محتويات
- ١ ما المقاصد التي أشارت إليها سورة الحج؟
- ١.١ خطاب الناس وأمرهم بالتقوى
- ١.٢ التوحيد ونفي الشرك
- ١.٣ إقامة الأدلة على توحيد الله
- ١.٤ إنكار جدال المشركين في الوحدانية والبعث
- ١.٥ بيان آيات قدرة الله في الأرض
- ١.٦ التذكير بمصير الأمم البائدة
- ١.٧ الإشارة إلى منافع الحج وفضله
- ١.٨ جواز قتال المشركين لإعلاء شوكة المسلمين
- ١.٩ إثبات البعث
- ١.١٠ الإشارة إلى جزاء الآخرة
- ٢ التعريف بسورة الحج
ما المقاصد التي أشارت إليها سورة الحج؟
مقاصد سورة الحج عبارة عن تأملات في مضامين سورة الحج، أو جواباً على سؤال: بماذا تميزت سورة الحج؟ والأحكام الفقهية في سورة الحج وحدها تحتاج إلى بحث مستقل، وسيتم ذكر أهم المقاصد في سورة الحج فيما يأتي:
خطاب الناس وأمرهم بالتقوى
ابتدأ الخطاب بأداة النداء (يا) والتي تصلح للقريب والبعيد، والناس كذلك منهم القريب من الله -تعالى- ومنهم البعيد، ثم أمر الله -تعالى- الناس بالتقوى لكي يقترب البعيد ويزداد القريب قرباً، والتقوى تتضمن الأمر بالواجب والحث عليه والتحذير من تركه، والنهي عن المحرم والأمر باجتنابه، والخطاب بالتقوى يتضمن التخويف من الله -تعالى- وعقابه؛ لأن الاتقاء اجتناب؛ والاجتناب يترتب عليه عدم العقاب.[١]
والآيات التي أشارت لهذا المقصد:
- قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ).[٢]
- قوله -تعالى-: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّـهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ).[٣]
- قوله -تعالى-: (لَن يَنَالَ اللَّـهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَـكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّـهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ).[٤]
التوحيد ونفي الشرك
سورة الحج كغيرها من السور المكية تركز على مسائل الشرك بالله -تعالى-، وأحوال المشركين وأفعالهم، وتثبيت التوحيد في نفوس المسلمين الجدد وإدخال غيرهم في الإسلام، وحظ السورة من هذا المقصد كبير؛ لأنّ المراد في هذه الحقبة من تاريخ الدعوة التركيز على وحدانية الله تعالى وبيان زيف عبادة الأصنام.[٥]
والآيات التي صرحت بهذين المفهومين هي:
- قوله -تعالى-: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّـهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ).[٦]
- قوله -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّـهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّـهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ* أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّـهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّـهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّـهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ).[٧]
- قوله -تعالى-: (حُنَفَاءَ لِلَّـهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّـهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ).[٨]
- قوله -تعالى-: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّـهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّـهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ).[٩]
- قوله -تعالى-: (وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُم بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ).[١٠]
إقامة الأدلة على توحيد الله
يحتاج الإنسان لدليل يهديه إلى الحق، وقد ضرب الله من الأمثلة الدالّة على وجوده، وأعطى من الأدلّة ما يكفي للإيمان، قال ابن عاشور: "فإنا نزيل ريبكم بهذه الأدلة الساطعة، فالناس بعد ذلك فريقان؛ فريق يوقن بهذه الدلالة، فلا يبقى في ريب، وفريق من الناس يجادل في الله بغير علم، وهؤلاء هم أئمة الشرك، وزعماء الباطل".[١١]
وإن في سورة الحجّ كثير من أدلة توحيد الله، ومنها:
- قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ* ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّـهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّـهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ).[١٢]
- قوله -تعالى-: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَـكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ).[١٣]
- (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّـهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّـهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّـهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّـهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ* أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّـهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّـهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ* لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّـهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ* أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّـهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّـهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ).[١٤]
إنكار جدال المشركين في الوحدانية والبعث
قدّم الله -تعالى- الأدلة على وجوده، لكن بعض الناس يسارع إلى الجدل والمماراة بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير، وإنما يستعمل في حججه سلاطة لسانه، أو المتوارث عن الآباء والأجداد، فأنكر الله -تعالى- على هؤلاء المجادلين؛ لأنهم لم يكتفوا بالكفر، بل زادوا معه الجدل المؤدي إلى الصدّ عن سبيل الله -تعالى-، وهكذا اجتمع عليهم ضلال وجدال.[١٥]
وفي سورة الحج أمثلة على ذلك:
- قوله -تعالى-: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّـهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ).[١٦]
- قوله -تعالى-: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّـهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ).[١٧]
- قوله -تعالى-: (هَـذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ* يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ* وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ).[١٨]
- قوله -تعالى-: (وَإِن جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّـهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ).[١٩]
بيان آيات قدرة الله في الأرض
بينت الآيات عجائب قدرة الله -تعالى- وأنها كثيرة ومشاهدة لا يمكن نكرانها، ومنها أنه ينبت النبات بعد أن يسقيه بالماء الهاطل من السماء، لتحيا الأرض، ويستمتع بها الرائي، ويسرح فيها الراعي، ويأكل الخلق من جناها، وذلك دليل على الخالق البارئ.[٢٠]
وذكر الله تعالى بعض الآيات التي تصف قدرته في الأرض، ومنها: قوله -تعالى-: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّـهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّـهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ* لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّـهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ* أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّـهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّـهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ* وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنسَانَ لَكَفُورٌ).[٢١]
التذكير بمصير الأمم البائدة
يبين الله -تعالى- لرسوله -صلى الله عليه وسلم- ويُذكر المشركين المكذبين لدعوته بأنّ هذا الحدث يتكرر على مرّ الزمان، فالله -تعالى- يرسل الأنبياء على مرّ العصور، ومن الناس من كذبهم ليأتي العذاب من الله تعالى نصرة لنبيه، وتأديباً للمخالفين لنهجه -تعالى-.[٢٢]
وقد جاءت بعض الآيات في سورة الحج تبين هذا المقصد:
- قوله -تعالى-: (وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ* وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ* وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ* فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ).[٢٣]
- قوله -تعالى-: (وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ).[٢٤]
- قوله -تعالى-: (فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ* أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَـكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ).[٢٥]
الإشارة إلى منافع الحج وفضله
مما تميزت به عبادة الحج عن غيرها من العبادات أنّها جمعت بين منافع الدنيا ومنافع الآخرة، أما منافع الآخرة فالعبادة والتقرب إلى الله تعالى ومغفرة الذنوب، وأما منافع الدنيا فتكون في الأسواق التجارية، وما فيها من المرابحة ومقايضة السلع، ليحصل النفع ويعود بالخير على المسلمين.[٢٦]
والآية الدالة على ذلك هي قوله -تعالى-: (لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّـهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ).[٢٧]
جواز قتال المشركين لإعلاء شوكة المسلمين
في بداية الدعوة منع الله -تعالى- المؤمنين من القتال، وأمرهم بكفّ أيديهم عمن يقاتلهم، ولم يأذن لهم بقتال من يعتدي عليهم بالقتل والسلب والتهجير، على الرغم من كثرة ما وقع عليهم من التنكيل، حتى نزلت آيات سورة الحج تأذن لهم بقتال من قاتلهم.[٢٨]
والآيات التي حثت على قتال المشركين في سورة الحج، هي:
- قوله -تعالى-: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّـهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ* الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّـهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّـهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّـهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّـهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّـهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).[٢٩]
- قوله -تعالى-: (وَجَاهِدُوا فِي اللَّـهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَـذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّـهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ).[٣٠]
إثبات البعث
من أهم المقاصد في سورة الحج؛ الدعوة إلى الإيمان بالبعث والنشور، فمسألة إنكار البعث قديمة حديثة، وقد لا يؤمن بالبعث والنشور من يؤمن بالله رباً، وبقياسات العقل المحدود تزين له النفس استحالة البعث، فضرب الله له مثلاً يُذكّر الإنسان بنشأته، كيف كان من العدم ثم انتقل إلى الحياة، وذكر الله تعالى في هذه الآيات مراحل تطور الإنسان في رحم أمه حتى الولادة، ليجعله يقيس خلقه الأول على خلقه الآخر.[٣١]
وذلك في قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ).[٣٢]
الإشارة إلى جزاء الآخرة
الله عدل كتب على نفسه أن من أطاعه واتبع هداه ونَهَجَ النهج المستقيم الذي أراده لعباده؛ فإن له نعيم مقيم، وجنات وأنهاراً، ويدخله الله في رضوان لا ينفد أبداً، ومن عصاه وانحرف عن الصراط وضلّ؛ فالنار مثواه، ويجعله حطب جهنم، فعدل الله يقضي أن يكون الجزاء من جنس العمل.[٣٣]
وهذا المقصد والمعنى قررته سورة الحج في هذه الآيات:
- قوله -تعالى-: (إِنَّ اللَّـهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ إِنَّ اللَّـهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ).[٣٤]
- قوله -تعالى-: (هَـذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ* يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ* وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ* كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ* إِنَّ اللَّـهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ* وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ).[٣٥]
- قوله -تعالى-: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُولَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ).[٣٦]
التعريف بسورة الحج
سورة الحج سورة مكية بالاتفاق، إلا ست آيات منها، فهي مدنية من قوله تعالى: (هَـذَانِ خَصْمَانِ)[٣٧] إلى قوله: (صِرَاطِ الْحَمِيدِ)،[٣٨] وعدد آياتها ثمان وسبعون، وكلماتها ألفان ومئتان وإحدى وتسعون كلمة، وقد سميت بسورة الحج؛ لاشتمالها على مناسك الحج، وتعظيم الشعائر، والحديث عن آذان سيدنا إبراهيم للناس بالحج.[٣٩]
وليس لسورة الحج سبب نزول واحد، وإنّما ورد سبب نزول محدد لبعض آياتها:[٤٠]
- قوله -تعالى-: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ..)،[٤١] وسبب نزولها أنه: (كَانَ الرَّجُلُ يَقْدَمُ المَدِينَةَ، فَإِنْ وَلَدَتِ امْرَأَتُهُ غُلَامًا، وَنُتِجَتْ خَيْلُهُ، قَالَ: هَذَا دِينٌ صَالِحٌ، وَإِنْ لَمْ تَلِدِ امْرَأَتُهُ وَلَمْ تُنْتَجْ خَيْلُهُ، قَالَ: هَذَا دِينُ سُوءٍ)،[٤٢] وقيل: غير ذلك.
- قوله -تعالى-: (هَـذَانِ خَصْمَانِ..)،[٣٧](نَزَلَتْ فِي حَمْزَةَ وَصَاحِبَيْهِ وَعُتْبَةَ وَصَاحِبَيْهِ، يَوْمَ بَرَزُوا فِي يَوْمِ بَدْرٍ).[٤٣]
ملخّص: تحدث المقال عن سورة الحج ومقاصدها، مثل: الإشارة إلى منافع الحج وفضله وأمرهم بالتقوى، وبيان التوحيد ونفي الشرك، وإقامة الأدلة على توحيد الله، وبيان آيات قدرة الله في الأرض، وإثبات البعث والإشارة إلى جزاء الآخرة، وكذلك التذكير بمصير الأمم البائدة.
المراجع
- ↑ الفخر الرازي (1420)، مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير (تفسير الرازي) (الطبعة 3)، بيروت:دار إحياء التراث العربي، صفحة 199، جزء 23. بتصرّف.
- ↑ سورة الحج، آية:1
- ↑ سورة الحج، آية:22
- ↑ سورة الحج، آية:37
- ↑ عبدالله شحاته (1976)، أهداف كل سورة ومقاصدها في القرآن الكريم، مصر:لنشر/ الهيئة المصرية العامة للكتاب، صفحة 243. بتصرّف.
- ↑ سورة الحج، آية:11
- ↑ سورة الحج، آية:17-18
- ↑ سورة الحج، آية:31
- ↑ سورة الحج، آية:62
- ↑ سورة الحج، آية:71
- ↑ الطاهر ابن عاشور (1984)، التحرير والتنوير، تونس:الدار التونسية للنشر ، صفحة 206، جزء 17. بتصرّف.
- ↑ سورة الحج، آية:5-7
- ↑ سورة الحج، آية:46
- ↑ سورة الحج، آية:61-65
- ↑ الحجازي، محمد محمود (1413)، التفسير الواضح (الطبعة 10)، بيروت:دار الجيل الجديد، صفحة 51، جزء 3.
- ↑ سورة الحج، آية:3
- ↑ سورة الحج، آية:8
- ↑ سورة الحج، آية:19-21
- ↑ سورة الحج، آية:68
- ↑ سيد الطنطاوي (1997)، التفسير الوسيط للقرآن الكريم (الطبعة 1)، القاهرة:دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، صفحة 335، جزء 9. بتصرّف.
- ↑ سورة الحج، آية:63-66
- ↑ د وهبة بن مصطفى الزحيلي (1418)، التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج، دمشق:دار الفكر المعاصر، صفحة 236، جزء 17. بتصرّف.
- ↑ سورة الحج، آية:42-45
- ↑ سورة الحج، آية:48
- ↑ سورة الحج، آية:45-46
- ↑ صديق خان (1412)، فتحُ البيان في مقاصد القرآن، صيدا:المكتبة العصرية، صفحة 41، جزء 9. بتصرّف.
- ↑ سورة الحج، آية:28
- ↑ أبو منصور الماتريدي (1436)، تفسير الماتريدي، بيروت:دار الكتب العلمية ، صفحة 64، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ سورة الحج، آية:39-40
- ↑ سورة الحج، آية:78
- ↑ عبد الكريم يونس الخطيب، التفسير القرآني للقرآن، القاهرة:دار الفكر العربي، صفحة 975، جزء 9. بتصرّف.
- ↑ سورة الحج، آية:5
- ↑ مكي ابن أبي طالب (1429)، الهداية إلى بلوغ النهاية (الطبعة 1)، صفحة 6894، جزء 11. بتصرّف.
- ↑ سورة الحج، آية:14
- ↑ سورة الحج، آية:19-24
- ↑ سورة الحج، آية:57
- ^ أ ب سورة الحج، آية:19
- ↑ سورة الحج، آية:24
- ↑ الفيروزآبادي (1393)، بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز، القاهرة:لجنة إحياء التراث الإسلامي، صفحة 323. بتصرّف.
- ↑ السيوطي (1245)، لباب النقول في أسباب النزول، بيروت لبنان:دار الكتب العلمية، صفحة 134. بتصرّف.
- ↑ سورة الحج، آية:11
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن ابن عباس، الصفحة أو الرقم:4742 ، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي ذر، الصفحة أو الرقم:4743، صحيح.