محتويات
سورة الشورى
تعتبرُ سورة الشورى سورة مكية، نزلتْ في مكة المكرمة على رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- واستثنى أهل العلم من هذه السورة الآيات: "23-24-25-27" فقد نزلتْ هذه الآيات الأربع في المدينة المنورة، وتعتبر سورة الشورى من سور المثاني، يبلغ عدد آياتها 53 آية، وهي السورة الثانية والأربعون، حيث تقع في الجزء الخامس والعشرين والحزب التاسع والأربعين، نزلتْ سورة الشورى بعد سورة فصّلت، وهي من السور التي تبدأ بحروف متقطعة، قال تعالى في مطلعها: {حم * عسق}[١]، ولذلك هي من الحواميم، وهذا المقال سيسلِّط الضوء على مقاصد سورة الشورى وفضلها وسبب نزولها.
سبب نزول سورة الشورى
إنَّ أسباب نزول السور والآيات القرآنية تختلف باختلاف طول السور القرآنية، فالسور الطويلة لا تنزل لسبب واحد وإنَّما أسبابها تتعدد، أمَّا قصار السور فربما يكون سبب نزول واحد وربما أكثر، وأسباب النزول هو الطريق الذي يتبعه المفسر لإظهار مقاصد السور، فسبب النزول مقترن بالمضمون، أمَّا سبب نزول سورة الشورى، فلم يرد أي سبب صريح صحيح لنزول هذه السورة، وما ورد هو أثر عن حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- وهي قصة من المكذوبات الموضوعات التي لا تصحُّ، وإنّما ذكرها هنا لعرضها والتحذير من تداولها، وتقول القصة ما يأتي: "جاء رجُلٌ إلى ابنِ عبَّاسٍ -وعنده حُذيفةُ بنُ الْيَمانِ- فقال: أخبِرْني عن تفسيرِ {حم * عسق}[١]، فأعرَضَ عنه، ثمَّ كرَّرَ مَقالتَه، فأعرَضَ عنه، وكرَّرَ مَقالتَه، ثمَّ كرَّرَها الثَّالثةَ فلم يُجِبْه، فقال له حُذيفةُ: أنا أُنْبِئُك بها لِمَ كرِهَها؛ نزَلَت في رجُلٍ مِن أهلِ بيتِه يقالُ له: عبدُ الإلهِ أو عبدُ اللهِ، ينزِلُ على نهرٍ مِن أنهارِ المَشرِقِ، يَبْنِي عليه مَدِينتينِ، يشُقُّ النَّهرُ بينهما شقًّا، يجتمِعُ فيهما كلُّ جبَّارٍ عنيدٍ، فإذا أَذِنَ اللهُ في زَوالِ مُلْكِهم وانقِطاعِ دَولتِهم ومُدَّتِهم، بعَثَ اللهُ على إحداهما نارًا ليلًا، فتُصْبِحُ سوداءَ مُظلِمةً قدِ احتَرَقَت، كأنَّها لم تكُنْ مكانَها، وتُصْبِحُ صاحبتُها مُتعجِّبةً كيف افتلَتَتْ! فما هو إلَّا بياضُ يومِها ذلك حتَّى يجتمِعَ فيها كلُّ جبَّارٍ عنيدٍ منهم، ثمَّ يخسِفُ اللهُ بها وبهم جميعًا، فذلك قولُه: {حم * عسق}[١]، يعني: عزيمةٌ مِن اللهِ وفتنةٌ وقضاءٌ..."[٢]، والله تعالى أعلم.[٣]
مقاصد سورة الشورى
تعتبر سورة الشورى سورة طويلة مقارنة بسور المفصَّل، آياتها ثلاث وخمسون آية إلَّا أنَّ هذه الآيات سببتْ طول السورة كاملة، ولهذا إنَّ مقاصد سورة الشورى طويلة وكثيرة أيضًا، ويمكن حصر مقاصد سورة الشورى في مجموعة من البنود، وهي على الشكل التالي:
- مقاصد سورة الشورى من الآية 1 حتَّى 15: تظهر الآيات الأولى من سورة الشورى أنَّ الدين الذي يدعو إليه رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- جاءه بأحكامه أنبياء الله الصالحون من قبل، وكلُّه حق، ومن اتخذ من غير الله آلهة، فالله تعالى يجزي كلَّ إنسان بحسب عمله، ولو شاء لترك الناس دون حساب ولكنَّ هذا يؤدي إلى معاملة الإنسان صاحب العقل معاملة بقية المخلوقات المنزوع منها العقل، ثمَّ تنكر الآيات القرآنية على المشركين إشراكهم بالله تعالى، فالله هو الواحد القاهر فوق عباده، القادر على البعث والنشور، وعلى إحياء الناس بعد موتها.[٤]
- مقاصد سورة الشورى من الآية 16 حتَّى 31: تشير هذه الآيات على أنَّ كتاب الله تعالى هو الكتاب الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وتبين أيضًا أنَّ الناجين هم العاملون بأحكام هذا الكتاب العظيم، ثمَّ توضِّح الآيات الكريمة أنَّ الله تعالى لطيف بعباده أجمعين، يرزق الكافرين والمؤمنين في الدنيا من عنده، ولكنَّه يوم القيامة يخصُّ المهتدين بجنات النعيم، وفي هذا تخيير للناس، فمن أراد الجنة عمل لها وسعى إليها في حياته، ثمَّ تطرح الآيات تساؤلًا وهو هل وجد الكافرون في غير شريعة الله ما يغنيهم عن شريعة الله الأحد، وإنَّما هؤلاء يستحقون العذاب في الحياة والآخرة، ولكنَّ كرم الله وفضله أخَّر لهم العذاب إلى يوم القيامة، يوم يتملكهم الخوف والرهب مما ينتظرهم، ويوم يهنأ المؤمنون في الجنان خالدين فيها أبدًا.[٥]
- مقاصد سورة الشورى من الآية 32 حتَّى 53: تطرح هذه الآيات بعض الدلائل على عظمة الله الخالق، كالسفن التي تجري في البحر، والرياح التي تسير بأمر الله تعالى، ثمَّ تذكر الآيات أنّ نعم الدنيا ومتاعها زائل وأنَّ الخالد هو نعيم الآخرة فقط، ثمَّ تصفُ الآيات المؤمنين بالحلم والعزيمة والعفو والمسامحة، ومن صفاتهم أنهم لا يقبلون بالذل وأنَّهم يعفون عندما يستطيعون العفو، وليس على من قابل العدوان بالمثل لوم ولا عتب، فاللوم على من يبدأ بالعدوان والظلم، والعفو والرحمة أكثر ثوابًا وأجرًا عند الله تعالى، والله أعلم.[٦]
سبب تسمية سورة الشورى
بعد ما جاء من مقاصد سورة الشورى، جدير بالقول إنَّ تسمية سورة الشورى بهذا الاسم يشابه تسمية كثير من سور القرآن الكريم، فقد تناولتْ هذه السورة مفهوم الشورى في الإسلام وتطرّقت إلى هذا الموضوع في غير آية واحدة، وسُمِّيت أيضًا تأكيدًا على أهمية الشورى في الإسلام ومكانتها أيضًا، فإقامة الحياة على مبدأ الشورى فيها كمال وتمام حسن، ففي الشورى الرأي الصواب، وما خاب من استشار في قرارات حياته، قال تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}[٧]، وجدير بالذكر أيضًا إنَّ هذه السورة تُسمَّى بسورة "حم"، فهي من الحواميم لابتدائها بهذين الحرفين، كما تُسمَّى بسورة "عسق" والله تعالى أعلم.[٨]
مفهوم الشورى في الإسلام
يُعرَّف مفهوم الشورى في الإسلام على أنَّه طلب الرأي والمشورة من أهل الرأي والسداد وحسن التصرف، ويُعرَّف أيضًا على أنَّه استطلاع أو معرفة رأي عامة الناس في أمور متعلقة بعامة الناس، وهو أخذ رأي الناس في الأمور الحساسة، فرسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- استشار الصحابة الكرام في أمور الغزو والحروب واستشارهم يوم حفر الخندق، وهذه القاعدة فيها صلاح الناس من خلال اتخاذ قرارات صائبة، وهي من أصول إصدار القرار في الإسلام، حتَّى أنَّ المسلمين استشاروا في أمور خليفة رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- بعد وفاته، واستشاروا بعد أبي بكر وعمر وعثمان -رضي الله عنهم- في أمور الخلافة وغيرها من الأمور الحساسة والقرارات المهمة في حياة الدولة، كاستشارة أبي بكر الصديق للصحابة قبل إرسال جيش خالد بن الوليد مع المثنى بن حارثة الشيباني -رضي الله عنهما- إلى العراق، والله تعالى أعلم.[٩]
المراجع
- ^ أ ب ت سورة الشورى، آية: 1-2.
- ↑ رواه الشوكاني ، في فتح القدير، عن حذيفة بن اليمان، الصفحة أو الرقم: 4/735، لا يصح ولا يثبت وما أظنه إلا من الموضوعات المكذوبات.
- ↑ "سبب نزول سورة الشورى"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 23-06-2019. بتصرّف.
- ↑ "تفسير سورة الشورى للناشئين (الآيات 1 - 15)"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 23-06-2019. بتصرّف.
- ↑ "تفسير سورة الشورى للناشئين (الآيات 16 - 31)"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 23-06-2019. بتصرّف.
- ↑ "تفسير سورة الشورى للناشئين (الآيات 32 - 53)"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 23-06-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة الشورى، آية: 38.
- ↑ "سورة الشورى في سؤال وجواب"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 23-06-2019. بتصرّف.
- ↑ "شورى"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 23-06-2019. بتصرّف.