محتويات
سورة نوح
سورة نوح من السّور المكيّة، التي نزلت على النّبيّ محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- في مكّة المكرّمة، وهي من سور المفصّل، عدد آياتها ثمانٍ وعشرون آية، وترتيبها في القرآن الكريم الحادية والسّبعون، وقد نزلت سورة نوح بعد سورة النّحل، وبدأت بأسلوب توكيد: {إنّا أرسَلْنَا}[١]، وموقعها في القرآن الكريم في الجزء التّاسع والعشرين، والحزب السّابع والخمسين، والرّبعُ الرّابعِ، وفي هذا المقال سيتمّ التّعرّفُ على مقاصد سورة نوح وعلى سبب تسميتها.[٢]
مقاصد سورة نوح
لمعرفة مقاصد سورة نوح، فقد ابتدأت السورة بقول الله -تعالى-: {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ}[٣]، لقد جاء الأنبياء ليحذروا البشريّة من الأخطار التي تداهمهم وتفاجئهم وتهلكهم، قال الله تعالى: {أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [٤]، فالأنبياء مطيعون لله -تعالى- فيما أمرهم، ويسعدهم ذلك، قام نوح -عليه السّلام- على الفور مثل كلّ الأنبياء الذين جاؤوا من بعده بعد أن جاءه الأمر الرّبانيّ بالدّعوة، فنادى قومه، بقوله تعالى: {يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ}[٥]، بكلّ رحمة وحبّ: "يَا قَوْمِ"، رغم أنهم جُهّال، ضُلّال، إلّا أنّه دعاهم بلين ورفق، وقرّب نفسه منهم قائلًا لهم: إنّ الله -سبحانه وتعالى- يتوعّدكم بعذاب ينتظركم، فاتقوا الله وأطيعوني فيما آمركم به، لكنّهم خذلوه، وحاولوا أن يصدّوه عن دعوته، واستمرّوا في عبادتهم لأوثانهم وطغيانهم.[٦]
أوضحت السورة الكريمة جهاد نوح -عليه السّلام- في دعوته وعدم ضعفه أو تراجعه أمام الكفرة والمجرمين والطواغيت في سبيل تبليغها على الوجه الذي يرتضيه الله -سبحانه وتعالى- فقد كان يعمل عملًا متواصلًا دون كلل أو ملل، {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا، فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا}.[٧] من الكبر والجهل، ثمّ تبيّن لنا السّورة إصرار نوح في متابعة دعوته، واستخدامه لجميع الوسائل والطّرق في سبيل تبليغ رسالته وإيصالها كما أرادها الله –تعالى- {وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ} سدوا أذانهم تمامًا، {وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ}.[٨] أي غطّوا وجوههم بثيابهم لئلّا يرَوا وجوه الأنبياء النّيّرة، فالعيب ليس في الوحي ولا في الدّعوة، إنّما العيب فيهم، فهم لا يريدون أن يغيّروا أنفسهم، قال الله تعالى: {ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا}.[٩][٦]
لم يترك نوح -عليه السّلام- حالًا ولا هيئة ولا طريقة إلا كلّمهم بها، ثمّ عاد ودعاهم إلى التّوبة والإنابة والاستغفار لذنوبهم وتقصيرهم، وإنّ ذلك سيغدق عليهم الخيرات والنّعم من المال والبنين والثّمرات والأرزاق، ولكنّهم أصرّوا على ضلالهم وكفرهم، {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا*يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا}[١٠]، ثمّ يخبر نوح ربّه –عزّ وجلّ- بأنّ قومه تمادوا في عصيانه ولم يعودوا إلى رشدهم، وأنّهم اتّبعوا الطواغيت من أصحاب المال والجاه، والذين لن يزيدوهم إلّا ضلالّا وبعدًا عن الحقّ، قال الله تعالى: {إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا}[١١]، وبعد أن يئس نوح من قومه، وعلم بأنّهم لا فائدة ترجى منهم، دعا عليهم بالهلاك والفناء، حتّى لا يكونوا سببًا في ضلال غيرهم: {إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا}.[١٢] ويزيد نوح -عليه السلام- في دعائه على الظالمين، قال تعالى: {وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا}[١٣]، أي: إلا هلاكًا فوق هلاكهم، هذا في الدّنيا فقط.[٦]
كلّ هذا التّرهيب والتّرغيب ما زادهم إلّا ضلالًا وبعدًا عن الحقّ، ثمّ يخبر القرآن المسلمين عن حدث عظيم بكلمات قلائل، فقال الله -عز وجل-: {أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا}[١٤]، بسبب طغيانهم وكفرهم، ولم يجدوا لأنفسهم بعد ذلك أنصارًا، أمّا المؤمنون فقد وصلوا إلى المغفرة، وجاء ذلك في قوله تعالى: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}[١٥][٦]
سبب تسمية سورة نوح
سورة نوح الله سبحانه وتعالى- سمّاها بهذا الاسم، فأسماء السور توقيفيّ من عند الله، ولولا ذلك لتعدّدت الأسماء، واختلفت بين مكان وآخر، وبين زمان وزمان، سماها سورة نوح نسبة إلى صاحب القصّة نبيّ الله نوح -عليه السلام- وكلمة نوح في اللغة العربيّة من “النياحة”، والنياحة تكون وقت الحزن، وكأنّ هذه السّورة تشير إلى ما يعانيه النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّمَ- والمؤمنون بمكة، ومعاناة المؤمنين من الكافرين شديدة في كل زمان ومكان يعانون من الكافرين ما يجعلهم ينوحون كالنّساء، ومع ذلك فإنّهم صابرون، فالمؤمنون قابضون على دينهم لا يفلتونه ولا يتخلّون عنه، إنما ينتظرون نصرالله -عزّ وجلّ- بعزة وكرامة.[١٦]
أسباب نزول سورة نوح
لقد نقلت هذه السّورة بآيات قلائل حوادث عصر دام حوالي عشرة قرون من الزّمن، وهي سيرة شيخ الأنبياء نوح -عليه السّلام- ومعاناته مع قومه، منذ بداية دعوته وحتى إغراق قومه بالطّوفان، وما ذلك إلّا من بلاغة القرآن الكريم، ومن إعجاز الله لخلقه، فقد جاءت هذه السّورة لتعطي لكلّ عبد درسًا وعبرة، ولتخبر النّبيّ محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- بأنّه إن أوذي من قومه، فقد أوذي قبله نوح -عليه السّلام- من قومه، ولتثبّت رباطة جأش المؤمنين بأنّ النّصر قادم مهما تعرضّوا للأذى، فقد كان مع نوح عدد قليل، وقد انتصروا على الباطل رغم قلّتهم، عندما نجّاهم الله -تعالى- من الغرق في الطّوفان بسفينة نوح التي أوحى الله إليه بصنعها، وأغرق الكفرة والمجرمين، فستنجون -أيّها المؤمنون- أنتم ورسولكم، لطالما صدقتم في إيمانكم وعقيدتكم، {وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ}[١٧]، وكانت كذلك رسالة إلى الكافرين بأنّهم مهما طغوا، ومهما نكّلوا بالمستضعفين من المؤمنين، فانتقام الله منهم قادم، لطالما بقوا على ما هم عليه من الظّلم والكفر والطّغيان، قال الله تعالى: {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}[١٨][١٩]
الدروس المستفادة من سورة نوح
القرآن الكريم دستور هذه الأمّة، ولو تمسّكوا بما فيه من دروس وتوجيهات، فلن يضلّوا الطّريق أبدًا: " تركتُ فيكم شيئَينِ، لنْ تضِلّوا بعدهما: كتابَ اللهِ، وسُنَّتي..."[٢٠]وفي سورة نوح دروس وعبر على الإنسان العاقل المتبصّر أن يعيها، ومنها:[٢١]
- عدم الانقياد والانجرار خلف العصاة والبعيدين عن نهج الإيمان، حتّى ولو كانوا أصحاب مكانة وسلطة، لأنّهم لن يستطيعوا أن يحموا أتباعهم من عذاب الله، {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَ، وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَ}.[٢٢]
- الخوف من الله -تعالى- والوقوف عند حدوده، والإسراع بالتوبة من كلّ ذنب ومعصية، واستغفاره واللّجوء إليه وكثرة الدّعاء يوسع الرّزق، ويبارك فيه.
- ضرورة النّظر والتّفكّر في عظيم إبداع خلق الله -تعالى- في هذا الكون، في سمائه وأرضه، وبرّه وبحره، ونهاره وليله، وشمسه وقمره ونجومه، ومدى خدمة كلّ أولئك للإنسان.
المراجع
- ↑ سورة نوح، آية: 1.
- ↑ "سورة نوح"، www.library.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 22-06-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة نوح، آية: 1.
- ↑ سورة نوح، آية: 1.
- ↑ سورة نوح، آية: 2.
- ^ أ ب ت ث "تفسير سورة نوح"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 22-06-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة نوح، آية: 5-6.
- ↑ سورة نوح، آية: 7.
- ↑ سورة نوح، آية: .9.
- ↑ سورة نوح، آية: 10-11-12.
- ↑ سورة نوح، آية: 21.
- ↑ سورة نوح، آية: 27.
- ↑ سورة نوح، آية: 28.
- ↑ سورة نوح، آية: 25.
- ↑ سورة نوح، آية: 28.
- ↑ "قصة نوح عليه السلام"، www.kalemtayeb.com، اطّلع عليه بتاريخ 22-06-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة محمّد، آية: 35.
- ↑ سورة البروج، آية: 8.
- ↑ "قصّة نوح عليه السّلام"، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 22-06-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه محمد جار الله الصعدي، في النوافح العطرة، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم: 100، صحيح.
- ↑ "تفسير سورة نوح"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 22-06-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة الأحزاب، آية: 66-67.