مقاصد سورة الكوثر

كتابة:
مقاصد سورة الكوثر

مقاصد السور

يعتبر أهل التفسير أنّ علم مقاصد السور هو السبيل الصحيح للتعرف على الهدف الأساسي الذي يقصده الله -جلّ وعلا- في سور القرآن الكريم، وهو تحقيقٌ لمبدأ التدبر والتفكر أثناء القراءة وهو ما أمر الله -تعالى- المسلمين به في قوله: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلً}[١]، فالترتيل هو القراءة مع التفكر والبحث عن بيان ومقصد كل آيةٍ من آيات القرآن الكريم ودراستها دراسةً كاملة لفهم معناها والغرض من تنزيلها والأخذ بها واتباع أحكامها وهو ما يُعنى به علم مقاصد السور، وسيكون المقال الآتي عن بيان مقاصد سورة الكوثر.[٢]

سورة الكوثر

تُعتبر سورة الكوثر أقصر سورة في القرآن الكريم إذ أنّها تتألف من ثلاث آياتٍ فقط وعدد كلماتها اثنان وأربعون كلمة، رقمها بين ترتيب السور مائة وثمانية وهي في الجزء الأخير من القرآن الكريم البالغ عدد سوره مائة وأربعة عشر سورة، تسبقها سورة الماعون وتليها سورة الكافرون، أمّا في وقت نزولها فهي السورة الخامسة عشر فهي تُعتبر من أوائل السور نزولًا، واختلف أهل العلم في مكان نزولها فمنهم من قال أنّها مكيّة -أي نزلت في مكة المكرمة- ومنهم من قال بأنّها مدنيّة -أي نزلت في المدينة المنورة-، ويرجع سبب تسميتها لأنّ الله -جلّ وعلا- بشّر نبيه الكريم فيها بأن أعطاه الكوثر، والكوثر هو نهرٌ في الجنة وقد جاء عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال في وصفه: " الكَوْثَرُ نهرٌ في الجنةِ حافَتَاهُ من ذهبٍ ومَجْرَاهُ على الدُّرِّ والياقوتِ تُرْبَتُهُ أَطْيَبُ من المِسْكِ وماؤُهُ أَحْلَى من العَسَلِ وأَبْيَضُ من الثَّلْجِ"[٣]، وسيأتي الحديث عن مقاصد سورة الكوثر وسبب نزولها.[٤]

سبب نزول سورة الكوثر

يستند علم قاصد السور في شكلٍ رئيسي على أسباب نزول السور، وضمن دراسة مقاصد سورة الكوثر يذكر أهل التفسير عن ابن عباس أنّه قال في سبب نزولها أنّها نزلت لأنّ أحد المشركين ويقال له "العاص بن وائل" كان ينعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "بالأبتر"، وقد كان العرب في القديم يلقبون الرجل الذي لم يُرزق بالذكور أو أنّه رُزق بالبنات والبنين ثم مات أبناؤه الذكور بالأبتر، فكان العاص كلّما مرّ بالنبي الكريم ينعته بهذا اللقب، وكان عندما يلتقيه يقول له إني لأشنؤك -أي أبغضك- فنزل قوله -تعالى-: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَر}[٥]، بإشارة منه -جلّ وعلا- أن "العاص" مبغضك هو المحروم من خير الدنيا والآخرة.[٦]

مقاصد سورة الكوثر

عند الحديث عن مقاصد سورة الكوثر يتبيّن أنّ أعظم مقاصدها كان تفضيل أمر الآخرة على أمر الدنيا وكان في مضمون رسالتها للنبيّ الكريم -صلى الله عليه وسلم- بأنّ الله سيعوضه في الجنة عن حرمانه للذكور وبأنّه أعطاه -جلّ وعلا- الكوثر، فقد ابتدأت السورة الكريمة بقوله -تعالى-: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ}[٧]، والكوثر في اللغة العربية هو الخير الكثير الوفير، أمّا في الآخرة فهو كما ذُكر سابقًا اسم نهرٍ في الجنة، وقصد -جلّ وعلا- من الإعطاء أي التمليك فقد ملّك نبيّه نهر الكوثر تعويضًا له على حرمانه في الدنيا.[٨]

ويأتي المقصد الثاني من مقاصد سورة الكوثر بأنّ كلّ شيءٍ يقدمه الله -جلّ وعلا- لعباده يستحق العطاء والصلاة والشكر، فقد أمر نبيّه -عليه الصلاة والسلام- بأن يصلي لله شكرًا وينحر تقربًا من الله وشكرًا على عطاءه ونعمه، قال -تعالى-: { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}[٩]، وقد جمع -سبحانه وتعالى- في طلبه هذا من الرسول -صلى الله عليه وسلم- بين النفع الشخصي بالصلاة والدعاء لله -تعالى-، وبين النفع العام الذي يكون بالنحر -أي الذبح- والذي يكون بتوزيع الطعام على الفقراء والمساكين، ويعتبر هذا مقصدًا من مقاصد سورة الكوثر.[٨]

ومن مقاصد سورة الكوثر أنّها كانت بمثابة دعمٍ معنويّ من الله -جلّ وعلا- للرسول الكريم ورفعًا لشأنه أمام صحابته ومن حوله من المسلمين، وذلك بأنّ الله وعده خيرًا في جنان الخلد وتوعد لمبغضه ومن نعته بكلماتٍ تقلل من شأنه بأنّه هو الأبتر المحروم من خيري الدنيا والآخرة فالأبتر في أصل اللغة العربية هو مقطوع الذنب وفي سورة الكوثر جاء بمعنى مقطوع الخير، وذلك في قوله -تعالى-: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَر}[١٠]، ومن المقاصد التي تتبين من مقاصد سورة الكوثر بأنّها تؤكد على أنّ كلّ شانئ ومبغضٍ لرسول الله -عليه الصلاة والسلام- فبأيّ زمن أتى من يبغض رسول الله فإنه أبترٌ مقطوع الخير في الدنيا والآخرة.[٨]

فضل النحر لوجه الله

كما تبيّن سابقًا أنّ أحد أهم مقاصد سورة الكوثر هي حثّ المسلمين على النحر أو الذبح لوجه الله تعالى تعبيرًا عن الشكر على نعمه التي أنعم بها على المسلمين، وقد أجمع أهل العلم أنّ الذبح لوجه الله هو من أفضل العبادات التي يبذل فيها الإنسان من ماله ويطعم الفقراء والمساكين ابتغاء مرضاة الله، فبالإضافة إلى التقرب من الله بالصلاة والعبادة شرع الله -تعالى- أمر النحر، وبهذا يهتم المرء بعبادته وتقربه من الله ويقوم بتوزيع الصدقات وإطعام الفقراء قاصدًا شكر الله على نعمه التي لا تعد ولا تحصى، وقد حذّر أهل العلم من أمر النحر لغير وجه الله فإنّه يُعتبر نوعًا من أنواع الشرك -والعياذ بالله- لذا يجب على من أراد النحر إخلاص النيّة لوجه الله -تبارك وتعالى- وأن تكون غايته شكره والثناء عليه على نعمه العظيمة.[١١]

المراجع

  1. سورة المزمل، آية: 04.
  2. "علم مقاصد السور القرآنية"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 19-06-2019. بتصرّف.
  3. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عبد الله بن عمر ، الصفحة أو الرقم: 3361، حسن صحيح .
  4. "سورة الكوثر"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 19-06-2019. بتصرّف.
  5. سورة الكوثر، آية: 01-03.
  6. " أسباب النزول - سورة الكوثر"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 19-06-2019. بتصرّف.
  7. سورة الكوثر، آية: 01.
  8. ^ أ ب ت "تفسير سورة الكوثر"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 19-06-2019. بتصرّف.
  9. سورة الكوثر، آية: 02.
  10. سورة الكوثر، آية: 03.
  11. "فضل الذبح لله ووجه قرنه بالصلاة"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 19-06-2019. بتصرّف.
3437 مشاهدة
للأعلى للسفل
×