العبودية
العبودية لغةً أخذت من التعبيد، فعندما نقول عبدت الطريق؛ أي سهلته وذللته، أما عبودية العباد لله تعالى فلها معنيان؛ الأول عام والمراد به المُسخَّر والمذلل، وهو العبد، ويدخل في ذلك كل مخلوقات الله تعالى في الكون من عاقل وثابت ومتحرك ويابس ورطب ومؤمن وكافر، حيث إنّ الجميع هم مخلوقات الله، المسخرة بتسخيره، والمدبرة بتدبيره، ولكل منها حد يقف عنده.
أما المعنى الخاص للعبودية فالمراد به العبد الذي يعبد الله تعالى ويطيع أوامره، وذلك خاص بالمؤمنين دون الكفار، كون المؤمنين هم عباد الله الذين يوحدونه، ويفردوه بربوبيته، وألوهيته، وصفاته، وأسمائه، ولا يشركون به أحداً، وذلك كما ورد في قوله تعالى: (قال رب بما أغْويْتني لأزينن لهمْ في الأرْض ولأغْوينهمْ أجْمعين * إلا عبادك منْهم الْمخْلصين * قال هذا صراط علي مسْتقيم * إن عبادي ليْس لك عليْهمْ سلْطان إلا من اتبعك من الْغاوين) [الحجر: 93-42]
العبودية التي أمر بها الله عباده
العبودية التي أمر بها سبحانه وتعالى هي مصطلح يجمع كل شيء يحبه ويرضاه الله من قول وفعل، سواء ظاهراً أو باطناً، والبراءة مما يخالف ذلك، حيث يدخل في هذا التعريف جميع أركان الإسلام؛ من الشهادتين، وصلاة، وصيام، وزكاة، وحج، بالإضافة إلى الجهاد في سبيل الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والإيمان بالله وملائكته، ورسله، واليوم الآخر، حيث تقوم هذه العبادة على الإخلاص لله؛ أي أن يكون القصد من العبادة هو وجه الله تعالى، والدار الآخرة، حيث يقول سبحانه وتعالى (وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى) [الليل: 17-21]
المقصود بذلك الإخلاص، والصدق في عبادة الله تعالى، وذلك بأن يبذل المؤمنون جهدهم في الامتثال لأوامر الله، والابتعاد عما نهى عنه، والاستعداد للقائه سبحانه وتعالى، وترك العجز والكسل، ومسك النفس عما تهوى كما قال سبحانه وتعالى في قوله: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) [التوبة: 119]
تأتي بعد ذلك المتابعة للنبي عليه الصلاة والسلام، فيعبد المؤمن ربه وفقاً لما شرع به الله عز وجل، وليس وفقاً لما يهوى المخلوق أو يبتدع، وهذا ما يقصد به اتباع النبي عليه الصلاة والسلام، وهو المرسل من عند الله، فلا بد من الإخلاص والصدق والمتابعة في العبودية، فإذا عرفنا جميع هذه الأمور تبين لنا أنّ كل ما هو عكس هذه التعاريف هو من العبودية للناس؛ فالشرك هو عبودية للناس، وكذلك الرياء، حيث إن عبودية الناس هي ترك أوامر الله من أجل رضا الناس، فكل من قدم طاعة نفسه وما تهوى على طاعة خالقه، فقد خرج عن مقتضى العبودية، وخالف المنهج المستقيم.
أركان العبودية
العبودية لله تحتوي وتجمع الخوف والمحبة والرجاء، فالعباد يحبون ربهم، ويخافون عقابه، ويرجون رحمته وثوابه، فهذه هي أركان العبودية التي لا تقوم إلا بها، كما أن العبودية لله شرف وليست مذلة كما يقول الشاعر:
ومما زادني شرفا وتيها وكدت بأخمصي أطأ الثريا
- دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيا