محتويات
تعريف الإعجاز والمعجزة
يُعرّف الإعجاز في اللُغة بأنّه إثبات عجز الغير، وهو الضعف وعدم القُدرة على فعل الشيء، ومنه لفظ المُعجزة: وهي أمرٌ خارقٌ للعادة، مقرونةٌ بالتحدي وسالمةٌ عن المُعارضة، ويُقال: أعجز فلانٌ فلاناً؛ أي إذا أثبت عجزه عن شيء، والإعجاز اصطلاحاً فهو قُصور الإنسان وضعفه في محاولة المعجزة ومزاولتها، مع استمرار هذا الضعف على مرور الزمن وتقدّمه،[١][٢] فتُطلق كلمة الإعجاز في الأصل على إثبات العجز، ثُمّ نُقلت الكلمة لإظهار صدق الرُسل -عليهم الصلاةُ والسلام- من خلال تأييدهم بالمُعجزات،[٣] فيُؤيدهم الله -تعالى- بها، ويُعجِز البشر عن الإتيان بمثلها، فتكونُ سليمةٌ من المُعارضة لها، ويدلّ على صدق أنبياء الله -عز وجل-.[٤]
معجزات الأنبياء
بعض معجزات الأنبياء
جاءت الكثير من الأدلة التي تُثبت تأييد الله -تعالى- لأنبيائه ورُسله بالمُعجزات، وكانت هذه المُعجزات على نوعين؛ إمّا حسيّة أو عقليّة، فالحسيّة: هي ما يُمكنُ إدراكُها بالبصر؛ كناقة صالح -عليه السلام-، وطوفان نوح -عليه السلام-، ونار إبراهيم -عليه السلام-، وأمّا العقليّة: فهي التي يُمكن إدراكُها عن طريق البصيرة؛ كالإخبار بالغيب، والإخبار بحقائق العُلوم،[٥] ومن هذه المُعجزات:
- معجزات موسى -عليه السلام-: فقد أيّده الله -تعالى- بتسعِ مُعجزات، لِقوله -تعالى-: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ)،[٦] وهي: اليد، والعصا، والطُوفان، والقُمّل، والجراد، والدم، والضفادع، والسّنين، ونقص الثمرات، وبعض العُلماء جعل السنين والنقص من الثمرات مُعجزةً واحدة، وأمّا المعجزة التاسعة فهي تلقّف العصا ما يأفكون؛ أي التهام أفاعي السّحَرة بها.[٧]
- معجزات عيسى -عليه السلام-: قال الله -تعالى-: (وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ)،[٨] والبيّنات: هي المُعجزات، ومنها: إحياء الموتى، وخلقه من الطّين شيئاً كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيراً بإذن الله، وإخباره بالكثير مما يدّخره النّاس في بُيوتهم، وشفائه للمرضى، وغير ذلك.[٩]
معجزات النبي محمد صلى الله عليه وسلم
أيّد الله -تعالى- نبيّه مُحمد -عليه الصلاةُ والسلام- بالكثير من المُعجزات، والتي تتفوّق على غيرها من المُعجزات، سواءً من حيث العدد أو الأهميّة، ومنها:
- انشقاق القمر له في السِّماء، وتفجير الماء من بين أصابعه، وتظليل الغمام له، وتسبيح الحجارة بين يديه، وتسخير البُراق له ليحملهُ ويطير به إلى السماء في حادثة الإسراء والمعراج، وحنين الجذع له، وتكثير الطعام القليل.[١٠]
- القُرآن الكريم، ويأتي إعجازهُ من طريقين: الأول: عجز البشر وخاصة العرب وفُصحائهم أن يأتوا بمثله، أو بمثل سورةٍ منه، وثبت إعجازهُ باختلافه عن كلام البشر، والطريق الثاني: إثباته لعجز النّاس عن مُعارضته، أو مُساواته، أو الإتيان بما يُضاهيه أو يُشابههُ،[١١] وثبت إعجازهُ بعدم القُدرة على الإتيان بمثله مع توفّر الأسباب والدّواعي التي تُوجب الفعل والإمكان،[١٢] وجاء التحدي للعرب على ثلاثةِ مراحل، ولما ثبت عجزهم مع توفّر دواعي القُدرة على ذلك، ثبت إعجازه، وثبت أنّه دليلٌ قاطع على صدق النبيِّ -عليه الصلاةُ والسلام-، وهذه المراحل هي:[١٣]
- المرحلة الأولى: الإتيان بمثل القُرآن، لِقولهِ -تعالى-: (فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ).[١٤]
- المرحلة الثانية: الإتيان بعشر سورٍ من مثله، لِقولهِ -تعالى-: (أَم يَقولونَ افتَراهُ قُل فَأتوا بِعَشرِ سُوَرٍ مِثلِهِ مُفتَرَياتٍ وَادعوا مَنِ استَطَعتُم مِن دونِ اللَّـهِ إِن كُنتُم صادِقينَ).[١٥]
- المرحلة الثالثة: الإتيان بسورةٍ مثله، لِقولهِ -تعالى-: (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّـهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ).[١٦]
كيف تدلّ المعجزة على صدق الأنبياء
تدُلُّ المُعجزات على صدق الأنبياء من خلال عجز الآخرين عن الإتيان بمثلها، أو مُعارضتها، فمثلاً لو قام بعض العبيد أمام مَلِكهم والناس، وقالوا: إنّ المَلِك قد بعثني إليكم بكذا وكذا، وهو عالمٌ بما أقول، ودليل صدقي أنّه سيفعل كذا وكذا على غير عادته، وخصّني بأشياءٍ دونكم، ثُمّ طلب هذا العبد من الملك فعل ذلك الشيء، ففعله على وفق ما طلب منه، فيكون معلوماً أن الملك صدّقه، ويكون ذلك دليلاً على صدق ما بلّغه عن الملك، وإذا ثبت لزاماً كذب الرسول لزم منه كذب الملك الذي صدّقه، ولما كان الكذب على الله -تعالى- مُستحيلاً، لزم منه استحالة الكذب من أنبيائه -عليهم الصلاةُ والسلام-.[١٧]
وشبّه بعض العُلماء صدق الأنبياء من خلال مُعجزاتهم كملكٍ جالسٍ على كُرسيه، فيقومُ رجُلٌ ويقول للناس: إن الملك يأمركم أن تُطيعوني، وتُصدّقوني، ودليلي على بعث الملك لي إليكم أنه سيقوم عن كُرسيّه وأجلس عليه، ففعل الملك ونزل عن كرسيه، وجلس هو مكانه، فيكون دليلاً على صدق الرجل فيما يقوله، ولله المثل الأعلى، فكذلك الأنبياء صادقون فيما يبلغونه عن ربّهم -جلّ في علاه-.[١٨]
المراجع
- ↑ مصطفى ديب البغا (1998)، الواضح في علوم القرآن (الطبعة الثانية)، دمشق، دار الكلم الطيب/ دار العلوم الانسانية، صفحة 150-151. بتصرّف.
- ↑ محمد مصطفى الزحيلي (2006)، الوجيز في أصول الفقه الإسلامي (الطبعة الثانية)، دمشق، دار الخير للطباعة والنشر والتوزيع، صفحة 152، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ حسن العطار، حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع، بيروت، دار الكتب العلمية، صفحة 294، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ حسن العطار، حاشية العطار على شرح الجلال المحلي على جمع الجوامع، بيروت، دار الكتب العلمية، صفحة 474، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ الراغب الأصفهانى (2003)، تفسير الراغب الأصفهاني (الطبعة الأولى)، الرياض، دار الوطن، صفحة 42، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ سورة الإسراء، آية: 101.
- ↑ محمد أبو جعفر الطبري (2001)، تفسير الطبري= جامع البيان عن تأويل آي القرآن (الطبعة الأولى)، القاهرة، دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، صفحة 102، جزء 15. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 87.
- ↑ محمد بن جرير أبو جعفر الطبري (2001)، تفسير الطبري= جامع البيان عن تأويل آي القرآن (الطبعة الأولى)، القاهرة، دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، صفحة 220، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ عبد الفتاح سلامة (1400)، أضواء على القرآن الكريم (بلاغته وإعجازه) (الطبعة السادس والأربعون)، المدينة المنورة، الجامعة الإسلامية، صفحة 92-93. بتصرّف.
- ↑ فخر الدين الرازي (1420هـ)، مفاتيح الغيب = التفسير الكبير (الطبعة الثالثة)، بيروت، دار إحياء التراث العربي، صفحة 347-348، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ أبو بكر الباقلاني (1997)، إعجاز القرآن (الطبعة الخامسة)، مصر، دار المعارف، صفحة 12. بتصرّف.
- ↑ مرعي الكرمي (2004)، الكلمات البينات في قوله -تعالى-: (وبشر الذين ءامنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات) (الطبعة الأولى)، القاهرة، المكتب الإسلامي لإحياء التراث، صفحة 47-48. بتصرّف.
- ↑ سورة الطور، آية: 34.
- ↑ سورة هود، آية: 13.
- ↑ سورة البقرة، آية: 23.
- ↑ محمد عفيفي (2006)، شرح صغرى الصُغرى في علم التوحيد (الطبعة الأولى)، عمان - الأردن، دار الرازي للطباعة والنشر والتوزيع، صفحة 90-91. بتصرّف.
- ↑ محمد الشنقيطي، لوامع الدُرر في هتك أستار المُختصر، صفحة 119، جزء 1. بتصرّف.