مقاصد سورة النبأ

كتابة:
مقاصد سورة النبأ

سورة النبأ

تُعدُّ سورة النبأ سورة من السور المكية التي أنزلها ربُّ السماوات على رسوله -صلَّى الله عليه وسلَّم- بواسطة الوحي جبريل -عليه السَّلام- في مكة المكرمة وهذا ما اعتمده أهل العلم تعريفًا للسُّور المكية، وسورة النبأ من سورة المُفصَّل، يبلغ عدد آياتها أربعين آية، وهي السورة الثامنة والسبعون من ترتيب سور المصحف الشريف، فهي السورة الأولى في الجزء الثلاثين والحزب التاسع والخمسين، نزلت سورة النبأ بعد سورة المعارج، وقد بدأها الله تعالى بالاستفهام، قال تعالى: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ}[١]، وهي من السور التي لم يُذكر فيها لفظ الجلالة أبدًا، وهذا المقال مخصَّص للحديث عن مقاصد سورة النبأ بالتفصيل.

سبب نزول سورة النبأ

من باب التمهيد للحديث عن مقاصد سورة النبأ، يمكن القول إنَّ مجموعة من أقوال السلف الصالح جاءت تبيِّنُ سبب نزول سورة النبأ، ومن هذه الأقوال ما وردَ عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- أنَّه قال: "كانت قريش تجلسُ لمَّا نزَلَ القرآن فتتحدَّثُ فيما بينها؛ فمنهم المصدِّق ومنهم المكذِّب به فنزلتْ: {عمَّ يتساءلونَ}[١]، وهذا دليل على أنَّ هذه السورة المباركة نزلتْ في بدايات البعثة النبوية الشريفة، قيلَ أيضًا: "لما بُعث النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- جعلوا يتساءَلون بينهم فأنزل الله: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ}[٢]، يعني الخبر العظيم"، والله تعالى أعلم.[٣]

مقاصد سورة النبأ

كثيرة هي آيات سورة النبأ وقصيرة هي السورة في نفس الوقت، فهي من سور المفصَّل، وقد تناولت سورة النبأ أكثر من غرض أو مقصد في آياتها الكريمة، ويمكن طرح مقاصد سورة النبأ وفقًا لمجموع آياتها وبتقسيم آيات هذه السورة حسب المواضيع التي تطرَّقت إليها، وهكذا ستكون مقاصد سورة النبأ على الشكل التالي:[٤]

  • مقاصد سورة النبأ من الآية 1 حتَّى 16: تبدأ سورة النبأ بالاستفهام عن سؤال الناس الذين كانوا يسألون عن النبأ العظيم أي الحديث العظيم وقيل النبأ العظيم هو حياة ما بعد الموت، ثمَّ تنتقل السورة إلى طرح الأدلة على أنَّ الله تعالى قادر على البعث والحساب وعلى أنَّ الإنسان سيعيش بعد موته حياة أخرى يصنعها بأعماله، فتطرح الآيات أدلة على عظمة الخالق القادر، كجعل الأرض مهادًا يُمشى عليها والجبال أوتادًا تثبت الأرض بها والخلق والنوم والليل والنهار والسماوات والشمس والمطر والنبات والجنات، قال تعالى: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ * الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ * كَلَّا سَيَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ * أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا * وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا * وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا * وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا * وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا * وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا * وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا * وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا * لِّنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا * وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا}[٥].
  • مقاصد سورة النبأ من الآية 17 حتَّى 30: تشرح الآيات التالية علامات يوم القيامة، من النفخ في الصور إلى اختلال نظام الكون وتغير معالم العالم، ثمَّ يصف النار التي هي بالرصاد للكافرين والمشركين وهي مآبهم ومصيرهم سيعيشون فيها عمرًا طويلًا لا يذوقون فيها إلَّا النار والحميم فهذا جزاء أعمالهم العادل، قال تعالى: {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا * يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا * وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا * وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا * إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا * لِّلطَّاغِينَ مَآبًا * لَّابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا * لَّا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا * إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا * جَزَاءً وِفَاقًا * إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا * وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا * وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا * فَذُوقُوا فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا}[٦]
  • مقاصد سورة النبأ من الآية31 حتَّى 40: تصف هذه الآيات نعيم المؤمنين الفائزين بالجنان يوم الفصل، لهم حدائق متدلية العناقيد، ولهم حور عين كواعب ولهم الأمن والسلام جزاء على ما عملوا في الحياة الدنيا، من الله تعالى الرحيم الكريم، ثمَّ ترجع الآيات لوصف يوم القيامة، اليوم الذي تصطف فيه الملائكة بأمر الله تعالى، واليوم الحق الذي يتمنّى الكافر أن يكون فيه ترابًا خوفًا من العذاب الذي ينتظره، قال تعالى: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا * حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا * وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا * وَكَأْسًا دِهَاقًا * لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا * جَزَاءً مِّن رَّبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا * رَّبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَٰنِ ۖ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا * يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا ۖ لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَٰنُ وَقَالَ صَوَابًا * ذَٰلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ ۖ فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ مَآبًا * إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا}[٧]، والله أعلم.

فضل سورة النبأ

إنَّ لسورة النبأ فضل عظيم في كونها جزء لا يتجزأ وسورة من سور القرآن الكريم، لهذا ففضل تلاوتها من فضل تلاوة القرآن الكريم، وقد دعا رسول الله المسلمين إلى قراءة القرآن الكريم، فالقرآن الكريم شفيع لقارئه وصاحبه يوم القيامة، روى أبو أمامة الباهلي -رضي الله عنه- إنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: "اقْرَؤُوا القُرْآنَ فإنَّه يَأْتي يَومَ القِيامَةِ شَفِيعًا لأَصْحابِهِ"[٨]، أمَّا فضل سورة النبأ بشكل خاص، فقد جاء ذكرها في حديث صححه الألباني، فيما روى وهب بن عبد الله السوائي أبو جحيفة -رضي الله عنه- قال: إنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: "قالوا: يا رسولَ اللهِ! قد شِبْتَ؟! قال: شيَّبتني هودٌ وأخواتُها، وفي روايةٍ: شيَّبتني هودٌ، والواقعةُ، والمرسلاتُ، وعمَّ يتساءلونَ، وإذا الشمسُ كُوِّرتْ"[٩]، والله تعالى أعلم.[١٠].

أسماء سورة النبأ

في ختام الحديث عن مقاصد سورة النبأ وفضلها، يمكن القول إنَّ هذه السورة سُمِّيت بسورة النبأ كثير من سور الكتاب التي تُسمَّى بالكلمات التي تُفتتَحُ بها أو تُذكر في مقدمتها، وقد جاء في صحيح البخاري باسم "عم يتساءلون"، وسماها ابن عطية في تفسيره أيضًا بسورة "عم يتساءلون"، أمَا القرطبي فسمَّاها سورة عم، وسُمِّيت أيضًا سورة التساؤل بسبب افتتاحها بسؤال ووقوع يتساءلون في أولها، وسُمِّيت سورة المعصرات لقول الله تعالى فيها: {وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا}[١١]، أمَّا كتاب الإتقان فأوردها بأسمائها الأربعة وهي: عمَّ، النبأ، التساؤل، المعصرات، والله تعالى أعلم.[٣]

المراجع

  1. ^ أ ب سورة النبأ، آية: 1.
  2. سورة النبأ، آية: 1-2.
  3. ^ أ ب "سورة النبأ"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 23-06-2019. بتصرّف.
  4. "تفسير سورة النبأ للناشئين"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 23-06-2019. بتصرّف.
  5. سورة النبأ، آية: 1-16.
  6. سورة النبأ، آية: 17-30.
  7. سورة النبأ، آية: 31-40.
  8. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي أمامة الباهلي، الصفحة أو الرقم: 804، صحيح.
  9. رواه الألباني، في تخريج مشكاة المصابيح، عن وهب بن عبدالله السوائي أبو جحيفة، الصفحة أو الرقم: 5283، صحيح لغيره وإسناده صحيح.
  10. "فضائل السور المذكورة في السؤال منها الصحيح ومنها دون ذلك"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 23-06-2019. بتصرّف.
  11. سورة النبأ، آية: 14.
3320 مشاهدة
للأعلى للسفل
×