مقاصد سورة القلم

كتابة:
مقاصد سورة القلم

سورة القلم

نزلت سورة القلم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مكة المكرمة قبل الهجرة، لذلك فهي من السور المكيَّة، رقم ترتيبها في كتاب الله تعالى ثمانية وستون وهي في الحزب السابع والخمسين وفي الجزء التاسع والعشرين الذي يُطلق عليه جزء تبارك، عدد آيات السورة اثنتان وخمسون آية، أطلق عليها سورة القلم لأنَّ الله تعالى أقسم في بداية السورة بالقلم، قال تعالى: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ}[١]، ويطلقُ عليها أيضًا سورة نون، لأنَّ الله ذكر حرف نون في أولها وهي السورة الوحيدة في القرآن التي بدأت بهذا الحرف، وفي هذا المقال سيدور الحديث حول مقاصد سورة نون وسبب نزولها وفضلها.[٢]

سبب نزول سورة القلم

قبل الحديث عن مقاصد سورة القلم سيُشار إلى أسباب نزول السورة، فقد ذكرت السيدة عائشة -رضي الله عنها- أنَّه لم يكن أحد أحسن خلقًا من النبيِّ -عليه الصلاة والسلام-، وكلما دعاه أحدٌ من أهله أو من صحابته كان يقول له: لبيك، فأنزل الله تعالى: {وإنَّكَ لَعلَى خُلقٍ عَظيمٍ}[٣]، وأيضًا من أسباب نزول سورة القلم أنَّ الكافرين أرادوا أن يؤذوا النبيَّ -عليه الصلاة والسلام- بالعين، أي يصيبوه بالعين، فكانوا ينظرون إليه ويقولون: "ما رأينا مثله ولا مثل حججه"، وكان قوم من بني أسد لا تمرُّ بهم ناقة أو بقرة سمينة إلا يعينوها أي يؤذونها بأن تصاب بالعين والحسد، فيقول أحدهم لجاريته: "يا جارية خذي المكتل والدرهم فأتينا بلحم من لحم هذه، فما تبرح حتى تقع بالموت فتنحر". فأراد بعضهم أن يطبِّقُ هذا الفعل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأنزل الله تعالى: {وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ * وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ}[٤]، وعصمَ الله تعالى نبيَّه من شرور الكفار وكيدهم.[٥]

فضل سورة القلم

رويَ في فضل سورة القلم عدد من الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة المُنكرة التي لا أصل لها، وقد قال مجد الدين الفيروزابادي: وردَ في فضل سورة القلم حديثان منكران وهما حديث علي بن أبي طالب: "يا علي منْ قرأها نوَّر الله قلبه، وقبره، وبيَّض وجهَه، وأعطاهُ كتابه بيمينه، وله بكلِّ آية قرأها ثوابُ من مات مبطونًا"، وحديث أبي بن كعب: "من قرأَهَا أعطاهُ اللهُ ثوابَ الذين حسَّن اللهُ أخلاقَهم"، وكلاهما لا يصحُّ أبدًا، لكنَّ فضل السورة كفضل غيرها من سور القرآن الكريم، فيها الكثير من الفضائل والبدائع التي لا يحيطُ بها إلا الله تعالى، وفضلها يكمنُ في أن يقرأها المسلم بتدبر ويأخذ بالأحكام والعظات التي جاءت بها واحتوتها.[٦]

مقاصد سورة القلم

يعدُّ الدفاع عن رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- وتبرئته من جميع التهم الباطلة التي وجهها إليه الكافرون من أهم مقاصد سورة القلم، وهذا ما بدأت به آيات السورة وأعلنه الله تعالى في قوله: {مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ * وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ * وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ * فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ}[٧]، ومن مقاصد سورة القلم أيضًا أنَّها تحدَّثت عن عذاب الله تعالى لمانعي الزكاة وهدَّدت المجرمين والكاذبين، كما دعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى التحلِّي بالصبر دائمًا وأشارت إلى نبيِّ الله يونس في تسرُّعه وفقدانِ صبرِه، ومن مقاصد سورة القلم الإشارة إلى إعراضِ الكافرين والمشركين عن دعوةِ رسول الله -عليه الصلاة والسلام- رغبةً منهم في الوصول إلى اتِّفاقٍ بينهم يصلون فيه إلى أمر يجمعهم ويمحو خلافات العقيدة التي كانت موجودة بينهم، قال تعالى: {ودُّوا لو تُدهنُ فيُدهِنونَ}[٨]، وفيها أيضًا ذكرُ أصحاب الجنَّة الذين ضربَهم الله مثلًا للمسلمين، ومن مقاصد سورة القلم أنَّها تبيِّنُ ملامحَ بيئة العرب في تلك الفترة التي ظهرَت فيها الدعوة الإسلاميَّة، وكيف كانت ردودُ القوم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تدلُّ على سذاجة وضعفِ وإفلاس مخالفيه، قال تعالى: {وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ}[٩]، فكانوا يتهمونه بالجنون وهذا أسلوب من لا يملك الحجة من عجزه وإفلاسه.[١٠]

وإنك لعلى خلق عظيم

بعد أن دار الحديث حول مقاصد سورة القلم سيُشار إلى قوله تعالى: {وإنَّكَ لعلى خلُقٍ عظيمٍ}[١١]، فقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صاحبَ أسمى خلق في الصدق والأمانة والوفاء والحلم وجميع مكارم الأخلاق الرفيعة وحتى قبل بعثته -عليه السلام-، وقد شهدَ له القريب والبعيد بذلك، وجاء في الحديث الذي رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنَّما بُعِثْتُ لأُتممَ صالحَ الأخلاقِ"[١٢]، وقد صانَ الله تعالى نبيَّه من كل سوء وحفظه بحفظه وجعلَ خلقَه كما وردَ في الحديث عندما سُئلَت السيدة عائشة -رضي الله عنها- عن خلق النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- قالت: "كان خُلُقُه القُرآنَ، أمَا تَقرَأُ القُرآنَ، قولَ اللهِ -عزَّ وجلَّ-: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}"[١٣]، وأنزل الله سورة القلم تشهدُ له بعظمةِ أخلاقه أبدَ الدهر.[١٤]

المراجع

  1. سورة القلم، آية: 1.
  2. "سورة القلم"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 22-06-2019. بتصرّف.
  3. سورة القلم، آية: 4.
  4. سورة القلم، آية: 51-52.
  5. "سورة القلم"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 22-06-2019. بتصرّف.
  6. "سورة القلم"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 22-06-2019. بتصرّف.
  7. سورة القلم، آية: 2-5.
  8. سورة القلم، آية: 9.
  9. سورة القلم، آية: 51.
  10. "تفسير سورة القلم"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 22-06-2019. بتصرّف.
  11. سورة القلم ، آية: 4.
  12. رواه ابن عبد البر، في التمهيد، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 24/333، صحيح.
  13. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج المسند، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 24601، صحيح.
  14. "وإنك لعلى خلق عظيم"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 22-06-2019. بتصرّف.
3695 مشاهدة
للأعلى للسفل
×