مقاصد سورة الليل

كتابة:
مقاصد سورة الليل

سورة الليل

تعتبر سورة الليل سورة من سور الحزب الستين والجزء الثلاثين في القرآن الكريم، وهي سورة مكية، أنزلها الله تعالى على رسوله -صلَّى الله عليه وسلَّم- في مكة المكرمة، وهي السورة الثالثة والتسعون في ترتيب المصحف الشريف، تُصنَّف سورة الليل مع سورة المفصَّل، ويبلغ عدد آياتها إحدى وعشرين آية، وهي من السور التي لم يُذكر فيها لفظ الجلالة، نزلتْ سورة الليل بعد سورة الأعلى، وقد بدأت بالقسم مثل أكثر سور جزء عمَّ، قال تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى}[١]، وهذا المقال سيسلِّط الضوء على مقاصد سورة الليل وأسباب نزولها.

سبب نزول سورة الليل

أسباب نزول الآيات والسور القرآنية كثيرة ومختلفة، كما أنَّ كثيرًا من السور والآيات القرآنية لم يرد فيها سبب نزول صريح، وإنَّ من أبرز فوائد علم أسباب نزول الآيات القرآنية المساهمة في تفسير الآية بربطها مع سبب نزولها، أمَّا سبب نزول سورة الليل، فقد جاء في سبب نزول بعض آياتها بعض الأقوال والأحاديث الشريفة، فقد ورد في سبب النزول بداية ما يأتي: "إن أبا بكر اشترى بلالًا من أمية بن خلف ببردة وعشر أواق من ذهب فأعتقه، فأنزل الله تبارك وتعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ}[٢] إلى قوله: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ}[٣]: سعي أبي بكر وأمية بن خلف"، والله أعلم.[٤]

وفي سبب نزول آية: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ}[٥]، روى علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: "كانَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- في جَنَازَةٍ، فأخَذَ شيئًا فَجَعَلَ يَنْكُتُ به الأرْضَ، فَقالَ: ما مِنكُم مِن أحَدٍ إلَّا وقدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ، ومَقْعَدُهُ مِنَ الجَنَّةِ، قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، أفلا نَتَّكِلُ علَى كِتَابِنَا، ونَدَعُ العَمَلَ؟ قالَ: اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِما خُلِقَ له، أمَّا مَن كانَ مِن أهْلِ السَّعَادَةِ فيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أهْلِ السَّعَادَةِ، وأَمَّا مَن كانَ مِن أهْلِ الشَّقَاءِ فيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أهْلِ الشَّقَاوَةِ، ثُمَّ قَرَأَ: {فَأَمَّا مَن أعْطَى واتَّقَى * وصَدَّقَ بالحُسْنَى}[٥]"[٦]، والله أعلم.[٧]

مقاصد سورة الليل

تشير السور القرآنية وتشرح للمسلمين شؤون دينهم وأحكامهم ومعتقداتهم، فالقرآن الكريم هو المصدر الأول من مصادر التشريع الإسلامي، وكلُّ سورة تضمنت مجموعة من المقاصد والموضوعات التي نزلتْ بها كما شاء الله تعالى، وفيما يأتي مقاصد سورة الليل بناءً على ترتيب آياتها:[٨]

* مقاصد سورة الليل من الآية 1 حتَّى 11: يُقسم الله تعالى بالليل والنهار إنَّ عمل الناس مختلف بين خير وشر، فمن عمل خيرًا وصدَّق وآمن بالله تعالى فإنَّ الله سييسر أمره للخير، وأمَّا من بخل في العطاء وكذب بنعم الله تعالى فسوف يعسِّر ويضيِّق الله تعالى عليه، ولن ينفعه ماله ولن يغنيه عن الله شيئًا، قال تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ * فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ * وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَىٰ * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَىٰ * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ * وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ}[٩].

* مقاصد سورة الليل من الآية 12 حتَّى 21: تشير هذه الآيات إلى أنَّ الحياة الدنيا والآخرة ملك لله تعالى وبأمره، وقد أنذر المشركين من نار جهنم وعذابها، وبعد هذا التحذير والإنذار لن يصلى النار ولن يذوقها إلَّا الشقي، وسوف يتجنبها التقي الذي ينفق من ماله في سبيل الله تعالى ومقصده رضا الله تعالى، وهذا من سيرضيه الله تعالى ويكرمه بكرمه، قال تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَىٰ * وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَىٰ * فَأَنذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّىٰ * لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى * الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ * وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ * وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَىٰ * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَىٰ * وَلَسَوْفَ يَرْضَىٰ}[١٠].

أسماء سورة الليل

بعد ما ورد من مقاصد سورة الليل، جدير بالذكر إنَّ هذه السورة المباركة سٌمِّيت بسورة الليل لأنَّ الله تعالى أقسم في مطلعها بالليل، قال تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ}[٢]، وقد سُمِّيت في بعض كتب السلف الصالح بالليل مع تثبيت واو القسم قبلها وسُمِّيت دون واو القسم أيضًا، وقد سمَّاها البخاري والترمذي بسورة والليل إذا يغشى، وسورة الليل في هذا تتفق مع كثير من سور القرآن الكريم، وخاصة سور جزء عم، فمعظم سور جزء عم تبدأ بالقسم، كسورة الطارق وسورة الغاشية وغيرها، وكلُّ هذه السور سُمِّيت باسم كلمات وردَتْ في مطالعها أو سُمِّيت بأول كلمة وردتْ فيها، والله تعالى.[١١]

فضل سورة الليل

إنْ سور القرآن الكريم كلَّها تعود بالخير والفضل على الناس أجمعين، فهي بداية طريق للأجر والثواب، فقراءتها وتدبرها باب للأجر وكسب الحسنات، كما إنَّ القرآن الكريم شفيع لأهله يوم القيامة، عن أبي أمامة الباهلي -رضي الله عنه- قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم-: "اقْرَؤُوا القُرْآنَ فإنَّه يَأْتي يَومَ القِيامَةِ شَفِيعًا لأَصْحابِهِ"[١٢]، وسورة الليل لم يرد في فضلها أي حديث نبوي يذكر فضل هذه السورة دون غيرها من سور القرآن الكريم، ولكنَّ الفاهم لمقاصد سورة الليل يدرك إنَّ فضل هذه السورة يكمن في أنَّها بيَّنت للمسلمين الفرق بين الاختيار والتكليف في الإسلام، كما أنَّ هذه السورة فرَّقت بين مصير المسلمين الصالحين ومصير من كذَّب وأشرك يوم القيامة، وأكَّدت على أنَّ الإنسان مخيَّر لا مسيَّر وأنَّه يختار طريقه الذي يسلكه في حياته بيده، فعلى الرغم من أن أقدار الناس مكتوبة ومصيرهم محدد ومعلوم عند الله تعالى، إلَّا أنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: "اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِما خُلِقَ له، أمَّا مَن كانَ مِن أهْلِ السَّعَادَةِ فيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أهْلِ السَّعَادَةِ، وأَمَّا مَن كانَ مِن أهْلِ الشَّقَاءِ فيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أهْلِ الشَّقَاوَةِ.."[٦]، والله تعالى أعلم.[٨]

المراجع

  1. سورة الليل، آية: 1-2.
  2. ^ أ ب سورة الليل، آية: 1.
  3. سورة الليل، آية: 4.
  4. "أسباب النزول سورة الليل"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-06-2019. بتصرّف.
  5. ^ أ ب سورة الليل، آية: 5-6.
  6. ^ أ ب رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم: 4949، صحيح.
  7. "أسباب النزول: قوله عز وجل "فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى""، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-06-2019. بتصرّف.
  8. ^ أ ب "دلالات تربوية على سورة الليل"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-06-2019. بتصرّف.
  9. سورة الليل، آية: 1-11.
  10. سورة الليل، آية: 12-22.
  11. "سورة الليل"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 24-06-2019. بتصرّف.
  12. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي أمامة الباهلي، الصفحة أو الرقم: 804، صحيح.
4458 مشاهدة
للأعلى للسفل
×