورة الشعراء، آية:192-195
- ↑ "تعريف و معنى نفس في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، 2020-06-16. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى البلاء في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، 2020-06-16. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى الشّر في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، 2020-06-16. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى الخير في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، 2020-06-16. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية:193
- ↑ "تعريف و معنى الفتنة في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، www.almaany.com، 2020-06-16. بتصرّف.
- ↑ سورة الأنبياء، آية:35
- ^ أ ب "إعراب القرآن الكريم وبيانه"، books.rafed.net، 2020-06-16. بتصرّف.
- ↑ سورة الأنبياء، آية:35