تاريخ العبودية
تعدّ العبودية نوعًا من أنواع التسلط والحكم بشكلٍ قسريّ، وهي شكل من أشكال الأعمال الشاقّة التي يفرضها الأحرار المتسيِّدون على ما يملكون من العبيد والرق، ويعدّ تاريخ الإنسانية أسودَ من جهة العبيد والرق، فقد اشتهرت العبودية عند كلِّ الحضارات في العالم، في مصر والصين وبلاد الرافدين وروما وفارس، وكانوا يستعملون العبيد في أعمال الزراعة أو البناء، ومنهم من يستخدمهم في الحروب العسكرية، حتّى حضارات المايا والأنكا والأزتك التي كانت في الأمريكيتين اشتهرت عندهم العبودية واستخدموا العبيد في الحروب، وفي أثينا أيضًا ظهر العبيد في كتابات هوميروس الإلياذة والأوديسا، وهذا المقال سيتناول مفهوم العبيد في الإسلام. [١]
مفهوم العبيد في الإسلام
عندما بُعث رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- كانت العبودية منتشرة في العالم بشكل كبير، وكان العبيد يتزايدون بكثرة وينتشرون بين القبائل العربية كانتشار النار في الهشيم، وكان الناس قبل الإسلام لا يفرقون في الحصول على العبيد بين الحرب أو العدوان أو الشراء أو الغدر، فحصلوا على أعداد كبيرة من العبيد بطرق حرَّمها الإسلام فيما بعد، كما أنَّهم اعتدوا وظلموا في سبيل الحصول على الرقيق والإماء، وعندما جاء الإسلام ضيَّق الدائرة كثيرًا في هذا المجال، فلم يحرم الإسلام العبيد بشكل عام تحريمًا مطلقًا، إنَّما شدد في الوسائل التي تؤدي إلى الحصول على العبيد في الإسلام فحرَّم كلَّ الوسائل التي تؤدي إلى الحصول على العبيد من غدر وإجبار وعدوان، وحلَّل فقط ما أُخذ من العبيد في الغزوات أثناء الجهاد في سبيل الله أو ما بيع منهم بعدها أو ما وهبه أحد لأحد.
كما نظَّم الإسلام العلاقة بين العبيد والأسياد، وجعل الإحسان فرضًا على السيد تجاه الرق أو العبيد أو الإماء، قال تعالى في سورة النساء: "وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا" [٢]، كما وردَ في الحديث الشريف فيما يبين حال العبيد في الإسلام قول رسول الله: "هُمْ إخْوَانُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أيْدِيكُمْ، فمَن جَعَلَ اللَّهُ أخَاهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ ممَّا يَأْكُلُ، ولْيُلْبِسْهُ ممَّا يَلْبَسُ، ولَا يُكَلِّفُهُ مِنَ العَمَلِ ما يَغْلِبُهُ، فإنْ كَلَّفَهُ ما يَغْلِبُهُ فَلْيُعِنْهُ عليه" [٣]، ولهذا يمكن القول إنَّ مفهوم العبيد في الإسلام هو الرق الذي يحصل عليه المسلم في الحروب والغزوات، إلَّا أنَّ الإسلام شرَّع تحرير العبيد وجعل اعتاق الرقاب طريقًا إلى عفو الله ورحمته، قال تعالى: "فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ" [٤]، والله أعلم. [٥]
فضل عتق الرقاب في الإسلام
بعد الحديث عن العبيد في الإسلام يمكن القول إنَّ الإسلام أولى عتق الرقاب أهمية كبيرة وجعله طريقًا من الطرق التي يؤدي بها المسلم كفارة ذنوبه، وهذا ما دلَّ عليه القرآن الكريم في مواضع عدَّة، فعلى الرغم من أن الشرع الإسلامي لم يحرِّم على الناس الرق والعبيد إلَّا أنَّه دعا إلى عتق الرقاب ومنح الناس حرياتهم، فأولاد آدم أحرار بالفطرة، وقد جاء في فضل عتق الرقاب في الإسلام حديث رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- حين قال: "أيَّما امرئٍ مسلِمٍ أعتقَ امرءًا مسلِمًا فهُو فَكاكُه مِنَ النارِ، يجْزِي بِكُلِّ عظْمٍ منه عظمًا مِنْهُ، وأيُّما امرأةٍ مسلِمَةٍ أعْتَقَتْ امرأةً مسلمةً، فهي فَكاكُها مِنَ النارِ، يجْزِي بكلِّ عظمٍ منها عظمًا منها، وأيُّما امرئٍ مسلمٍ أعتقَ امرأتينِ مسلِمتينِ فهما فَكَاكُه مِنَ النارِ، يَجْزِي بكُلِّ عظمينِ منهما عظمًا منْهُ" [٦]، والله تعالى أعلم. [٧]
المراجع
- ↑ تاريخ العبودية, ، "www.marefa.org"، اطُّلِع عليه بتاريخ 23-03-2019، بتصرّف
- ↑ {النساء: الآية 36}
- ↑ الراوي: أبو ذر الغفاري، المحدث: البخاري، المصدر: صحيح البخاري، الجزء أو الصفحة: 6050، حكم المحدث: صحيح
- ↑ {البلد: الآية 11--14}
- ↑ مسائل في العبيد والرق, ، "www.islamweb.net"، اطُّلِع عليه بتاريخ 23-03-2019، بتصرّف
- ↑ الراوي: عبدالرحمن بن عوف ومرة بن كعب وأبو أمامة، المحدث: الألباني، المصدر: صحيح الجامع، الجزء أو الصفحة: 2700، حكم المحدث: صحيح
- ↑ معنى تحرير رقبة, ، "www.binbaz.org.sa"، اطُّلِع عليه بتاريخ 23-03-2019، بتصرّف