مقاصد سورة المدثر

كتابة:
مقاصد سورة المدثر

القرآن الكريم

القرآن الكريم كتابٌ متعبدٌ بتلاوته، وفي كل حرفٍ منه حسنة، والله يُضاعف لمن يشاء، وهو خير الكتب وأفضلها، وقد أنزله الله -تعالى- على نبيه محمد ليكون آخر الكتب السماوية، ومعجزة الإسلام المحفوظة عن التحريف والتبديل، وبدأ نزول القرآن الكريم على رسول الله -عليه الصلاة والسلام- في ليلة القدر في شهر رمضان المبارك، وأول ما نزل منه سورة العلق، أما عدد سوره فهي مئة وأربع عشرة سورة موزعة على ثلاثين جزءًا وستين حزبًا، مرتبة في المصحف الشريف وفق ترتيبٍ معين، أولها سورة الفاتحة وآخرها سورة الناس، ولكل سورة منه مقاصد وسببًا للنزول ومضامين عديدة، وفي هذا المقال سيتم ذكر مقاصد سورة المدثر.

سورة المدثر

سورة المدثر من السور المكية، التي نزلت على رسول الله -عليه الصلاة والسلام- قبل الهجرة النبوية، وعدد آياتها ستٌ وخمسون آية، وقد نزلت سورة المدثر بعد سورة المزمل، ونزلت بعدها سورة الفاتحة، وقد تضمن هذه السورة الكريمة عددًا من الأغراض وهي: تكريم الرسول -عليه الصلاة والسلام- وأمره بإبلاغ رسالة الإسلام، وإعلان وحدانية الله -تعالى-، ونبذ عبادة الأصنام، والأمر بالتطهر المادي والمعنوي، والأمر بالصبر والإكثار من تقديم الصدقات، كما فيها تهديد لمن طعن بالقرآن الكريم وقال عنه بأنه من قول البشر، وتكفير كل من يطعن به وبآياته، وفيه أيضًا إنذارٌ للمشركين بوصف أهوال جهنم، وتحدي لأهل الكتاب، وفيها رد على المشركين الذين استخفوا بعذاب جهنم، وتمثيل ضلال الكفار والمشركين في الدنيا، ومقارنة حالهم بحال المؤمنين المصلين والمزكين والمتصدقين.[١]

سبب تسمية سورة المدثر

لم يرد في القرآن الكريم ولا في السنة النبوية الشريفة أسماء سور القرآن الكريم كما هي عليه الآن، إذ إنّ سور القرآن لم تنزل على النبي -عليه الصلاة والسلام- بهذه الأسماء الموجودة في المصحف الشريف، وجاءت تسميتها بناءً على اجتهاد الصحابة -رضوان الله عليهم-، الذين أطلقوا على كل سورة اسمًا معينًا كي يميزوا السور عن بعضها البعض، وسورة المدثر سميت بهذا الاسم لوجود كلمة المدثر في أول آيةٍ فيها، إذ يقول -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}[٢]، ومن السور الأخرى التي سُميت بهذه الطريقة أيضًا: سورة ص وسورة ن وسورة ق وسورة القمر، وغيرها. [٣]

مقاصد سورة المدثر

أقسم الله تعالى في سورة المدثر بثلاثة أشياء وهي: القمر والصبح عند ظهوره والليل عند إدباره، وذلك في قوله -تعالى-: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ * كَلَّا وَالْقَمَرِ * وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ * وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ * إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ * نَذِيرًا لِلْبَشَرِ * لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ}[٤] [المدثر : 31 - 37]، وبما أن سورة المدثر مكية فقد تحدثت عن أسس العقيدة الإسلامية، إذ إن مقاصد سورة المدثر تدور حول هذه المحاور الرئيسية التي تتحدث عنه جميع السور المكية، وأهمها دعوة الرسول -عليه السلام- إلى الإنذار من الجد والاجتهاد في الدنيا التي هي دار البوار، والنهي عن الاستكبار والإغترار فيها، وهذا في قوله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ * وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ}[٥]، ومن مقاصد سورة المدثر أيضًا بيان زيف الادّعاء بأن القرآن الكريم كلام البشر، وهذا في قوله -تعالى-: {إِنّهُ فكّر وقدّر * فقُتِل كيْف قدّر}[٥]، حيث نزلت هذه الآيات في الوليد بن المغيرة الذي فكر في أن يرد على الرسول -عليه السلام- فيما جاء به من القرآن الكريم، فاخطأ في تقديره، فالقرآن الكريم ليس شعرًا مثل شعر العرب، وليس كلامًا مثل كلام الكهان، وليس سحرًا، إذ يقول -تعالى-: {فَقَالَ إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَٰذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ}[٥]، ومن مقاصدها أيضًا بيان أسباب دخول سقر، وهي نار جهنم التي حذر الله عباده منها، وأنّ الإعراض عن الصلاة وإطعام المساكين والخوض مع الخائضين من أهم أسباب دخولها، بالإضافة إلى التكذيب بيوم الدين، إذ يقول -تعالى-: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ}[٥]، لذلك لن يستطيع الردّ عليه أبدًا، وقتله تقديره، ومن مقاصد سورة المدثر أيضًا الإشارة إلى بشارة الله -تعالى- لأهل الذكر، والدعوة إلى الإيمان، ولوم الكفار على إعراضهم عن الإيمان بالله -تعالى-، والتذكير بوعد الله بالرحمة والغفران، وذلك في قوله -تعالى-: {هو أهْلُ التّقْوى وأهْلُ المغْفِرة}[٥][١]

سبب نزول سورة المدثر

سورة المدثر هي أول سورة نزلت كاملة من سور القرآن الكريم، وعلى الرغم من أن البعض يظنون أن سورة العلق قد نزلت على رسول الله -عليه السلام- دفعة واحدة، إلا أنها لم تنزل كاملة، وأول ما نزل من القرآن الكريم كاملًا هو سورة المدثر، وهذا هو الرأي الأرجح،[٦]، أما عن سبب النزول فهذا يتضح في الحديث الشريف الآتي: قالَ رسولُ اللّه صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو يحدِّثُ عن فَتْرَةِ الوحْي، قال في حديثه: بَيْنا أنا أمْشِي سَمِعْتُ صوتًا منَ السَّماء، فَرفَعت بصرِي، فإذا الملك الذي جاءنِي بحِراءٍ جالِس علَى كرسيّ بيْنَ السَّماء والأرْض، ففرقْتُ منه، فَرَجعْتُ، فَقُلتُ: زملُونِي زملُونِي، فَدَثرُوه، فأنْزل اللَّه تعالَى: {يا أيُّها المُدَّثِّرُ قُمْ فأنْذِرْ ورَبَّكَ فَكَبِّرْ وثِيابَكَ فَطَهِّرْ والرِّجْزَ فاهْجُرْ} - قالَ أبو سَلَمَةَ: وهي الأوْثان الَّتي كان أهْل الجاهلية يعبدونَ - قالَ: ثمَّ تتابع الوَحْيُ.[٧]

المراجع

  1. ^ أ ب " الحاوي في تفسير القرآن الكريم"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 23-06-2019. بتصرّف.
  2. سورة المدثر، آية: 1.
  3. "سبب تسمية سور القرآن بما عليه الآن"، www.binbaz.org، اطّلع عليه بتاريخ 23-06-2019. بتصرّف.
  4. سورة المدثرة، آية: 31- 32- 33- 34- 35- 36- 37.
  5. ^ أ ب ت ث ج سورة المدثر، آية: 1- 2- 3 -4 -5 -6.
  6. "ما هي أول سورة نزلت كاملة؟"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-06-2019. بتصرّف.
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 4954، صحيح.
3189 مشاهدة
للأعلى للسفل
×