محتويات
سورة المجادلة
تقع سورة المجادلة في الربع الأول والثاني من الحزب الخامس والخمسين والجزء الثامن والعشرين في القرآن الكريم، وهي سورة مدنية نزلتْ على رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- في المدينة المنورة، كما أنَّها من سور المُفصَّل، يبلغ عدد آياتها اثنتين وعشرين آية، وهي السورة الثامنة والخمسون في ترتيب سور المصحف الشريف، نزلتْ سورة المجادلة بعد سورة المنافقون وقد بدأها الله تعالى بأسلوب توكيد باستخدام حرف التحقيق قد، قال تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}،[١]وهي سورة ورد لفظ الجلالة في كلِّ آية من آياتها، وهذا المقال سيسلِّط الضوء على مقاصد سورة المجادلة وأسباب نزولها.
أسباب نزول سورة المجادلة
قبل الحديث عن مقاصد سورة المجادلة، جدير بالذكر إنَّ أسباب نزول السور القرآنية كثيرة ومختلفة باختلاف انتماء كلِّ سبب لآية أو أكثر من آيات السور، وإنَّما كثرة الآيات يسبب كثرة أسباب النزول وكثرة المقاصد، أمَّا سورة المجادلة فقد جاء في سبب نزولها حديث روته السيدة عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- قالت: "تبارَكَ الَّذي وسِعَ سمعُهُ كلَّ شيءٍ، إنِّي لأسمعُ كلامَ خَولةَ بنتِ ثَعلبةَ ويخفَى علَيَّ بعضُهُ، وَهيَ تشتَكي زَوجَها إلى رسولِ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ- وَهيَ تقولُ: يا رسولَ اللَّهِ، أَكَلَ شَبابي، ونثرتُ لَهُ بَطن، حتَّى إذا كبُرَتْ سِنِّي، وانقطعَ ولَدي، ظاهرَ منِّي، اللَّهمَّ إنِّي أشكو إليكَ، فما برِحَتْ حتَّى نزلَ جِبرائيلُ بِهَؤلاءِ الآياتِ : {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ}"،[٢]والله أعلم.[٣]
مقاصد سورة المجادلة
تُعدُّ سورة المجادلة من السور التي تتألف من عدد آيات قليل، بيد أنَّها لا تُصنَّف مع قصار سور القرآن الكريم، وقد نزلتْ هذه السورة المباركة في المرأة التي جادلتْ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- في أمر زوجها، ولذلك دارتْ مقاصد سورة المجادلة حول أمر هذه المرأة المسلمة، وفيما يأتي مقاصد سورة المجادلة مرتبة وفقًا لترتيب آياتها هذه السورة الكريمة:[٤]
مقاصد سورة المجادلة من الآية 1 حتَّى 6
سلَّطتْ هذه الآيات الضوء على مسألة مهمة جدًا، وهي مسألة ظلم المرأة كالظهار، والظهار هو أن يقول الرجل لزوجته: "أنت علي كظهر أمي"، وقد حرَّم الإسلام الظهار الذي كان بمثابة الطَّلاق في الجاهلية، ولكنَّ الإسلام حرَّمه وجعل له كفَّارة، وكفَّارة الظهار في الإسلام تحرير رقبة أو صيام شهرين متتابعين فمن لم يستطع الصيام فإطعام ستين مسكينًا، قال تعالى: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ ۖ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ ۚ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ * وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ۚ ذَٰلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}،[٥]ثمَّ بيَّنت الآيات أنَّ أحكام الشريعة التي جاء بها القرآن الكريم لم تنزل على الناس دفعة واحدة وإنَّما نزلت بشكل تدريجي وفقًا لما يحدث من أحداث، وهذا ما يرتبط ارتباطًا وثيقًا بعلم أسباب نزول الآيات القرآنية في الإسلام.
مقاصد سورة المجادلة من الآية 7 حتَّى 11
تناولتْ هذه الآيات الحديث عن آداب المجالس وكيفية رفع درجات أهل العلم في مجالس المسلمين، ثمَّ أقرَّت الآيات أنّه على كلِّ مسلم يريد محادثة رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- فعليه أن يقدم صدقة، وعندما شقَّ الأمر على المسلمين خفَّف الله عن الناس وأمرهم بالنافلة من صلاة وزكاة وطاعة وغير ذلك، كما تناولت الآيات تحريم المناجاة بالإثم والعدوان، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}،[٦]والله تعالى أعلم.
مقاصد سورة المجادلة من الآية 12 حتَّى 22
أمَّا الآيات الأخيرة من سورة المجادلة فقد تناولتِ الحديث عن المنافقين الذين صاحبوا اليهود ونقلوا إليه أخبار المسلمين، فنزلتْ هذه الآيات تعرِّي خبث نفوسهم وتبيِّن مصيرهم المشؤوم يوم القيامة، ثمَّ اختتمت الآيات بالحديث عن حقيقة حب المسلمين بعضهم بعضًا في الله تعالى، والبغض أيضًا في الله تعالى، وأمرت الآيات المسلمين بعدم مناصرة أعداء الإسلام والمسلمين تحت أي ظرف، والله تعالى أعلم.
تسمية سورة المجادلة
بعد ما ورد من حديث عن مقاصد سورة المجادلة، جدير بالذكر إنَّ سورة المجادلة سُمِّيت باسم سورة المجادلة لافتتاحها بقضية مجادلة امرأة أوس بن الصامت لرسول الله -عليه الصَّلاة والسَّلام- في أمر مظاهرة زوجها لها، وقد جاء اسمها المجادلة في أغلب كتب التفسير، كما أنَّ هذه السورة المباركة تُسمَّى "سورة قد سمع" لأنَّها افتتحت بهذه الكلمات، قال تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ..}،[١]وسُمِّيت أيضًا في مصحف أبي بن كعب -رضي الله عنه- بسورة الظهار؛ لأنَّها تناولت حطم الظهار في الإسلام بعد أن ظاهر أوس بن الصامت زوجته واشتكت إلى رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-، والله تعالى أعلم.[٧]
حكم الظهار في الإسلام
إنَّ الظهار في الإسلام هو أن يشير الرجل لزوجته بحرمتها عليه كأمه وأخته، والظهار طلاق في الجاهلية، أمَّا في الإسلام فإذا حدث فهو حرام وعليه كفارة كبيرة، وهذا بإجماع أهل العلم، وكفارة من ظاهر امرأته تحرير رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا، كما أنَّ على المسلم التوبة من هذا الفعل وعدم العودة إليه أبدًا، وقد حرَّم الله تعالى الظهار في الآيات الأولى من سورة المجادلة، حيث قال تعالى: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ ۖ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ ۚ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ * وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ۚ ذَٰلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ۖ فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ۚ ذَٰلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ۚ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۗ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ}،[٨]والله تعالى أعلم.[٩]
المراجع
- ^ أ ب سورة المجادلة، آية: 1.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 1691، صحيح .
- ↑ "سورة المجادلة"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 28-06-2019. بتصرّف.
- ↑ "تفسير سورة المجادلة كاملة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 28-06-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة المجادلة، آية: 2-3.
- ↑ سورة المجادلة، آية: 9.
- ↑ "مقاصد سورة المجادلة"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 28-06-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة المجادلة، آية: 2-3-4.
- ↑ "حكم الظهار وكفارته"، www.binbaz.org.sa، اطّلع عليه بتاريخ 28-06-2019. بتصرّف.