محتويات
سورة الذاريات
سورة الذاريات إحدى سور القرآن الكريم المكية، أي التي نزلَت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مكة المكرمة، أو بتعريفٍ آخر هي التي نزلَت عليه بعد الهجرة إلى المدينة، تقع سورة الذاريات في الحزب الثالث والخمسين وفي الجزء السابع والعشرين، رقمُ ترتيبها في المصحف الشريف واحد وخمسون وعدد آياتها ستون آية، سمِّيَت سورة الذاريات بهذا الاسم لأنَّ الله أقسم في بدايتها بالذاريات، قال تعالى: {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا}،[١]والذاريات هي الريح التي تعصفُ عصفًا، وفي هذا المقال سيدور الحديث حول سبب نزول سورة الذاريات ومقاصد سورة الذاريات.[٢]
سبب نزول سورة الذاريات
قبل أن يُشار إلى مقاصد سورة الذاريات لا بدَّ من العروج على ما وردَ في كتب التفاسير في أسباب نزول سورة الذاريات، حيثُ وردَ لمعظم سور القرآن الكريم أسباب نزول اختلفَت بين سورةٍ وأخرى، وهذا يعودُ إلى الموقف الذي استدعى نزول السورة أو الأحكام التي أراد الله تعالى أن يبلِّغها لعباده المؤمنين، ولذلك كانت تنزل سور القرآن الكريم بأوامر إلهيَّة أو نواهي عن أمور لا يرضاها الله تعالى، ورغم ذلك فهناك العديد السور التي لم يرد لها أسباب نزول، وقد وردَ فيما يتعلَّق بأسباب نزول سورة الذاريات حديثٌ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفسِّرُ سبب نزول السورة، وروى هذا الحديث الحسنُ بن محمد بن الحنفية حيثُ قال: "أنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- بعثَ سَريةً فأصابُوا وغنموا، فجاء قوم بعدما فرغوا، فنزلَ قولُهُ تعالى: "وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ"،[٣]حيثُ جعلَت هذه الآية في الأموال حقوقًا غير الزكاة يدفعها الأغنياء للفقراء، والله أعلم.[٤]
مقاصد سورة الذاريات
تبدأ سورة الذاريات مشيرةً ببديع كلام الله تعالى إلى بديعِ صنعه وخلقه، فيقسمُ الله بالرياح والسحب وغيرها دلالةً على عظَمِ هذه الآيات التي صنعها الله تعالى، قال تعالى: {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا * فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا * فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا * فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا}،[٥]وتعرِّجُ الآيات بعد ذلك على أنَّ الكفَّار لن يكونَ لهم استقرارٌ ولا ثباتٌ، فهم في حيرتهم يتقلَّبون بين الكذب والأباطيل، وأخبرهم الله أنَّ العذاب سيأتيهم لا محالة، قال تعالى: {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ * يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ * يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ * ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَٰذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ}،[٦]وأنَّهم سينالون جزاءهم بنار جهنَّم التي كانوا يكِّبونَ بوجودها في حياتهم الدنيا.[٧]
ومن مقاصد سورة الذاريات أيضًا أنَّها تصفُ المؤمنين الذين يداومون على ذكر الله تعالى ولا يغفلونَ عنه، وتعدِّد الآيات بعض صور الإحسان الذي يقومون به، قال تعالى: {كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}،[٨]وتدعو السورة المسلمين إلى النظر في الأرض وما فيها من آيات وفي النفس وما فيها من أسرار، وكلُّ ذلك أدلة على قدرة الله -جلّ وعلا-، قال جلَّ من قائل: {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَ}،[٩]وتشيرُ بعد ذلك إلى جانب من قصةِ نبي الله إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- وقصَّة نبي الله موسى -عليه الصلاة والسلام- معَ فرعون وبني إسرائيل، وتذكرُ حادثة غرق فرعون وجنوده في البحر، قال تعالى: {وَفِي مُوسَىٰ إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ * فَتَوَلَّىٰ بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ * فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ}،[١٠]وتتحدُّث عن قوم عاد وثمود وعن أحد جوانب قصة نبيِّ الله نوح -عليه السلام-.[٧]
ومن مقاصد سورة الذاريات أنَّها في نهاية الآيات تشيرُ إلى تكذيبِ كفار مكة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتأمر النبيَّ أن لا يلتفتَ إلى أقوالهم وأفعالهم ويُعرضَ عنهم بالكلية، قال تعالى: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنتَ بِمَلُومٍ * وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}،[١١]وفي النهاية توضِّحُ الغاية من خلقِ الإنسان والجان، وترسلُ تهديدًا ووعيدًا من الله تعالى للكافرين بعذابٍ مثل الذين هلكوا قبلهم وذاقوا وبال أمرهم وكانت عاقبتهم الخسران.[٧]
فضل سورة الذاريات
بعد مقاصد سورة الذاريات سيُلقى الضوء على فضل هذه السورة، فمن فضل الله تعالى على عباده المسلمين أنَّه جعلَ في جميع سور القرآن الكريم فضل عظيم، ففي قراءة كل حرفٍ من القرآن يؤجرُ المسلم وينالُ ثوابه من الله تعالى ويضاعفه له أضعافًا كثيرة، وبالإضافة إلى ذاك فقد وردَ في كثير من الأحاديث الصحيحة وغير الصحيحة ما يخصُّ بعض سور القرآن الكريم بفضل معيَّن، مثل سورة الذاريات التي وردَ فيها حديث عن البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: "كان رسولُ اللهِ -صلَّى الله عليه وسلَّم- يُصلَّي بنا الظهرَ فنسمعُ منهُ الآيةَ بعد الآياتٍ من سورَةِ لُقْمانَ والذارياتِ"،[١٢]وهذا الحديث إشارةٌ جليَّةٌ واضحةٌ إلى عظيم فضل سورة الذاريات لأنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ بها في صلاة الظهر، وفعله وحيٌ من الله وهديٌ رشيدٌ يجبُ على المسلمين الاقتداء به -عليه الصلاة والسلام-.[١٣]
في المال حق سوى الزكاة
قد يظنُّ بعض المسلمين من الذين أنعم الله عليهم بالمال الوفير أنَّهم إذا دفعوا زكاة أموالهم للفقراء فقد أصبحوا معفيين من المطالبة بدفع الصدقات وغيرها، وهذا ما أكَّد عكسَه تمامًا -سبحانه وتعالى- في القرآن الكريم، فهناك قاعدة عامَّة في الإسلام تجعلُ من المسلمين يدًا واحدةً في السراء والضراء، وتحثُّ المسلمين على التعاضد والتكاتف وبذل المال للفقير في غير باب الزكاة المفروضة.[١٤]
في الماء حقٌّ سوى الزكاة، وقد ورد في الحديث عن فاطمة بنت قيس -رضي الله عنها- أنَّها قالت: "سألتُ النبيَّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- أو قالت: سُئِل عن هذه الآيةِ: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ} قال: إنَّ في هذا المالِ حقًّا سِوَى الزكاةِ، وتلا هذه الآية: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ}"،[١٥]وهذا ما أكَّده الله تعالى أيضًا في سورة الذاريات عندما قال جلَّ من قائل: {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}،[١٦]وما ذلك إلا رحمة منه بعباده المسلمين، فعندما يدفع الأغنياء من أموالهم للفقراء يباركُ الله لهم فيها ويجزيهم جناتٍ تجري من تحتها الأنهار ويكفي الفقراء مذلَّة السؤال وآلام الجوع والعوز.[١٤]
المراجع
- ↑ سورة الذاريات، آية: 1.
- ↑ "سورة الذاريات"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 26-06-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة الذاريات، آية: 19.
- ↑ "لباب النقول في أسباب النزول"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 26-06-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة الذاريات، آية: 1-4.
- ↑ سورة الذاريات، آية: 10-14.
- ^ أ ب ت "تفسير سورة الذاريات للناشئين (الآيات 1 - 60)"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 26-06-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة الذاريات، آية: 17-19.
- ↑ سورة الذاريات، آية: 20-21.
- ↑ سورة الذاريات ، آية: 38-40.
- ↑ سورة الذاريات، آية: 54-55.
- ↑ رواه النووي، في المجموع، عن البراء بن عازب، الصفحة أو الرقم: 3/382، إسناده حسن.
- ↑ "السرعة والطمأنينة في الصلاة"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 26-06-2019.
- ^ أ ب "هل في المال حق سوى الزكاة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 26-06-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه البيهقي، في السنن الكبرى للبيهقي، عن فاطمة بنت قيس، الصفحة أو الرقم: 4/84، فيه أبو حمزة ميمون الأعور مجروح كما قاله أحمد بن حنبل ويحيى بن معين.
- ↑ سورة الذاريات، آية: 19.