مقاصد سورة محمد

كتابة:
مقاصد سورة محمد

السور المدنية والمكية

يشيرُ مصطلح السور المدنية في القرآن الكريم على السور التي نزلت في المدينة المنورة بخلاف السور المكية التي نزلت في مكة المكرمة وهذا أحد الأقوال، أمَّا القول الآخر وهو القول المشهور بأنَّ السور المدنية هي التي نزلت بعد هجرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وإن نزلت في مكة، والسور المكية هي التي نزلت قبل الهجرة وإن نزلت في المدينة، وأمَّا القول الثالث فهو لابن مسعود الذي قال فيه: بأنَّ المكية هي التي خاطبت أهل مكة والمدنية هي التي خاطبت أهل المدينة، وفي هذا المقال سيدور الحديث حول أحد السور المدنية وهي سورة محمد وحول مقاصد سورة محمد وفضلها وشروط الجهاد في سبيل الله.[١]

سورة محمد

قبل الحديث عن مقاصد سورة محمد لا بدَّ من ذكر لمحة عن سورة محمد، حيثُ تعدُّ سورة محمد -صلى الله عليه وسلم- من سور القرآن الكريم المدنية، أي التي نزلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد الهجرة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، ونزلَت بعد سورة الحديد، تقعُ سورة محمد في الحزب الواحد والخمسين وفي الجزء السادس والعشرين من كتاب الله تعالى، عددُ آياتِ السورة 38 آية وترتيبها في المصحف الشريف 47، سمِّيَت هذه السورة بسورة محمد بسبب ورودِ ذكر محمد -صلى الله عليه وسلم- في الآية الثانية من آياتها في قوله تعالى: {والَّذينَ آمنُوا وعمِلُوا الصَّالحاتِ وآمنُوا بمَا نزِّلَ علَى محمَّدٍ وهوَ الحقُّ من ربِّهِمْ كفَّرَ عنهُمْ سيِّئاتِهِمْ وأصلَحَ بالَهُم}[٢]، وتسمى أيضًا سورة القتال لأنها تتحدث عن الجهاد في سبيل الله وأحكامه.[٣]

مقاصد سورة محمد

يعدُّ أهم مقصد من مقاصد سورة محمد هو موضوع الجهاد في سبيل الله وأحكامه، حيثُ تبدأ السورة بإعلان الحرب العامة الشاملةِ على الكافرين أعداء الله تعالى وأعداء هذا الدين القويم، وتؤكدُ السورة أنَّ عمل الكافرين إلى زوال لأنهم اتَّبعوا الكفر والباطل، وأمَّا المؤمنون فإنَّ الله يغفر لهم ويكفِّر عنهم سيئاتهم لاتباعهم ما أنزل الله من الهدى، قال تعالى: {ذلِكَ بأَنَّ الَّذينَ كفَرُوا اتَّبعُوا الباطِلَ وأَنَّ الَّذينَ آمنُوا اتَّبعُوا الحَقَّ منْ ربِّهِم كذَلِكَ يضرِبُ اللَّهُ للنَّاسِ أَمثالَهُمْ}[٤]، ومن مقاصد سورة محمد أيضًا أنَّها تأمرُ المسلمين بأن يخوضوا حربًا ضروسًا ضدَّ الكافرين كما تبيِّن الحكمة من فريضة الجهاد في سبيل الله وتحثُّ عليه وتعلي مكانة الشهداء الذين يقتلون في سبيل الله وتبيِّن أحكام معاملة أسرى الحرب من الكافرين.[٥]

ومن مقاصد سورة محمد أنَّها تلفتُ الأنظار إلى الأمم السابقة وأحوالها وتشيرُ إلى ما وقعَ بهم من هلاك ودمار وعذاب من الله تعالى بسبب الكفر والعصيان، قال تعالى: {أَفلَمْ يسِيرُوا في الأَرْضِ فَينظُرُوا كيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذينَ منْ قَبلِهِمْ دمَّرَ اللَّهُ عَليهِمْ ولِلكَافِرِينَ أمثَالُهَا}[٦]، كما تتطرق إلى الحديث عن المؤمنين والكفار وأحوالهم في الدنيا وفي الآخرة، وتشيرُ أيضًا إلى المنافقين الذين يخفون الكفر ويظهرون الإيمان وتبين علامات نفاقهم من الجبن والخوف من الجهاد ومن الاستخفاف بكلام الرسول -عليه الصلاة والسلام- ومعاملتهم لليهود من دون المؤمنين، قال تعالى: {إنَّ الَّذينَ ارتَدُّوا علَى أدبَارِهِمْ منْ بعدِ ما تبيَّنَ لهُمُ الهُدَى الشَّيطَانُ سوَّلَ لهُمْ وأَمْلَى لهُمْ * ذلِكَ بأَنَّهُمْ قالُوا للَّذِينَ كرِهُوا ما نزَّلَ اللَّه سَنطِيعُكُمْ في بعضِ الأَمْرِ واللَّهُ يعلَمُ إسرَارَهُمْ}[٧]، بعد ذلك تعود لموضوع المشركين الذين يحاربون الإسلام ودعوته، وتدعو المؤمنين لمتابعة الجهاد بكل إمكانياتهم وتحذِّر الذين يبخلون عن الجهاد بأموالهم بأن الله قادرٌ على أن يهلكهم ويأتي بقوم آخرين لا يكونوا مثلهم في البخل والإعراض عن أوامر الله تعالى، قال تعالى: {ها أنتمْ هؤُلَاءِ تدْعَوْنَ لتُنفِقُوا في سبِيلِ اللَّهِ فمِنْكُمْ منْ يَبخَلُ ومَنْ يبْخَلْ فإِنَّمَا يبخَلُ عنْ نفْسِهِ واللَّهُ الغَنِيُّ وأَنْتُمُ الفُقَرَاءُ وإِنْ تتَوَلَّوْا يستَبْدِلْ قوْمًا غيْرَكُمْ ثمَّ لا يكُونُوا أمثَالَكُمْ}[٨]، والله تعالى أعلم.[٩]

شروط الجهاد

بعد الحديث عن مقاصد سورة محمد والتي تدور جميعها حول الجهاد في سبيل الله تعالى وحول أحكامه وبعض الأمور التي تتعلق به، سيتمُّ في هذه الفقرة ذكر شروط الجهاد في سبيل الله وفق ما ذكرها الفقهاء من أهل العلم، وفيما يأتي شروط الجهاد في سبيل الله تعالى:[١٠]

  • الإسلام: وهو شرط رئيسي لأن الجهاد لا يصح من الكافرين نهائيًّا، وقد ورد في الحديث في صحيح مسلم أنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم- خرج إلى بدرٍ فتبعهُ رجلٌ من المشركين، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تؤمنُ بالله ورسوله؟"، قال: لا، قال: "فارجع فلن أستعينَ بمشركٍ".[١١]
  • العقل: وهو شرط من شروط التكليف في الإسلام، والجهاد كغيره من الفرائض لا يصح من المجنون.
  • البلوغ: لأن الجهاد على من هو دون سنِّ البلوغ غير واجب كما ورد في أحاديث النبي -عليه الصلاة والسلام-.
  • الذكورة: فالنساء ليس عليهن جهاد، وفي حديث السيدة عائشة أنها قالت: "قلتُ: يا رَسولَ اللهِ، هل على النِّساءِ من جهادٍ؟، قال: عليهنَّ جِهادٌ لَا قِتالَ فِيه، الحَجُّ والعُمرةُ"[١٢]
  • امتلاك مؤونة الجهاد: وهنا يجب أن يملك المجاهد ما يكفي نفقته ونفقة عياله خلفه.
  • السلامة من كل عجز: لأن الله رفع الجهاد عن أصحاب المرض وعن العاجزين عنه، قال تعالى في محكم التنزيل: {ليسَ علَى الأعمَى حَرجٌ ولَا عَلى الأعرجِ حَرجٌ ولَا علَى المَريضِ حَرجٌ}[١٣]

فضل سورة محمد

كالكثير من سور القرآن الكريم لم يردْ عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أحاديث صحيحة في فضل السورة، وإنما وردَ أحاديث ضعيفة أو موضوعة لا أصل لها، إلا أنَّ فضل السورة كفضل جميع سور القرآن وفي جميعها فضل عظيم لا يعلمه إلا الله وفي قراءتها كما في قراءة القرآن أجرٌ كبير للمسلم، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من قرَأ حَرفًا من كِتابِ اللهِ فلَه به حسَنةٌ، والحَسنةُ بعشْرِ أمثالِها، لا أقولُ {ألم} حرفٌ، ولكن ألفٌ حرفٌ، ولامٌ حرفٌ، وميمٌ حرفٌ""[١٤]، ويكمنُ فضلها في الالتزام بما جاءت به من أحكام تتعلق بأمور الجهاد وبذل الغالي والنفيس في سبيل الله تعالى.[١٥]

المراجع

  1. "الفرق بين السور المكية والسور المدنية والقرائن المميزة لكل منهما"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 21-06-2019. بتصرّف.
  2. سورة محمد، آية: 2.
  3. "سورة محمد"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 21-06-2019. بتصرّف.
  4. سورة محمد، آية: 3.
  5. "مقاصد سورة (محمد)"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 21-06-2019. بتصرّف.
  6. سورة محمد، آية: 10.
  7. سورة محمد، آية: 25-26.
  8. سورة محمد، آية: 38.
  9. "تفسير سورة محمد للناشئين (الآيات 20 - 38)"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 21-06-2019. بتصرّف.
  10. "شروط الجهاد في سبيل الله و من يسقط عنهم الجهاد"، www.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 21-06-2019. بتصرّف.
  11. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة، الصفحة أو الرقم: 1817، صحيح.
  12. رواه المنذري، في الترغيب والترهيب، عن عائشة، الصفحة أو الرقم: 2/165، إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما.
  13. سورة الفتح، آية: 17.
  14. رواه المنذري، في الترغيب والترهيب، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 2/296، إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما.
  15. "سورة محمد"، www.al-eman.com، اطّلع عليه بتاريخ 21-06-2019. بتصرّف.
4964 مشاهدة
للأعلى للسفل
×