محتويات
علم مقاصد السور
يُعرَّف علم مقاصد السور بأنَّه علم إسلامي قائم على رصد معاني السور القرآنية وتحديد أغراضها الأساسية وفهم الموضوعات التي تناولتها آيات هذه السور، وتوجد أسماء أخرى لهذا العلم، فيُسمَّى مغزى السورة أو مضمون السورة أو غرض السورة القرآنية، كلُّ هذه المصطلحات تفضي إلى علم مقاصد السور ذاته، ولهذا العلم أهمية بالغة فهو يساعد على فهم مغزى السور القرآنية وبالتالي فهم الأحكام والتشريعات الإسلامية، فهو يحقق الغاية المثلى وهي تعلُّم القرآن وتدبُّره، وفيما يأتي من هذا المقال سيتم تسليط الضوء على مقاصد سورة البلد بالتفصيل.
سورة البلد
سورة البلد سورة مكية، جاء الأمر الإلهي للوحي جبريل -عليه السَّلام- أنَّ ينزل بها على رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- في مكة المكرمة، وهي سورة من سور المفصل، يبلغ عدد آياتها عشرين آية، وهي السورة التسعون في ترتيب سور المصحف الشريف حيث تقع في الجزء الثلاثين والحزب الستين، نزلتْ سورة البلد بعد سورة ق وقبل سورة الطارق وقد بدأها الله تعالى بقَسَمٍ شأنها شأن كثير من سور الكتاب، قال تعالى في سورة البلد: {لَا أُقْسِمُ بِهَٰذَا الْبَلَدِ}[١]، يبلغُ عدد حروف سورة البلد ثلاثمئة وإحدى وخمسين حرفًا، وقد سُمّيت بسورة البلد لأنَّها استُهلَّتْ بالقسم بالبلد والبلد هي مكة المكرمة كما قال أهل التفسير، كما تُسمَّى سورة البلد أيضًا بسورة العقبة، فقد قال تعالى فيها: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ}[٢]، كما أنَّ بعض أهل العلم والتفسير أطلقوا على سورة البلد اسم سورة "لا أقسم"، ولأنَّها سورة مكية فقد كان من أهدافها تثبيت العقيدة في قلوب المسلمين، فقد ركَّزت هذه السورة المباركة على تثبيت إيمان المسلمين بيوم الحساب، يوم البعث وميَّزت مصائر الناس يوم الحساب، والله تعالى أعلم.[٣]
سبب نزول سورة البلد
تنوَّعتْ أسباب نزول سورة البلد، وإنَّما ذكر هذه الأسباب مدخل حسَنٌ للحديث عن مقاصد سورة البلد، وإنَّما هذا التنوُّع في النزول جاء لاختلاف نزول آيات هذه السورة، فآياتها نزلت في مواقف متعددة، فقوله تعالى في سورة البلد: {أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ}[٤]، نزلتْ هذه الآية في أبيّ الأشدّ بن كلدة الجُمَحيّ، وكان أبيّ هذا مغرورًا شديد الكبر بقوة جسده، فأنزل الله تعالى هذه السورة فيه، أمَّا قوله تعالى: {يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُّبَدًا}[٥]، قال مقاتل في سبب نزولها: "نزلتْ في الحارث بن عامر بن نوفل، أذنب فاستفْتَى النَّبيَّ فأمره أنْ يُكَفِّر، فقال: لقد ذهبَ مالي في الكفّارات والنَّفقات، منذ دخلتُ في دينِ محمد"، وفيه نزلت هذه الآية، والله تعالى أعلم.[٦]
مقاصد سورة البلد
تتألف سورة البلد من عشرين آية فقط، وهي من سور المفصل، ومقاصد سورة البلد تتسلسلُ وفقًا لتسلسل الآيات، وقد تطرَّقت هذه السورة إلى غير موضوع واحد في محكم آياتها، وفيما يأتي مقاصد سورة البلد كما جاءت في آياتها العشرين:[٧]
- مقاصد سورة البلد من الآية 1 حتَّى 10: أقسم الله تعالى بالبلد، والبلد هي مكة المكرمة، ثمَّ أقسم بآدم وذريته كاملة، أنَّه خلق الإنسان في تعب ومشقَّة، فهل يظنُّ الإنسان المخلوق من تعب ومشقة أنَّه غالب ولن يغلبه أحد، فيستكبر على ما أنفق من ماله ويحسبه كبيرًا، كلُّ هذا قليل أمام خلق الله تعالى فقد جعل له عينين ولسانًا وشفتين وبيَّن له طريق الخير والشر أيضًا، قال تعالى: {أُقْسِمُ بِهَٰذَا الْبَلَدِ * وَأَنتَ حِلٌّ بِهَٰذَا الْبَلَدِ * وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ * لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ * أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ * يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُّبَدًا * أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ * أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ}[٨].
- مقاصد سورة البلد من الآية 11 حتَّى 20: يقول تعالى: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ}[٩]، العقبة هي مجاهدة النفس في سبيل فعل الخيرات، والعقبة فكُ رقبة أي الإنفاق في سبيل الله تعالى في سبيل عتق الرقِّ والعبيد، والعقبة هي إطعام المساكين والأيتام وقت الجوع والشدائد فالآيات تدعو إلى البذل والعطاء في سبيل الله دون تقتير أو ندم، قال تعالى: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ * أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةٌ}[١٠]، والآيات هذه تشير إلى أنَّه من بذل وأنفق في سبيل الله دون ندم أو بخل أو شحٍّ، فهو من الذين آمنوا وتواصوا مع بعضهم بالرحمة، هؤلاء هم أصحاب الجنة والفلاح، ومن كفر فهم أصحاب النار التي ستقفل عليهم ويخلدون فيها أبدًا، والله تعالى أعلم.
تفسير وهديناه النجدين
قال تعالى في سورة البلد: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ}[١١]، وقد اجتهد أهل العلم في تفسير معنى النجدين في الآية الكريمة، فعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنه-: وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ، يقول: الهدى والضلالة، وروى أبو أمامة الباهلي -رضي الله عنه- إنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: "يا أيُّها النَّاسُ هلُمُّوا إلى ربِّكم، فإنَّ ما قلَّ وكفَى خيرٌ ممَّا كثُر وألهَى، يا أيُّها النَّاسُ إنَّما هما نجْدان: نجْدُ خيرٍ ونجدُ شرٍّ، فما جعَل نجْدَ الشَّرِّ أحبَّ إليكم من نجْدِ الخير؟"[١٢]، وقال آخرون من علماء التفسير: "وهديناه الثَّديين: سبيلي اللبن الذي يتغذّى به، وينبت عليه لحمه وجسمه"، أي النجدين هما الثديان اللذان يتغذى منهما الإنسان في فترة رضاعه، والله تعالى أعلم.[١٣]
المراجع
- ↑ سورة البلد، آية: 1.
- ↑ سورة البلد، آية: 11-12.
- ↑ "كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 22-06-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة البلد، آية: 5.
- ↑ سورة البلد، آية: 6.
- ↑ "سورة البلد"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 22-06-2019. بتصرّف.
- ↑ "تفسير سورة البلد"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 22-06-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة البلد، آية: 1-10.
- ↑ سورة البلد، آية: 11-16.
- ↑ سورة البلد، آية: 17-20.
- ↑ سورة البلد، آية: 10.
- ↑ رواه المنذري، في الترغيب والترهيب، عن أبي أمامة الباهلي، الصفحة أو الرقم: 4/155، إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما.
- ↑ "تفسير سورة البلد"، www.quran.ksu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 22-06-2019. بتصرّف.