مفهوم السياسة الشرعية

كتابة:
مفهوم السياسة الشرعية

نشأة السياسة الشرعية

إن السياسة والنظام السياسي هو جزء لا يتجزأ من الدين الإسلامي منذ بداية الدعوة الإسلامية، كما وجدت الكثير من المصطلحات في بداية الإسلام وفي العهد النبوي وعهد الخلافة الراشدة ذات الارتباط الشديد بالسياسة الشرعية مثل الإمامة والشورى وغيرها من المصطلحات والمبادئ التي شكلت فيما بعد أسس السياسة الشرعية وأصولها،[١] وقد كان استخدام مصطلح سياسة شرعية نادر الوجود في مؤلفات المتقدمين إلى حين ظهور علماء مسلمين استخدموا كلمة السياسة الشرعية وناقشوها في كتبهم ومؤلفاتهم، وهذا ما سيتم الحديث عنه في هذا المقال بالإضافة إلى مفهوم السياسة الشرعية.[٢]

مفهوم السياسة الشرعية

إنّ مفهوم السياسة الشرعية يعتمد على التعريف اللغوي لكلمة السياسة التي تعبّر عن عدّة معانٍ ومصطلحات وبالنسبة للسياسة الشرعية فإن معنى السياسة في هذا الإطار يمكن التعبير عنه بالتدبير ودلالة هذا المعنى ما جاء في صحيح البخاري عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "كانَتْ بَنُو إسْرائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأنْبِياءُ، كُلَّما هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ"،[٣] وقد فسّر النووي رحمه الله معنى سياسة الأنبياء لأقوامهم في هذا الحديث بتولي الأمر وتدبير الشأن.[٤]

بعد التّعرف على المعنى اللغوي للسياسة يتبقى معرفة المعاني الاصطلاحية لمفهوم السياسة الشرعية كما جاء في المصادر المعتبرة لهذا العلم الجليل وكتب التراث، ومن خلال الاطلاع على تلك المصادر يمكن تعريف السياسة الشرعية بالمعنى العام بأنها: "اسم للأحكام والتصرفات التي تُدبّر بها شؤون الدولة الإسلامية، في الداخل والخارج، وفق الشريعة الإسلامية، سواء كان مستند ذلك نصًا خاصًا، أو إجماعًا أو قياسًا، أو كان مستنده قاعدة شرعية عامة"، يظهر من هذا التعريف شمولية مفهوم السياسة الشرعية بالمعنى العام لجميع أجهزة الدولة وسلطاتها القضائية والتنفيذية والإدارية وجميع الأحكام والقوانين الصادرة عن الحكومة المدبرة لشؤون الدولة المسلمة بما يتماشى مع النصوص الشرعية بالنسبة للحوادث والنوازل التي ورد به دليل شرعي مفصّل، أو بما يتفق مع مقاصد الشريعة الإسلامية فيما لم يرد به نص خاص.[٤]

أما بالنسبة لمفهوم السياسة الشرعية بالمعنى الخاص فيمكن تعريفه بأنه: "كل ما صدر عن أولي الأمر، من أحكام وإجراءات، منوطة بالمصلحة، فيما لم يرد بشأنه دليل خاصّ، متعيّن، دون مخالفة للشريعة"، يمكن شرح هذا التعريف بأن السياسة الشرعية هي التصرفات الصادرة عن المتصرفين وأصحاب الولايات من حكّام ومفتين، وأقوالهم وأفعالهم التي قاموا بها بمقتضى المركز الذي هم فيه وبناءً على مصلحة مرجّوة من هذه التصرفات التي لم يرد بشأنها أدلة شرعية محدّدة وإنما العمل فيها مقيّد بما يتوافق مع أهداف الشريعة ومقاصدها الكليّة.[٤]

السياسة الشرعية في عصر الرسول

بعد الحديث عن مفهوم السياسة الشرعية يتعيّن ذكر وبيان لبعض التصرفات النبوية التي تندرج تحت مسمّى السياسة الشرعية والتي أصبحت فيما بعد دليلًا وأصلًا للمشتغلين بالسياسة الشرعية والقائمين على تأصيل هذا الفقه من علماء وحكّام وولاة أمر المسلمين، وفيما يأتي بعض الشواهد التاريخية من سيرة الرسول الكريم المتعلقة بالسياسة الشرعية وتطبيقاتها العملية:[٢]

  • قيام الرسول الكريم بواجبات الحكم وتنظيم شؤون الدولة الإسلامية مثل تعيين الولاة والقضاة في الأراضي التابعة للدولة الإسلامية آنذاك، وجمع أموال الزكاة وتقسيمها.
  • إقامة العدل والحرص على المساواة بين جميع الناس من خلال رد المظالم وتطبيق الحدود الشرعية على الجميع، وحفظ الحقوق والتوزيع العادل للثروات بما فيها الغنائم وغيرها.
  • تنظيم علاقة الدولة الإسلامية بالدول الأخرى والأمم المجاورة مثل: الكفار ويهود المدينة، وإقرار مسائل الحرب والصُلح كصُلح الحديبية وكيفية التعامل مع الأسرى.

أشهر رواد السياسة الشرعية

من الموضوعات المرتبطة بمفهوم السياسة الشرعية موضوع أهم وأشهر روّاد هذا العلم، فقد كان أغلب فقهاء الإسلام لهم كلام في إطار السياسة الشرعية، وقد وضع العلماء قديمًا وحديثًا كتبًا تبحث في مواضيع السياسة الشرعية مثل الكتب التي تحدثت عن الأموال والخراج، ولكن هناك علماء أجلّاء اهتموا بهذا العلم اهتمامًا كبيرًا وعملوا على وضع الأسس والمعايير والضوابط المتعلقة بمفهوم السياسة الشرعية، وفيما يأتي تعريف باثنين منهم:[١]

  • الماوردي: أبو الحسن علي بن محمد الماوردي شافعي المذهب، وليَ القضاء وكان ذا صلة وثيقة بالحكّام، ويُعّد من حفّاظ المذهب الشافعي له تصانيف مهمة في أصول الفقه والسياسة الشرعية، ومن أشهر كتبه في الآداب كتاب "أدب الدنيا والدين".[٥]
  • إمام الحرمين الجويني: أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني شافعي المذهب، كان هو ووالده من علماء المذهب الشافعي وعندما توفي والده أخذ مكانه في التدريس وكان له عدد كبير من الطلبة، ألّف كتبًا في علومٍ شتّى ومنها كتاب "البرهان في أصول الفقه".[٦]

أهم الكتب المؤلفة في السياسة الشرعية

ألّف العلماء قديمًا وحديثًا الكثير من الكتب التي تحدثت عن السياسة الشرعية وبيّنت أصل هذا العلم وأدلته ومجالاته، ومن هذه الكتب ما كان مؤلفًا بشكل أساسي في السياسة الشرعية، ومنها ما كان موضوعها مختلف عن السياسة الشرعية ولكن تمّ التعرّض لهذا العلم في صفحات وثنايا تلك المؤلفات، مثل "مقدمة ابن خلدون" التي جمعت بين علم الاجتماع والتاريخ والسياسة الشرعية، أما بالنسبة للكتب المؤلفة في السياسة الشرعية فمن أبرزها ما يأتي:[٧]

  • الأحكام السلطانية والولايات الدينيّة: مؤلف الكتاب هو الماوردي وقد جمع فيه موضوعات السياسة الشرعية جميعها، وبيّن فيه شروط الإمامة والخلافة فظهر الكتاب وكأنه دستور وكتاب قانون، كما ألّف أبو يعلى الفرّاء كتابًا مماثلًا لهذا الكتاب وحمل اسم "الأحكام السلطانية" مع وجود فرق وهو اختلاف المذهب فكتاب الماوردي على المذهب الشافعي بينما كتاب أبي يعلى فعلى المذهب الحنبلي.
  • غياث الأمم في التياث الظُلَم: وضع هذا الكتاب إمام الحرمين الجويني في موضوع من موضوعات السياسة الشرعية وهو الإمامة وشروطها.
  • السياسة الشرعية في إصلاح الرعية والرعية: ألّف ابن تيمية هذا الكتاب جاعلًا إيّاه دعوة إصلاحية مبنية على ضرورة إقامة العدل وحفظ الأمانات والحقوق والذمم وأن هذا هو سبيل تحقيق السياسة العادلة والشرعية.

المراجع

  1. ^ أ ب "السياسة الشرعية في كتاب (غياث الأمم) للجويني"، www.ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 07-11-2019. بتصرّف.
  2. ^ أ ب "تطبيقات السياسة الشرعية في العهد النبوي"، www.ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 31-10-2019. بتصرّف.
  3. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 3455، صحيح.
  4. ^ أ ب ت "مدلول السياسة الشرعية"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 31-10-2019. بتصرّف.
  5. "سير أعلام النبلاء"، www.library.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 02-11-2019. بتصرّف.
  6. "سير أعلام النبلاء"، www.library.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 02-11-2019. بتصرّف.
  7. "أول ما صنف في السياسة الشرعية"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 02-11-2019. بتصرّف.
4594 مشاهدة
للأعلى للسفل
×