مقاصد سورة الزلزلة

كتابة:
مقاصد سورة الزلزلة

سورة الزلزلة

تعدُّ سورة الزلزلة من السور المدنية، والسور المدنية هي السور القرآنية التي نزلتْ على رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- في المدينة المنورة، وتعتبر سورة الزلزلة من سور المفصل، ويبلغ عدد آياتها ثماني آيات، وهي السورة التاسعة والتسعون في ترتيب المصحف الشريف، حيث تقع في الجزء الثلاثين والحزب الستين، وجدير بالذكر أيضًا إنَّ سورة الزلزلة نزلت بعد سورة النساء، وقد بدأت هذه السورة بأسلوب شرط، قال تعالى: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا}[١]، وهي سورة لم يذكر فيها اسم الجلالة، وهذا المقال سيتحدَّث عن مقاصد سورة الزلزلة وأسباب نزولها وفضلها وسبب تسميتها.

سبب نزول سورة الزلزلة

تمهيدًا للدخول في مقاصد سورة الزلزلة، جدير بالذكر إنَّ سورة الزلزلة واحدة من السور التي جاء في حادثة نزولها حديث شريف، فأسباب نزول الآيات والسور مختلفة باختلاف الزمان والحادثة التي نزلتْ هذه السورة بسببها، أمَّا سورة الزلزلة فقد جاء فيها حديث رجاله رجال الصحيح وهو ما رواه عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- حيث قال: "نَزَلَتْ إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا وأبو بكرٍ الصديقُ -رضِيَ اللهُ عنه- قاعِدٌ فَبَكَى أبو بكرٍ، فقال له رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: ما يُبْكِيكَ يا أبا بكرٍ؟ فقال: أبكَتْنِي هذِهِ السورةُ، فقالَ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم-: لو أنَّكُمْ لا تُخْطِئونَ ولا تُذْنِبونَ لخلَقَ اللهُ تعالى أُمَّةً من بعدِكم يُخْطِئُونَ ويُذْنِبونَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ"[٢].[٣]

ومن أسباب نزول سورة الزلزلة أيضًا، إنَّ المشركين كانوا كثيري السؤال عن يوم القيامة، قال تعالى: {وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}[٤]، فأنزل الله تعالى سورة الزلزلة التي حملت علامات يوم القيامة، قال تعالى: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا * يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ}[٥]، وعن التابعي سعيد بن جبير قال: "لمَّا نزلت: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا }[٦]، كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ لَا يُؤجَرون عَلَى الشَّيْءِ الْقَلِيلِ الَّذِي أَعْطَوْهُ، وكان آخرون يرونَ أنهم لا يُلامون على الذَّنبِ اليسير: الكذبة والنظرة والغيبة وأشباه ذلك، ويقولون: إنَّما أوعدَ الله النَّارَ على الكبائر، فأنزل الله سبحانه: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}[٧]، والله تعالى أعلم.[٨]

مقاصد سورة الزلزلة

ترتبط مقاصد سورة الزلزلة باسمها، فالزلزلة هو اسم من أسماء يوم القيامة، وآيات سورة الزلزلة تسرد بعض علامات يوم القيامة؛ فهي تبدأ بأسلوب شرط يمهد لاستقبال مقاصد سورة الزلزلة، حيث يقول الله تعالى في مطلعها: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا}[١]، يقول عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- في شرح الآية الأولى: "أي تحرَّكتْ من أسفلها"، وبشكل عام إنَّ أسلوب الشرط في هذه الآية فتح المجال أمام مقاصد سورة الزلزلة والتي هي علامات الساعة، ويقول الله -تبارك وتعالى- في الآيات اللاحقة: {وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا * يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ}[٩]، هذه الآيات تشرح علامات قيام الساعة، فأن تخرج أثقالها أي أن تخرج ما فيها من الأموات منذ عهد آدم حتَّى قيامة الساعة، واستنكار الإنسان من حال الأرض أمر طبيعي، فالتغيير الذي حدث تغيير لا يمكن أن يتصوره العقل البشري، وهذه الآية تدل على أنَّ من علامات الساعة خلل كبير في النظام الكوني، فيومئذ تخبر الأرض عمَّا فعل الناس فوقها، وهذا وحي من الله تعالى لها، وفي يوم الحساب يخرج الناس للحساب دون فرق في اللون أو العرق أو الشكل أو المظهر، فجميعهم سواسية أمام ربِّ السماوات والأرض، ويومئذ يجزى كلِّ امرئ بما كسب، وهذه المقصد الرئيس من مقاصد سورة الزلزلة، ثمَ يختمُ الله -عزَّ وجلَّ- هذه السورة المباركة بقوله: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}[١٠]، أي إنَّ كلَّ إنسان يُجزى بما كسب، قال تعالى: {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}[١١]، والله تعالى أعلم.[١٢]

فضل سورة الزلزلة

بعد ما جاء من حديث عن مقاصد سورة الزلزلة، لا بدَّ من الإشارة إلى أنَّ سورة الزلزلة لها فضل خاص جاء في بعض الأحاديث النبوية الشريفة عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلَّم-، وهذه الأحاديث منها ما هو صحيح ومنها ما هو ضعيف، وفيما يأتي ذكرٌ لهذه الأحاديث كاملة:

  • في حديث ضعيف أورده الألباني في ضعيف الجامع، روى أنس بن مالك -رضي الله عنه- إنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: "مَنْ قَرَأَ {إِذَا زُلْزِلَتِ} عُدِلَتْ لَهُ بِنِصْفِ القرآنِ، و مَنْ قَرَأَ قَلْ يَا أَيُّها الْكَافِرُونَ عُدِلَتْ لَهُ بِرُبْعِ القرآنِ، ومَنْ قَرَأَ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ عُدِلَتْ لَهُ بِثُلُثِ القرآنِ"[١٣].[١٤]
  • وفي حديث حسَّنه الألباني، روى معاذ بن عبد الله الجهني -رضي الله عنه- قال: "إنَّ رجلًا من جُهَينةَ أخبرَهُ أنَّهُ سمعَ النَّبيَّ -صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ- يقرأُ في الصُّبحِ إذا زُلزِلَتِ الأرضُ في الرَّكعتينِ كلتيْهما، فلا أدري أنسِيَ رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ- أم قرأَ ذلِكَ عمدًا"[١٥].[١٦]
  • وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- إنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: "ما أنْزَلَ اللَّهُ عَلَيَّ فيها إلَّا هذِه الآيَةَ الفاذَّةَ الجامِعَةَ: {فمَن يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، ومَن يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}[٧]"[١٧].[١٢]

سبب تسمية سورة الزلزلة

لا تختلف سورة الزلزلة في سبب تسميتها عن كثير من سور القرآن الكريم، فقد سُمِّيت بهذا الاسم لأنه يتناسب مع مطلعها كما أنَّ الزلزلة اسم من أسماء يوم القيامة، والزلزال هو الاهتزاز الشديد السريع، والسورة كاملة تتحدث عن يوم القيامة في آياتها الثماني، فاسم هذه السورة يتناسب مع مضمونها، ويتلاءم مع مطلعها، وهذا شأن كثير من سور الكتاب، وجدير بالذكر إنَّ سورة الواقعة والقارعة والغاشية أيضًا هي أسماء من أسماء يوم القيامة وسُمِّيت بذلك لأنَّها تتناول الحديث عن أهوال هذا اليوم كما أنَّها تتلاءم في اسمها مع مطالعها، والله أعلم.[٨]

المراجع

  1. ^ أ ب سورة الزلزلة، آية: 1.
  2. رواه الهيثمي، في مجمع الزوائد، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 7/144، فيه حيي بن عبد الله المعافري وثقه ابن معين وغيره وبقية رجاله رجال الصحيح.
  3. "أسباب النزول"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-06-2019. بتصرّف.
  4. سورة الملك، آية: 25.
  5. سورة الزلزلة، آية: 1-6.
  6. سورة الإنسان، آية: 8.
  7. ^ أ ب سورة الزلزلة، آية: 7-8.
  8. ^ أ ب "تأملات قصار السور سورة الزلزلة"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-06-2019. بتصرّف.
  9. سورة الزلزلة، آية: 2-6.
  10. سورة الزلزلة، آية: 7-8.
  11. سورة الكهف، آية: 49.
  12. ^ أ ب "تفسير سورة الزلزلة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-06-2019. بتصرّف.
  13. رواه الألباني، في ضعيف الجامع، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 5757، ضعيف.
  14. "ما هي السورة التي تعدل نصف القرآن؟"، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 18-06-2019. بتصرّف.
  15. رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن معاذ بن عبدالله الجهني، الصفحة أو الرقم: 816، حسن.
  16. "قراءة سورة الزلزلة في ركعتي الفجر"، www.binbaz.org.sa، اطّلع عليه بتاريخ 18-06-2019. بتصرّف.
  17. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 7356، صحيح.
4580 مشاهدة
للأعلى للسفل
×