محتويات
مفهوم علم اللسانيات
من هو مؤسّس علم اللسانيّات؟
يُعرف علم اللسانيات بأنّه: العلم الذي يدرس اللغات الإنسانيّة، ويهتم بمعرفة خصائصها وتراكيبها ودرجات التشابه والتباين فيما بينها، وعلم اللسانيات هو علم حديث أرسى أسسه في مطلع القرن العشرين سوسير عندما ألقى "محاضرات في علم اللغة العام"، فحَّدد بذلك إشكالية اللسانيات، وجمع "شارل بالي" هذه المحاضرات بعد وفاته في كتاب[١]، وهو كتاب مهمّ؛ لأنّه يُعدّ رائدًا في مجال علم اللسانيّات، ومؤسّسًا للبنيويّة الحديثة التي شاعت لا في اللسانيّات فقط، إنّما في علوم أخرى مثل: تحليل الخطاب، والنقد الأدبي، والتحليل النفسي، وغيرها.[٢]
وأشار سوسير في كتابه هذا إلى قضايا مهمّة تتعلق باللسانيات أهمُّها: استقلال علم اللغة عن غيره من العلوم الأخرى، مثل: علم النفس، والفلسفة، وهذا بهدف التركيز على علم اللغة فقط، وكذلك فهو يُفرّق بين ثلاثة أشياء، وهي: اللسان، واللغة المعينة، والكلام، ويهتم بالتفريق بين اللغة والكلام، فيجد أنّ دراسة الكلام مختلفة عن دراسة اللغة، فالكلام هو نتاج فردي وهو أقرب إلى الحيز التطبيقي للغة، وهذا يعني عند سوسير أنّ اللغة مستقلة عن الكلام.[٣]
وذلك يُشبه العلاقة بين الآلة الموسيقية والنغمات التي تصدر عنها؛ فالآلة الموسيقية تنتج نغمات متعددة باختلاف العازفين عليها، وهو بدراسته للكلام يدرس اللغة في اللحظة الراهنة، وهذا ما يهدف له، فهو لا يريد أن يدرس تاريخ اللغة، ولكنّه يريد أن يركّز على اللغة المستخدمة بين الأفراد، وبذلك يكون قد ركّز على دراسة اللغة ومستوياتها المختلفة: الصوتي، والنحوي والصرفي والدلاليّ، ومن هنا يمكن الملاحظة أنّ مفهوم علم اللسانيات يُركّز على اللغة التي يستخدمها الناس في الكلام، ولا يهتم بالكلام المكتوب.[٣]
فروع علم اللسانيات
كيف استفاد العلماء من تطبيق هذا العلم في المجالات المختلفة؟
اهتم العلماء بدراسة علم اللسانيات وفقًا لتخصصاتهم العلمية، بمعنى أنّ هؤلاء العلماء درسوا اللغة بما يتصل بتخصصاتهم المختلفة، وهذا الأمر أدّى إلى وجود أبحاث جديدة تُظهر الارتباط بين اللسانيات وفروع المعرفة الأخرى، مما أدّى إلى وجود فروع لعلم اللسانيات، ومنها ما يأتي.
اللسانيات الحاسوبية
وهي فرع تطبيقيّ حديث، يستغل ما توفره التكنولوجيا المُتطورة من أجل إنشاء برامج وأنظمة لمعالجة اللغات الطبيعية معالجة آلية[٤]، وهنا تدخل اللغة في حقل الذكاء الاصطناعي الذي يهدف إلى وضع نماذج حاسوبية وآلية للإدراك الإنساني، ومن أهم أهداف اللسانيات الحاسوبية هو الوصول إلى الكفاية اللغوية التي يمتلكها الإنسان المتحدث باللغة، بحيث يستطيع استخدام اللغة بصورتها الصحيحة حسب القواعد اللغوية[٥]، ولذلك تمَّ التفكير في جعل اللغة العربية لغة مواكبة للتطورالحضاريّ والعلمي، من خلال حوسبتها؛ لِمَا تملكه من خصائص تجعلها لغة متطورة قادرة على مواكبة اللغات العالمية.[٤]
اللسانيات النفسية
وهي اللسانيات التي تهتم بدراسة العوامل العقلية والنفسية التي تؤثر في العقل الإنساني؛ لإنتاج اللغة وفهمها، وكذلك تهتم بصورة أساسية بقضايا الاكتساب اللغوي، وكيفية إنتاج المعنى لتحقيق الفهم والتواصل اللغوي[٦]، وتدرس "علاقة اللغة بالبنية النفسية للإنسان، وعالمه، وسلوكه؛ فتكوين الفرد النفسي يكشف عن تكوينه اللغوي، أيّ الألفاظ التي يستخدمها والعبارات وطرق تركيبها، كما يكشف عن العلل والعاهات اللغوية التي تصيب هذا الفرد، وطرق علاجها، والتخلص منها".[٧]
اللسانيات الاجتماعية
تهتم بدراسة اللغة في المجتمع، وتأثير المجتمع بها، فهي تدرس العلاقة بين اللسانيات والمتغيرات المعروفة في علم الاجتماع مثل: الجنس، العمر، والمستوى الثقافي وغيرها، وتهدف إلى بيان أثر العوامل الاجتماعية غير اللغوية في سلوك أفراد المجتمع من الناحية اللغوية، وتبين مدى ارتباط اللغة بطبيعة المجتمع الموجودة فيه.[٨]
اللسانيات الأدبية
وهي تهتم بدراسة اللغة الأدبية دراسة لغوية أسلوبية من خلال التركيز على الجوانب التي تمنح هذه اللغة سماتها الأدبية[٨]، وهذه الفكرة التي تربط اللغة بالأدب أدت إلى تضييق الفجوة بين علم اللسان والنقد الأدبي، أو بين علم اللسان ونظرية الأدب.[٩]
علماء اللسانيات
اهتم العلماء باللسانيات في الغرب، ودرسوها ووضعوا أسسها، وقد كان لها أثر في العلوم المختلفة، ويُعدّ علم اللسانيات من العلوم المهمة التي جعلت اللغة أساسًا لها، ومن أهم العلماء الذين أرسوا قواعد علم اللسانيات:
سوسير
وهو عالم لغوي سويسري، ويُعدّ مؤسسًا لمدرسة البنيوية في اللسانيات، واتجه إلى دراسة اللغات دراسة وصفية باعتبار اللغة ظاهرة اجتماعية، ومن أهم القضايا اللسانية التي أشار إليها الفرق بين اللسان واللغة، والفرق بين الداخلي والخارجي، والوصفي والمعياري، والعلاقة بين الدال والمدلول، وطبيعة العلامة اللغوية.[١٠]
لقراءة المزيد، انظر هنا: نبذة عن دي سوسير.
تشومسكي
وهو عالم أمريكي، له دور مهم في علم اللسانيات يتمثل بنظريته التوليدية والتحويلية، وقد نشأت في النصف الثاني من القرن العشرين، ومن أهم مبادئها: مبدأ الاكتساب اللغوي، ومبدأ الإبداعية اللغوية، والمبدأ الأول يتمثل بأنّ الاكتساب اللغوي يكون عن طريق امتلاك الإنسان لمعارف لغوية تتضمن قواعد كلية، وكذلك فهو يدرس اللغة دراسة عميقة، أمّا المبدأ الثاني فإنّه يعني به قدرة الإنسان على فهم وتشكيل جمل لا حصر لها، وهذا جانب يعلي من شأن اللغة، ويختلف الجانب الإبداعي في اللغة من شخص إلى آخر، ويجب الإشارة إلى أن تشومسكي اهتمّ بالبنية السطحية والعميقة للجمل.[١١]
لقراءة المزيد، انظر هنا: نظرية تشومسكي اللغوية.
فيرث
وهو من المدرسة السياقية في اللسانيات، ومن أفكاره اللسانية ارتباط اللغة بالمحيط الاجتماعي، ولذلك يرى أنّ الفهم اللغوي للعبارات يتصل بالسياق الذي قيلت فيه؛ أيّ الحال أو المقام، وقد قسّم فيرث السياق إلى قسمين: الأول السياق اللغوي؛ الذي يهتم بالأصوات والناحية النحوية، والصرفية، والثاني: سياق الحال أو المقام الذي يشتمل على: المكان، والزمان، والأشخاص، ووظيفة الخطاب والغاية منه.[١٢]
العلاقة بين اللسانيات والنحو العربي
كيف تشتبِك نظريّة تشومسكي بعلاقتها مع علم النّحو؟
إنّ اللغات الإنسانية تشترك بخصائص مع بعضها، وتختلف في بعضها الآخر، وهذا الاختلاف نابع بالضرورة من خصوصية كلّ لغة من اللغات، وهذا ما يجعل النحو العربي يتصل بعلاقات متعددة مع اللسانيات الحديثة، ويُعدّ كتاب "نظرية النحو العربي في ضوء مناهج النظراللغوي الحديث" لنهاد الموسى من أهم الكتب التي تناولت هذا المنحى، وقد انطلق من فكرة مفادها أنّ ثمة قدرًا مشتركًا بين مناهج النظر اللغوي على اختلاف الزمان، والمكان، والإنسان، واللغات الإنسانية في العالم.[١٣]
وبناء عليه يجد أنّ ثمة تشابكًا بين اللسانيات الحديثة والنحو العربي، وهذا أمر متبادل بينهما، ويظهر هذا في أنّ نظرية النحو التحويلي عند تشومسكي في اللسانيات تتفق في بعض أفكارها مع النحو العربي، وقد يكون هذا الأمر بسبب وجود قضايا مشتركة بين اللغات جميعها، أو أنّ الغربيين اطّلعوا على المنجزات اللغوية العربية وأفادوا منها، وكذلك يمكن الاستفادة من اللسانيات الحديثة في "وضع النحو العربي في إطار جديد، يتقابل فيه القديم العربي والحديث الغربي، يسعف في تجديد الإحساس بالنحو العربي في مفهوماته، ومنطلقاته، وأبعاده بعد طول إلفٍ به في لغته الخاصة ومصطلحه الخاص، ومنجه الداخلي".[١٤]
لقراءة المزيد عن هذا المبحث، انظر هنا: علم اللسانيات في اللغة العربية.
المراجع
- ↑ "لسانيات"، المعرفة، اطّلع عليه بتاريخ 07-02-2020م. بتصرّف.
- ↑ "اللسانيات"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 7-0-2-2020. بتصرّف.
- ^ أ ب إبراهيم خليل (2014)، مدخل إلى علم اللغة (الطبعة الثانية)، عمّان: دار المسيرة للنشر والتوزيع، صفحة 82-85. بتصرّف.
- ^ أ ب "اللسانيات الحاسوبية: رقمنة اللغة العربية ورهان مجتمع المعرفة"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 25-02-2020. بتصرّف.
- ↑ وليد العناتي (2012)، العربية في اللسانيات التطبيقية (الطبعة الأولى)، عمّان: دار كنوز المعرفة العلمية للنشر والتوزيع، صفحة 23- 24. بتصرّف.
- ↑ وليد العناتي (2012)، العربية في اللسانيات التنطبيقية (الطبعة الأولى)، عمّان: دار كنوز المعرفة العلمية للنشر والتوزيع، صفحة 22. بتصرّف.
- ↑ "لسانيات"، المعرفة، اطّلع عليه بتاريخ 07-02-2020م.
- ^ أ ب وليد العناتي (2012)، العربية في اللسانيات التطبيقية (الطبعة الأولى)، عمّان: دار الكنوز العلمية للنشر والتوزيع، صفحة 21. بتصرّف.
- ↑ إبراهيم خليل (2010)، في نظرية الأدب وعلم النص (بحوث وقراءات) (الطبعة الأولى)، الجزائر وبيروت: منشورات الاختلاف والدار العربية للعلوم ناشرون، صفحة 256. بتصرّف.
- ↑ "فرديناند دى سوسير"، المعرفة، اطّلع عليه بتاريخ 07-02-2020م. بتصرّف.
- ↑ "جوانب من النظرية اللسانية عند نوام تشومسكي"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 07-02-2020م. بتصرّف.
- ↑ إبراهيم خليل (2014)، مدخل إلى علم اللغة (الطبعة الثانية)، عمّان: دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة، صفحة 96 - 97. بتصرّف.
- ↑ نهاد الموسى (1987)، نظرية النحو العربي في ضوء مناهج النظر اللغوي الحديث (الطبعة الثانية)، عمّان: دار البشير للنشر والتوزيع، صفحة 11. بتصرّف.
- ↑ نهاد الموسى (1987)، نظرية النحو العربي في ضوء مناهج النظر اللغوي الحديث (الطبعة الثانية )، عمّان: دار البشير للنشر والتوزيع، صفحة 15- 16، 25. بتصرّف.