محتويات
عمر بن الخطاب
ثاني الخلفاء الرّاشدين، وأحد كبار الصّحابة –رضي الله عنهم- أبو حفص الفاروق عمر بن الخطاب العدويّ القرشيّ، ويعدّ من أشهر القادة في التّاريخ الإسلاميّ، وأحد العشرة المبشرين بالجنّة، كما أنّه كان من علماء الصّحابة وزهّادهم، انتقلت إليه الخلافة بعد وفاة الخليفة أبي بكر الصّديق، في 22 جمادى الآخرة 13 هـ، وقد استخدمه أبو بكر الصّدّيق في خلافته قاضيًا، فكان مثالًا للعدل والإنصاف مع المسلمين وغير المسلمين، لذلك كان عدله سببًا لتلقيبه بالفاروق لتفريقه بين الحقّ والباطل، وكان جريئًا في قول الحقّ لا تأخذه في الله لومة لائم، وقد أيّده القرآن في أكثر من موقف، في خلافته بلغ الإسلام مبلغًا عظيمًا وتوسعت رقعة الدّولة الإسلاميّة حتى استوعبت كامل أراضي الإمبراطوريّة الفارسيّة وثلثي أراضي الإمبراطوريّة البيزنطيّة، وهو من فتح القدس لأوّل مرّة وجعلها تحت حكم المسلمين اتّصف بالعبقريّة العسكريّة والحنكة السّياسيّة والإداريّة، وهو راوي الحديث والذي يعدّ محور هذا المقال: لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله.[١]
معنى حديث: لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله
هل التوكل على الله يجلب الرزق؟ بعد ذكر نبذة موجزة عن أمير الؤمنين عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، سيكون الحديث في هذه الفقرة شرح لمعنى الحديث الذي رواه عُمَرُ بن الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُوْلَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُوا خِمَاصاً وَتَرُوْحُ بِطَاناً".[٢]
قال الشّيخ ابن عثيمين في شرحه للحديث: معنى قول النَّبيُّ -صلّى الله عليه وسلّم- في حثّه لأمّته على التّوكّلِ: "لو أنَّكم تتوكَّلون علي اللهِ حقَّ توَكُّلِه"؛ أي: تتوكّلون على الله توكّلًا حقيقيًّا، وتعتمدون عليه اعتمادًا تامًّا في طلبِ أرزاقكم، وفي غيرِ ذلك، قوله: "لرزَقَكم كما يَرْزقُ الطَّيرَ"؛ أي: لرزقكم كرزقه لطيور البراري، لأنَّها ليس لها مالك، فتخرج من أعشاشها جائعة طائرة في الجوّ، ثمّ تعود إلى أوكارها، وقد جلبت ما رزقها الله إيّاه، "تَغْدُوْ خِمَاصاً"، أي: تذهبُ في أوّلَ النّهارِ فارغةَ البطون منْ شدّةِ جوعها، "وَتَرُوْحُ بِطَاناً"، أي: تعودُ في آخرَ النّهارِ وقد امتلأت بطونُها لأنّها شبعتْ،[٣] قَالَ بعض أهل العلم: يعدّ هذا الحديثُ أصلًا في التّوكّل؛ فهو منَ الأمورِ الّتِي يُطلب بها جلبُ الرّزق، وقد روى الإمامُ الطّبريّ في تفسيرهِ عن عَبدِ اللّهِ بن مَسعودٍ، رضيَ اللّهُ عَنهُ، قَالَ: "إِنَّ أَكبرَ آيَةٍ في القُرآنِ تَفوِيضاً: {وَمَن يَتَوَكَّل عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسبُه}"[٤][٣]
ومنْ هنا يُستخلص معنى التّوكّلِ، ويمكن التّوصّل إلى حقيقته، فمعنى التّوكّل الصّدقُ في الاعتمادِ على الله تعالى بتفويضِ الأمرِ إِليهِ، فالله تعالى هو مدبّرُ الأمرِ، وهو صاحب الخَلق وإليه يرجع كلّ شيء، وذكر القرطبيّ في تفسيره: "التّوكّلُ يعني الاعتماد على الله تعالى مقترنًا بإظهارِ العجزِ، وما أجملَ تعريفَ سهل بن عبد الله التّستريّ –رحمه الله- للتّوكل بقولهِ: التّوكّل أن يكونَ العبدُ بينَ يديِ الله تعالى كالميِّتِ بين يديِ الغاسلِ يقلّبهُ كيفَ يُريدُ"، ومن صفات الأنبياء توكّلهم على الله تعالى، فعن عبد الله بن عبّاس: "حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيْلُ، قالَهَا إبْرَاهِيمُ عليه السَّلَامُ حِينَ أُلْقِيَ في النَّارِ، وقالَهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حِينَ قالوا: {إنَّ النَّاسَ قدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إيمَانًا وقالوا حَسْبُنَا اللَّهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ}.[٥][٣]
ومن خلال شرح معنى الحديث وبيان معناه، نبيّن بأنّه لا يوجد أيّ تعارض بين التّوكّل وبين الأخذ بالأسباب، فالطّيور الجائعة تخرج من أعشاشها بحثًا عن طعامها وشرابها، فتجد ما قدّره الله لها، ولكن المحظور الاعتماد على الأسباب فالأخذ بها مع الاعتقاد بأنّ الله هو الرّازق هو المطلوب وهذا ما حثّ عليه الشّرع، وأمّا مجرّد التّلفّظ بالتّوكّل دون الأخذ بالأسباب فهو مرفوض لأنّه تواكُل وليس بتوكّل كمن تلفّظ بالإيمان دون أن يعمل به فهذا لايجزئ.[٦]
معاني المفردات في حديث: لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله
شرح معاني مفردات أيّ نصّ علميّ أو أدبيّ أو دينيّ، يأتي ليزيد النّص فهمًا ووضوحًا، ولذلك بعد شرح معنى حديث: "لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُوا خِمَاصاً وَتَرُوْحُ بِطَاناً"، سيتمّ اختيار بعض مفردات الحديث الشّريف، وشرح معانيها المختلفة من معاجم اللّغة العربيّة، وهي:
- تَوَكَّلْتُمْ: تَوكّلَ: "فعل"، توكّلَ بـ، توكّلَ على، توكّلَ في، يتوكّل، توكُّلًا، فهو مُتوكِّل، واسم المفعول مُتوكَّل به، توكّلَ على الله: اعتمدَ على الله، استسلمَ إليهِ، توكّلَ في الأمرِ: أظهرَ العجزَ واعتمدَ على الغيرِ، توكّلَ الرّجل بأمورهِ: ضمنَ القيام بها، توكّل على الله: وثق بما عند الله، ويئسَ ممّا في أيدي النَّاس.[٧]
- تغدو: غَدا: "فعل"، غدا يغدو غدوًّا، وغُدوَةً، واغتدَى: بكّرَ، غاداهُ: باكرَهُ، تغدو: تخرج باكرة.[٨]
- خِماصًا: خمص، الخَمْصانُ والخُمْصانُ: الجائعُ الضّامرُ البطنِ، والأنثى خَمْصانةٌ وخُمْصانةٌ، وجمعها خِمَاصٌ، وطفلٌ خُمْصان وخَميصُ الحَشا أي ضامر البطن، خماصًا: ضامرو البطون من الجوع.[٩]
- تروح: رَاحَ يروحُ رَواحًا: سار في العشيّ، ويستعمل الرَّواح للمسير في أي وقت كان من ليل أو نهار، تروحُ: رجعوا في العَشيّ، "من الزَّوال إلى اللَّيل".[١٠]
- بِطانًا: بَطِنَ: "فعل"، بطِنَ يَبطَن، بَطَنًا، فهو بَطِن، بَطِنَ الرّجلُ: عَظُمَ بَطنُهُ، بَطِنَ الضّيفُ: امتلأَ بَطنُهُ، وَاكتظَّ مِنَ الشِّبَعِ، بطانًا: ممتلئة البطون من الشّبع.[١١]
العبر المستفادة من حديث: لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله
كيف يتوكل المسلم على الله في أمور حياته؟ وفي نهاية المطاف لا بدّ من جني الثّمرات المستفادة من الحديث الشّريف: "لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُوا خِمَاصاً وَتَرُوْحُ بِطَاناً"، فالحديث ركيزة من ركائز الدّين، والأخذ به يحافظ على بناء المجتمع وتقدّمه، كما أنّ الأخذ به يريح قلب المؤمن من القلق المستمرّ بانشغاله وتفكّره في طلبه للرّزق، ومن الثّمرات المستفادة منه:[١٢]
- توكّل المؤمن حقّ التّوكّل على الله تعالى في كلّ أمور حياته.
- إيمان المؤمن يقينًا ودون أدنى شكّ؛ بأنّ الرّزق مقسوم من الله تعالى لجميع مخلوقاته.
- أخذ المؤمن بالأسباب التي شرعها الله له في بحثه عن مصادر رزقه وحصوله عليه، مع الاعتقاد بأنّ الله تعالى هو الرّزاق.
- صدق اعتماد قلب العبد على الله تعالى في استجلاب ما ينفعه، ودفع ما يضرّه من أمور الدّنيا والآخرة، وتحقيق الإيمان بأنّ المعطي والمانع، والضّار والنّافع هو الله.
المراجع
- ↑ "عمر بن الخطاب"، ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-16. بتصرّف.
- ↑ رواه الزرقاني، في مختصر المقاصد، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم:819، حديث صحيح.
- ^ أ ب ت "شرح حديث عمر رضي الله عنه: لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-16. بتصرّف.
- ↑ رواه الهيثمي، في مجمع الزوائد، عن مسروق وشتير بن شكل، الصفحة أو الرقم:128، الحديث روي بأسانيد ورجال الأول رجال الصحيح غير عاصم بن بهدلة وهو ثقة وفيه ضعف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم:4563، حديث صحيح.
- ↑ "التوكل على الله"، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-16. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى تَوَكَّلْتُمْ في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-16. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى تغدو في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-16. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى خماصاً في قاموس المعجم الوسيط"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-16. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى راح في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-16. بتصرّف.
- ↑ "تعريف و معنى بطانا في معجم المعاني الجامع"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-16. بتصرّف.
- ↑ " لو أنكم تتوكلون على الله حقَّ توكُّله ؛ لرزقكم كما يرزق الطيرَ : تغدوا خماصًا وتروح بطانًا "، www.dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-08-16. بتصرّف.