مقاصد سورة فصلت

كتابة:
مقاصد سورة فصلت

سورة فصلت

تعدُّ هذه السورة المباركة من سور القرآن الكريم المكية، وهي السور التي نزلَت قبل هجرة النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة المنورة، وتتناول هذه السور الحديث عن المواضيع المتعلِّقة بالعقيدة وما يحومُ حولها من مسائل بشكلٍ رئيسي، يبلغ عدد آياتها أربعةٌ وخمسون آية، ورقم ترتيبها في المصحف العثماني واحدٌ وأربعون، تقع سورة فصلت في الحزب الثامن والأربعين وفي الجزء الرابع والعشرين، وفي هذا المقال سيَدور الحديث حول سبب نزول سورة فصلت وسبب التسمية ومقاصد سورة فصلت وفضلها.[١]

سبب نزول سورة فصلت

كما في كثير من سور القرآن الكريم، وردَ في أسباب نزول سورة فصلت أكثر من سبب في أكثر من موضع من آيات السورة، ومنها ما ذكرَه عبد الله ابن مسعود -رضي الله عنه- عن سبب نزول الآية في قوله تعالى: {وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَٰكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ}،[٢] فقال في الحديث الصحيح: "اجْتَمع عِنْدَ البَيْتِ ثَقَفِيَّانِ وقُرَشِيٌّ -أوْ قُرَشِيَّانِ وثَقَفِيٌّ- كَثِيرَةٌ شَحْمُ بُطُونِهِمْ، قَلِيلَةٌ فِقْهُ قُلُوبِهِمْ، فَقالَ أحَدُهُمْ: أتَرَوْنَ أنَّ اللَّهَ يَسْمَعُ ما نَقُولُ؟، قالَ الآخَرُ: يَسْمَعُ إنْ جَهَرْنَا ولَا يَسْمَعُ إنْ أخْفَيْنَا، وقالَ الآخَرُ: إنْ كانَ يَسْمَعُ إذَا جَهَرْنَا، فإنَّه يَسْمَعُ إذَا أخْفَيْنَا، فأنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أنْ يَشْهَدَ علَيْكُم سَمْعُكُمْ ولَا أبْصَارُكُمْ ولَا جُلُودُكُمْ}،[٢][٣] والله أعلم.[١]

سبب تسمية سورة فصلت

قبل العروجِ على ذكر مقاصد سورة فصلت سيتمُّ تسليطُ الضوء على سبب تسمية السورة، حيثُ تختلفُ أسبابُ تسمية كلِّ سورة في القرآن الكريم لشأن معيَّن، فمنها ما سُمِّي بسبب أوَّل كلمةٍ فيها مثل: الحاقة، القارعة وغيرها، ومنها ما سُمِّيَ بسبب قصَّة مشهورة اختصَّت السورة بالحديث عنها مثل: البقرة، الكهف وغيرها، ومنها ما سُمِّيَ بسبب ورود كلمة تميَّزَت بها السورة وذلك كما في سورة فصِّلَت وغيرها من سور القرآن الكريم، فقد سُمِّيَت سورة فصِّلت بهذا الاسم لورود كلمة فُصِّلت في إحدى آيات السورة حيثُ يصفُ بها الله تعالى كتابه الكريم، قال تعالى في محكم التنزيل من سورة فصلت: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}،[٤] وتُسمَّى السورة أحيانًا بسورة حم السجدة حتى يتمَّ تمييزها عن بقية السور التي تبدأ بقوله تعالى: {حم}،[٥] وهي السور التي تسمى بالحواميم.[٦]

فضل سورة فصلت

بما أنَّ سورة فصلت من الحواميم في القرآن الكريم فقد وردَ في فضل تلك السور العديد من الأحاديث الشريفة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منها الحديث الصحيح والموقوف والمرسل والضعيف، فقد وردَ في الحديث الصحيح عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه-: "أنَّ رجلًا أتى رسولَ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- فقال: يا رسولَ اللَّهِ أقرِئني، قال: أقرَأْ من ذواتِ: {الر}، قال، يا رسولَ اللَّهِ ثقُلَ لساني وغلظ جسمي، قال: أقرأ من الحواميمِ، فقال مِثلَ قولِه الأوَّل، قال: أقرئكَ من المسبِّحاتِ، فقال مثلَ قولِه الأوَّلِ، قال: عليكَ بالسُّورةِ الجامعةِ الفاذَّةِ {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا}، فقال الأعرابيُّ: حسْبي"،[٧] فذكرَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- سور الحواميم للأعرابي لما فيهنَّ من فضل، وفي حديثٍ آخر موقوف أنَّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "الحَواميمُ ديباجُ القرآنِ"،[٨] وقد قال الألباني عنه أنَّه موضوع في السلسلة الضعيفة.[٩] وبالإضافة إلى ذلك فقد وردَ بعض الأحاديث في فضل سورة فصلت لوحدها، عن الخليل بن مرة: "أنَّ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- كان لا ينامُ حتَّى يقرأَ: تبارك وحم السجدةَ"،[١٠] وهناك بعض الأحاديث الموضوعة التي أوردها مجد الدين الفيروزآبادي في تفسيره، والله تعالى أعلم.[١١]

مقاصد سورة فصلت

بما أنَّ سورة فصلت من السور المكية فقد عنيَت بالجانب العقائدي من الدين الإسلامي، وناقشت العديد من المسائل التي تدور حول أعمدة العقيدة الإسلامية، ومن مقاصد سورة فصلت بدايةً أنَّها تتحدَّث عن كتاب الله تعالى مؤكدةً أنَّه تنزيلٌ من الرحمن الرحيم، وتخبرُ المسلمين أنَّه المعجزة الخالدة التي أيدَ الله بها رسوله -صلى الله عليه وسلم-، قال تعالى: {حم * تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}،[١٢] كما تحدَّثت السورة عن البراهين القاطعة والأدلة الدامغة على إعجاز القرآن، ومن مقاصد سورة فصلت الحديث عن الوحي الذي كلَّفه الله تعالى بالرسالة العظيمة وتبليغها للنبي محمد -صلى الله عليه وسلم- والتأكيد على أنَّ الرسولَ بشرٌ لكنَّ الله اختصَّه بالوحي، قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ ۗ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ}،[١٣] وتناولت أيضًا صور من خلق السماوات والأرض والحياة وعجائب صنع الله فيها، قال تعالى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَىٰ فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا ۚ وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ۚ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}،[١٤] ومن مقاصد سورة فصلت أيضًا الإخبار عن الأقوام السابقة مثل عاد وثمود، وذكرُ أحوال الكافرين والعذاب الذي سيلاقونه في الآخرة عند الله تعالى والندم الذي سيلحقُ بهم بعد فوات الأوان.[١٥]

ومن مقاصد سورة فصلت الحديث عن الكافرين وكيف ضلوا وحادوا عن طريق الهدى في الدنيا، وتذكرُ الغضب الذي سيبدونه تجاه أولئك الذين خدعوهم وأوصلهم إلى طريق الضلال من رفاق السوء وغيرهم، ثمَّ تشيرُ إلى المؤمنين وتبيِّن إكرام الله تعالى لهم في الآخرة، قال تعالى: {نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ}،[١٦] كما تتضمنُ الآيات صفات الدعاةِ إلى الله تعالى ومكانتهم وتشيدُ بالصبر الذي يجبُ أن يتحلى به الداعية، كما تتحدث عن قدرة الخالق -جلَّ وعلا- والأدلة على عظمة خلقه ووحدانيته، قال تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ۚ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}،[١٧] فالليل والشمس والقمر من آياته العظيمة في هذا الكون.[١٨]

ومن مقاصد سورة فصلت أنَّها تشيرُ إلى تكذيب الكفار والمشركين للرسول -صلى الله عليه وسلم- وتواسيه بأنَّ جميع الرسل كُذِّبوا وقيلَ ما قيلَ في رسالاتهم، قال تعالى: {مَّا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ}،[١٩] وتذكرُ الآيات بعض العلوم الغيبية التي لا يعلمها إلا الله، مثل علم الساعة وما تخفي الأكمام من ثمر وما تخفي الأرحام من أجنة، كما تتحدث في النهاية عن النفس البشرية وطمعها في المنافع الدنيوية على حساب الآخرة، ويقطعُ الله وعدًا بأنه سيظهرُ آياته لكل جيل من الأجيال القادمة، قال تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}،[٢٠] وهذه من معجزات القرآن الكريم فإلى اليوم ما يزال البشر يكتشفون الكثير من الآيات العظيمة التي تدلُّ على عظمة الله وعلى أنَّ الإسلام هو الدين الحق عنده تعالى.[٢١]

المراجع

  1. ^ أ ب "سورة فصلت"، www.wikiwand.com، اطّلع عليه بتاريخ 01-07-2019. بتصرّف.
  2. ^ أ ب سورة فصلت، آية: 22.
  3. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 7521، صحيح.
  4. سورة فصلت، آية: 3.
  5. سورة فصلت، آية: 1.
  6. "مقاصد سورة فصلت"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 06-07-2019. بتصرّف.
  7. رواه ابن حجر العسقلاني، في نتائج الأفكار، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 3/271، صحيح.
  8. رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن أبو مسعود، الصفحة أو الرقم: 3835، موقوف.
  9. "عروس القرآن وديباجه"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 06-07-2019. بتصرّف.
  10. رواه البيهقي، في شعب الإيمان، عن الخليل بن مرة، الصفحة أو الرقم: 2/970، إسناده منقطع.
  11. "سورة فصلت"، waww.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 06-07-2019. بتصرّف.
  12. سورة فصلت، آية: 1-3.
  13. سورة فصلت، آية: 6.
  14. سورة فصلت، آية: 12.
  15. "تفسير سورة فصلت للناشئين (الآيات 1 - 24)"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 06-07-2019. بتصرّف.
  16. سورة فصلت، آية: 31-32.
  17. سورة فصلت، آية: 37.
  18. "تفسير سورة فصلت للناشئين (الآيات 25 - 38)"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 06-07-2019. بتصرّف.
  19. سورة فصلت، آية: 43.
  20. سورة فصلت، آية: 53.
  21. "تفسير سورة فصلت للناشئين (الآيات 39 - 54)"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 06-07-2019. بتصرّف.
5979 مشاهدة
للأعلى للسفل
×