سورة الفيل
تعتبر سورة الفيل سورة من السور المكية التي نزلت على رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- في مكة المكرمة، وهي من سور المفصل، يبلغ عدد آياتها خمس آيات، وهي السورة الخامسة بعد المئة من ترتيب سور المصحف الشريف، حيث تقع في الجزء الثلاثين والأخير والحزب الستين، وقد نزلت هذه السورة بعد سورة الكافرون، وتبدأ بأسلوب استفهام، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ}[١]، وهي من السور التي لم يذكر فيها لفظ الجلالة أبدًا، وهذا المقال سيسلط الضوء على مقاصد سورة الفيل وفضل هذه السورة وسبب نزولها وقصة أصحاب الفيل في الإسلام.
سبب نزول سورة الفيل
قبل الدخول في الحديث عن مقاصد سورة الفيل، جدير بالقول إنَّ أسباب نزول السور والآيات القرآنية مهمة جدًا في تفسير هذه السورة أو الآية، فالآيات القرآنية كانت تنزل وفقًا للحوادث التي كانت تحدث مع المسلمين، ومن الآيات والسور ما نزل لسرد قصص وأحداث تاريخية حصلت مع الأمم السابقة والقصد منها العبرة والموعظة ومن هذه السور سورة الفيل التي نزلت في قصة أصحاب الفيل، وهم جيش أبرهة الحبشي الذين هجموا على الكعبة المشرفة بالفيلة بغية هدمِها وكان هذا في نفس العام الذي وُلد فيه رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- وهو عام الفيل عام 570 ميلادية، وقد شرحت السورة هذه القصة وبيَّنت ما فعل الله -سبحانه وتعالى- بأصحاب الفيل، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ}[٢]، والله تعالى أعلم.[٣]
مقاصد سورة الفيل
تعتبر سورة الفيل سورة من السور القصار في القرآن الكريم، فهي تتألف من خمس آيات فقط، ولهذا من الطبيعي أن تكون مقاصد سورة الفيل أقل من مقاصد طوالِ السّور في القرآن الكريم، ويمكن حصر مقاصد سورة الفيل في أنّ هذه السورة المباركة ضربتْ مثلًا في سبيل موعظة الناس وتنبيههم، فقد ذكرت سورة الفيل قصة أصحاب الفيل الذين جاؤوا من اليمن بالفيلة لهدم بيت الله الحرام، وتسرد السورة مصير هؤلاء الذين سلَّط الله عليهم طيرًا من سجيل رمت عليهم حجارة ملتهبة فَشَوتْ وجوههم وخلَّفتهم جُثثًا هامدة، قال تعالى: {أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ}[٤]، كما أنَّ مطلع السورة يبين الغرض منها، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ}[٥]، هذا الاستفهام الكائن في الآية السابقة دليل واضح المعالم على أنّ المقصد الرئيس من مقاصد سورة الفيل هو ضرب الأمثال في سبيل موعظة الناس، فالله تعالى سرد أخبار الأمم السابقة حتَّى يبيَّن للمسلمين العاقبة، وهذا الأسلوب كثير في كتاب الله تعالى، ويقول ابن كثير في تفسير سورة الفيل: "هذه من النعم التي امتنَّ الله بها على قريش فيما صرف عنهم من أصحاب الفيل، الذين كانوا قد عزموا على هدم الكعبة ومحو أثرها من الوجود فأبادهم الله، وأرغم آنافهم، وخيَّبَ سعيهم، وأضلَّ عملهم، وردَّهم بشرِّ خيبة، وكانوا قومًا نصارى وكان دينهم إذ ذاك أقرب حالًا مما كان عليه قريش من عبادة الأوثان، ولكن كان هذا من باب الإِرهاص والتوطئة لمبعث رسول الله -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- فإنه في ذلك العام ولد على أشهر الأقوال"، والله تعالى أعلم.[٦]
فضل سورة الفيل
بعد الحديث عن مقاصد سورة الفيل، إنَّ القرآن الكريم كلُّه خير وفي تلاوته ثواب وأجر، وقليلة هي السور القرآنية التي جاء في فضلها حديث خاص عن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- والمقصود هنا الأحاديث الصحيحة، وفي فضل تلاوة سور القرآن الكريم كلِّها بما فيها سورة الفيل روى عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- إنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: "من قرأ حرفًا من كتابِ اللهِ فله به حسنةٌ، والحسنةُ بعشرِ أمثالِها، لا أقول ألم حرفٌ، ولكن ألفٌ حرفٌ، ولامٌ حَرفٌ، وميمٌ حَرفٌ"[٧]، أمَّا سورة الفيل، فقد جاء في فضلها حديث ضعيف لا يصح الاستشهاد به، وإنَّما ذكره للاستئناس طالما أن معناه لا يخالف المنطق والعقل، عن أبي بن كعب -رضي الله عنه- إن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: "مَن قرأَ سورةَ الفيلِ أعفاهُ اللَّهُ من المسخِ والخسفِ"[٨]، والله تعالى أعلم.[٩]
قصة أصحاب الفيل
في ختام ما جاء من مقاصد سورة الفيل وسبب نزولها وفضلها، جدير بالذكر إنَّ قصة أصحاب الفيل قصة تتحدث أبرهة والي النجاشي في اليمن على مكة المكرمة لهدم بيت الله الحرام، فقد بنى أبرهة الحبشي كنيسة كبيرة في اليمن ورغب أن يحج الناس إليها من دون مكة، فقرر هدم الكعبة حتَّى يحج الناس إلى الكنيسة التي بناها في اليمن، فجهز أبرهة جيشًا جرارًا مدعومًا بالفيلة، وسار به إلى مكة المكرمة، وفي الطريق تعرّض الجيش لمجابهة من بعض قبائل العرب ولكنَّ هذا لم يوقف تقدمه أبدًا، وعندما اقترب الجيش الحبشي من مكة، أخذ بعض الإبل والمواشي من رزق أهل مكة، وكان من الإبل مئتي بعير لعبد المطلي جد رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- وكبير قريش وخير سادتها، فذهب عبد المطلب إلى أبرهة وطلب منه ما أخذ جيشه من الإبل، فقال أبرهة: "أتكلِّمني في مئتي بعير أصبتها لك وتتركُ بيتًا هو دينكَ ودين آبائك، قد جئت لهدمه ولا تكلّمني فيه؟"، فردَّ عبد المطلب عليه قائلًا: "إني أنا رب الإبل، وإن للبيت رب سيحميه"، فأرجع أبرهة إبل عبد المطلب وعاد إلى مكة ونادى بالناس أن يخرجوا إلى الجبال مبتعدين عن خطر الجيش الحبشي الجرار، وتقدم جيش أبرهة إلى مكة، وعندما وصل أمر أبرهة أن يؤتَى بالفيل لهدم الكعبة، فلمَّا جاؤوا بالفيل تيبَّس الفيل في مكانه ولم يتحرك رغم ما تلقَّى من الضرب والعذاب، ثمَّ بعث الله تعالى طيرًا أبابيل رمتْ جيش أبرهة بالحجارة الملتهبة من سجيل، فلم يبقَ من الجيش أحد على قيد الحياة، قال تعالى: {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ}[١٠]، والله تعالى أعلم.[١١]
المراجع
- ↑ سورة الفيل، آية: 1.
- ↑ سورة الفيل، آية: 1-5.
- ↑ "أسباب النزول"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-06-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة الفيل، آية: 2-5.
- ↑ سورة الفيل، آية: 1.
- ↑ "وقفات مع سورة الفيل"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-06-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 1416، صحيح.
- ↑ رواه ابن حجر العسقلاني، في الكافي الشاف، عن أبي بن كعب، الصفحة أو الرقم: 324، موضوع.
- ↑ "سورة الفيل"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 18-06-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة الفيل، آية: 5.
- ↑ "قصة أصحاب الفيل"، www.kalemtayeb.com، اطّلع عليه بتاريخ 18-06-2019. بتصرّف.