مقاصد سورة الأنفال

كتابة:
مقاصد سورة الأنفال

سورة الأنفال

تعتبر سورة الأنفال سورة مدنية نزلت على رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- في المدينة المنورة باستثناء الآيات من 30 حتَّى 36 فهي آيات مكية نزلتْ في مكة المكرمة، وهي من سور المثاني، ويبلغ عدد آياتها خمس وسبعين آية، وسورة الأنفال هي السورة الثامنة من ترتيب سور المصحف الشريف، حيث تقع في الجزء العاشر والحزب التاسع عشر، وقد نزلتْ سورة الأنفال بعد سورة البقرة، وهي سورة بدأ بفعل مضارع، قال تعالى في مطلعها: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنفَالِ ۖ قُلِ الْأَنفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ۖ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}[١]، وهذا المقال سيسلِّط الضوء على مقاصد سورة الأنفال بالتفصيل.

سبب نزول سورة الأنفال

إنَّ من أعظم فوائد علم أسباب نزول الآيات والسور القرآنية هو فتح طريق وسبيل ممهَّدٍ للوصول إلى مقصد السورة الرئيس، وهذا الأمر لا شكَّ ينطبق على كلِّ سور الكتاب، ولهذا قبل الحديث عن مقاصد سورة الأنفال لا بدَّ من المرور على سبب نزول هذه السورة المباركة، وقد جاء في سبب نزول سورة الأنفال في صحيح الإمام البخاري حيث روى عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- قال: " لَمَّا نَزَلَتْ: {إنْ يَكُنْ مِنكُم عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ}[٢] شَقَّ ذلكَ علَى المُسْلِمِينَ، حِينَ فُرِضَ عليهم أنْ لا يَفِرَّ واحِدٌ مِن عَشَرَةٍ، فَجَاءَ التَّخْفِيفُ، فَقالَ: {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وعَلِمَ أنَّ فِيكُمْ ضُعْفًا فإنْ يَكُنْ مِنكُم مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ}[٣]، قالَ: فَلَمَّا خَفَّفَ اللَّهُ عنْهمْ مِنَ العِدَّةِ نَقَصَ مِنَ الصَّبْرِ بقَدْرِ ما خُفِّفَ عنْهمْ"[٤]، وعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- قال: "لمَّا شاور النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- في لقاءِ العدوِّ، وقال له سعدُ بنُ عبادةَ ما قال وذلك يومَ بدرٍ، أمر النَّاسَ أن يتهيَّؤُوا للقتالِ، وأمرهم بالشَّوكةِ، فكرِه ذلك أهلُ الإيمانِ، فأنزل اللهُ : {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ * يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ}[٥]"[٦]، والله تعالى أعلم.[٧]

مقاصد سورة الأنفال

كثيرة هي مقاصد سورة الأنفال وهذا عائد إلى طول هذه السورة المباركة، فهي من السور السبع المثاني أو السبع الطوال في القرآن الكريم، فقد بدأت آيات هذه السورة بالحديث عن الأنفال، والأنفال هي غنائم الحروب، حيث سأل الصحابة الكرام -رضوان الله عليهم- عن الغنائم وطريقة توزيعها فجاءت الآيات الأولى من سورة الأنفال لبيان كيفية توزيع غنائم الحروب بين المسلمين، قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنفَالِ ۖ قُلِ الْأَنفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ۖ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}[١]، ثم انتقل الخطاب الإلهي في سورة الأنفال للحديث عن غزوة بدر التي انتصر فيها المسلمون على الكافرين، وذكرتْ وصف المشركين بالأنعام التي لا تسمع ولا تعي بسبب إعراضهم وكفرهم، قال تعالى: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ * وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأَسْمَعَهُمْ ۖ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ}[٨].[٩]

ومن مقاصد سورة الأنفال أيضًا أنَّ آيات هذه السورة الكريمة وجّهتِ الأمر للمؤمنين بطاعة الله ورسوله -صلَّى الله عليه وسلَّم-، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}[١٠]، ثمَّ رجعت الآيات لتتناول غرض الآية الرئيس وهو الحديث عن الغنائم، حث ذكرت الآيات اللاحقة كيفية تقسيم الغنائم بالتفصيل، وسردتْ أيضًا الأحداث الهامة في غزوة بدر وحثَّت المسلمين على ضرورة الإنفاق في سبيل الله تعالى.[٩]

وقد ربطتْ آيات السورة بين الحرب والسلم، فأمرت بالقتال وإعداد العدة، وأمرت أيضًا بالسلم إذا ضمن عزَّة وكرمة المسلمين، فالحرب هي السبيل إذا كان في السلم ذل وهوان، ثمَّ سلطتِ الآيات الضوء على حكم الأسرى في الإسلام، واختتمت بدعوة المسلمين إلى ولاية بعضهم بعضًا بالأخوة التي بينهم، قال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَـئِكَ مِنكُمْ وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}[١١]، والله تعالى أعلم.[٩]

أسماء سورة الأنفال

بعد ما جاء من مقاصد سورة الأنفال، جدير بالذكر أن يتم الحديث عن أسماء هذه السورة المباركة، فهذه السورة عرفت منذ عهد رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- بسورة الأنفال والأنفال هي غنائم الحروب، وسمِّيت بهذا الاسم لأنَّها تناولت التفصيل في أحكام الغنائم وكيفية توزيعها، وقد جاءت هذه السورة باسم سورة بدر، عن سعيد بن جبير قال: "قُلتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: سُورَةُ التَّوْبَةِ، قالَ: آلتَّوْبَةِ؟ قالَ: بَلْ هي الفَاضِحَةُ ما زَالَتْ تَنْزِلُ، وَمِنْهُمْ وَمِنْهُمْ حتَّى ظَنُّوا أَنْ لا يَبْقَى مِنَّا أَحَدٌ، إلَّا ذُكِرَ فِيهَا، قالَ: قُلتُ: سُورَةُ الأنْفَالِ؟ قالَ: تِلكَ سُورَةُ بَدْرٍ قالَ: قُلتُ: فَالْحَشْرُ؟ قالَ: نَزَلَتْ في بَنِي النَّضِيرِ"[١٢]، وسمِّيت سورة البدر لأنَّها سردتْ أحداث موقعة بدر الكبرى، ومن أسماء سورة الأنفال أيضًا سورة الجهاد، والله تعالى أعلم.[١٣]

أحاديث وردت فيها سورة الأنفال

في ختام ما وردَ من مقاصد سورة الأنفال وسبب نزولها وأسمائها، وردتْ سورة الأنفال في أحاديث عدة في السنة النبوية، منها ما صحَّ ومنها ما حسن، ولا شكَّ أنَّ ذكر سورة الأنفال في السنة دليلٌ على فضلها وأهميتها، ويكون التفصيل في الفضل والأهمية واضحًا في نصِّ كلِّ حديث نبوي وردتْ فيه، وفيما يأتي بعض الأحاديث التي جاء فيها ذكر سورة الأنفال:[١٤]

  • سُئل عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- عن سورة الأنفال فقال: "فينا مَعشَرَ أصحابِ بَدرٍ نَزَلَتْ حين اختَلَفْنا في النَّفَلِ، وساءتْ فيه أخلاقُنا، فنَزَعَه اللهُ مِن أيدينا، فجَعَلَه إلى رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- فقَسَمَه رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- فينا عن بَواءٍ، يقولُ: على السَّواءِ"[١٥]
  • عن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- قال: "خرَجنا معَ النَّبيِّ فشَهِدْتُ معَهُ بدرًا، فالتَقى النَّاسُ، فَهَزمَ اللَّهُ العدوَّ، فانطَلقَت طائفةٌ في آثارِهِم يُطارِدون ويقتُلونَ، وأَكَبَّت طائفةٌ علَى المغنَم يحوزونَهُ ويجمعونَهُ، وأحدَقَت طائفةٌ برسولِ اللَّهِ لا يُصيبُ العدوُّ منهُ غِرَّةً، حتَّى إذا كانَ اللَّيلُ وفاءَ النَّاسُ بعضُهُم إلى بعضٍ قالَ الَّذينَ جمعوا الغَنائمَ نحنُ حَويناها وليس لأحَدٍ فيها نصيبٌ، وقالَ الَّذينَ خرَجوا في طَلَب العدُوِّ لستُم أحقَّ بِها منَّا نحنُ نَحَّينا منها العدوَّ وَهَزمناهُ، وقالَ الَّذينَ أحدَقوا برسولِ اللَّهِ خِفنا أن يصيبَ العدوُّ منهُ غرَّةً فاشتَغلنا به، فأنزلَ اللَّهُ: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[١]"[١٦].
  • عن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- أنَّه قال: "يا رسولَ اللهِ قد شفاني اللهُ من المشركينَ فهبْ لي هذا السيفَ، قال: إنَّ هذا السيفَ ليس لكَ ولا لي، ضَعْهُ، قال: فوضعتُهُ ثمَّ رَجَعتُ، قلتُ: عَسى أن يُعْطَى هذا السيفَ اليومَ منْ لمْ يُبلِ بلائي، قال: إذا رجلٌ يدعوني من ورائي قال: قلتُ قد أُنزلَ فيَّ شيءٌ، قال: كنتَ سألتني السيفَ وليس هو لي وإنه قد وُهبَ لي فهو لكَ، قال: وأُنزلتِ هذه الآيةُ: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُول}[١]"[١٧].

المراجع

  1. ^ أ ب ت ث سورة الأنفال، آية: 1.
  2. سورة الأنفال، آية: 65.
  3. سورة الأنفال، آية: 66.
  4. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 4653، صحيح.
  5. سورة الأنفال، آية: 5-6.
  6. رواه أحمد شاكر، في عمدة التفسير، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 2/102، أشار في المقدمة إلى صحته.
  7. "سورة الأنفال"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 24-06-2019. بتصرّف.
  8. سورة الأنفال، آية: 22-23.
  9. ^ أ ب ت "مقاصد سورة الأنفال"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-06-2019. بتصرّف.
  10. سورة الأنفال، آية: 24.
  11. سورة الأنفال، آية: 75.
  12. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن سعيد بن جبير، الصفحة أو الرقم: 3031، صحيح.
  13. "مقاصد سورة الأنفال"، www.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-06-2019. بتصرّف.
  14. "فصل في تخريج الأحاديث الواردة في السورة الكريمة"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 24-06-2019. بتصرّف.
  15. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن عبادة بن الصامت، الصفحة أو الرقم: 22753، حسن لغيره.
  16. رواه الألباني، في فقه السيرة، عن عبادة بن الصامت، الصفحة أو الرقم: 234، صحيح.
  17. رواه أحمد شاكر، في مسند أحمد، عن سعد بن أبي وقاص، الصفحة أو الرقم: 3/69، إسناده صحيح.
5732 مشاهدة
للأعلى للسفل
×