مقالة جدلية حول الفلسفة الإسلامية

كتابة:
مقالة جدلية حول الفلسفة الإسلامية

التعريف بالفلسفة الإسلامية

تُعرَّف الفلسفة الإسلامية بأنَّها: مجموع النَّظريات التي تتعلَّق بحقائق الوجود والتي تُحاول تَفسيرها، ومَعرفة دور الإنسان في هذا العالم، وتحديد علاقته بالكون وببقيَّة الكائنات الأخرى، كما تُحاول كذلك تحديد النَّمط الأفضل لكيفيَّة معيشة الإنسان، وهي في هذه الأمور كلِّها تستند على الوحي وما يَشمله من عقيدةٍ، وأخلاقٍ، وتعاملات، للوصول إلى هذه التَّفاسير، لا على البَحث والعَقل المُجرّد لوَحدهم.[١]


الجدل في وجود فلسفة إسلامية

مرَّت الفلسفة الإسلامية بالعديد من المراحل، وكان من أبرز هذه المراحل مرحلة إنكار وجود الفلسفة الإسلامية أصلاً والتَّشكيك فيها، وقد عَلَتِ الأصوات التي تُشكِّك في وجود الفلسفة الإسلامية بالتَّحديد في القرن التاسع عشر، وكان من نتائج هذا التَّشكيك الظنَّ بأنَّ الإسلام يُحارب العقل، والبحث والتَّنقيب، والنَّظر الحر، وأنَّه يدعو إلى تكميم الأفواه والعُقول، وأنَّه يُحارب العلم والعُلماء.[٢]


كما أنَّ البعض قام بإنكار وجود فلسفةٍ عربيةٍ بالمُطلق فضلاً عن وجود فلسفةٍ إسلامية، واتُّهم العرب بأنَّ جُلَّ ما قاموا به هو فقط نَقل العلوم والمَعارف اليونانيَّة إلى البُلدان العربيَّة في القرنين السَّابع والثَّامن، وأنَّهم لم يَقوموا بأيِّ جُهدٍ يُذكر أو أيِّ إضافةٍ تستحقُّ أن تُسند إليهم، ولكنَّ هذا الكلام مَردودٌ على قائليه؛ إذ إنَّ الفلسفة الإسلامية موجودةٌ، بل وتتميَّز عن نظائرها من باقي الفلسفات؛ إذ إنَّها فلسفةٌ دينيَّةٌ رُوحيَّة، وتبحث في مواضيع لم تتطرَّق إليها باقي الفَلسفات وبطرقٍ مُميَّزة، وتُعالج الصِّلة بين الله -تعالى- ومخلوقاته، وتُحاول أن تُوفِّق بين العقل والوَحي، بل وتُثبت للنَّاس أنَّ الوحيَ والعقل لا يتناقضان، وهذا ما يُميِّز الفلسفة الإسلامية عن بقيَّة الفلسفات الأخرى.[٣]


جدليّة تأثّر الفلسفة الإسلامية بالفلسفة اليونانية

بالرُّغم من إنكار الأصوات المُشكِّكة في وجود الفلسفة الإسلامية، إلا أنَّه لا يُنكر أبداً ما للفلسفة الإسلامية من تَأثُّرٍ بالفلسفة اليونانية وبعلمائها، وأخْذ الفلاسفة المسلمين الكثير من فلسفاتهم من مثل الفيلسوف أرسطو، وأفلاطون، وغيرهم من فلاسفة اليونان، ولا تُعدُّ هذه تهمةً من الأساس حتى يتمّ إنكارها أو تبريرها؛ إذ إنَّ هذا هو دَأب العلم والعُلماء في الأخذ من الأمم التي سَبقتهم، ومن ثمَّ وَضْع لمساتهم وإضافاتهم عليها، ليأتي لاحقاً من يقوم بمثل ما فعلوه، وليأخذ منهم ما انتهى إليه العُلماء ويَستكمل الطَّريق بعدهم.[٤]


ولكن التَّأثُّر والأخذ عمَّن سَبقنا لا يعني أنَّ دور فلاسفة المسلمين كان سلبياً واقتصر على التَّقليد والمُحاكاة فقط؛ فلا يستطع أحدٌ أن يُنكر ما أضافه الفلاسفة المُسلمين على هذه الفلسفات، بل إنَّهم خَرجوا بفلسفاتٍ جديدةٍ أيضاً، كما أنَّ اختلاف البيئات التي عاش بها الفلاسفة المسلمين عن بيئات الفلاسفة اليونانيّين كفيلٌ لوحده بأن يُخرج مزيجاً مُتنوِّعاً ومُختلفاً عن سابقيه، بالإضافة إلى دور الثَّقافة الإسلامية الكبير والذي لَعبه في بَلورة الفلسفة الإسلامية، وهذا ما افتقرت إليه الفلسفة اليونانية، فلا شكَّ أنَّ كلَّ تلك العوامل المُختلفة بين البيئتين قد شكَّلت فَلسفتين مُختلفين ويَستحيل أن تَكونا مُتطابقتان مع وجود كل هذه المتغيِّرات.[٤]


أثر الفلسفة الإسلامية على الفلسفة عموما

كان للفلسفة الإسلامية على الفلسفة عُموماً عظيم الأثر، وفيما يأتي بيان ذلك:[٥]

  • حِفظ الفلسفات القديمة من الضَّياع: حيثُ قام الفلاسفة المسلمون بحِفظ الفلسفات القديمة وخاصَّة الفلسفة اليونانيَّة من الضَّياع؛ بعد أن قام الغَيْر بمحاولة إخفاء وإزالة أيّ أثرٍ من آثار الفلسفة اليونانيَّة بعد أن دخلت اليونان، خوفاً من تَأثير الفلسفة اليونانيَّة على ديانتهم، ولولا جُهود العُلماء المسلمين في محاولة إبقاء هذه العُلوم والفلسفات لكانت الآن هباءً مُنبثّاً.
  • نَقل الفلسفات اليونانيَّة إلى العربيَّة: والقيام بتدريسها وتَفسيرها ونَشرها، ومن ثمَّ قاموا بالإضافة عليها بما يُميِّزهم من أمورٍ لم تتواجد لدى الفلاسفة اليونانين.
  • الاهتمام بالعلم والتَّعلم والتَّفكر: وانعكاس هذه القيم التي حضَّ عليها الدِّين الإسلامي على مُنتجات الفلاسفة اليونانين وعُلومهم، وحِرصهم البالغ على تقدير العلم والعلماء، ونَشر العلوم المُختلفة إلى أرجاء العالم قاطبةً؛ وأمثلة ذلك عديدة تكاد لا تنحصر، لكن نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر منجزات المسلمين في الحِساب واستخدامهم للصِّفر، وتحديد علامة الجُذور، وتسهيل العلميات الحسابيَّة، وإنجازاتهم في الجَبر؛ حيث وضعوا القواعد الأساسيَّة لعلم الجَبر، وفي علم الطِّب الذي نَبغ فيه العلماء المسلمين، وغيرها من الإضافات الكثيرة في علوم الهندسة، والمُثلّثات، والعلوم التَّجريبيَّة.


خصائص الفلسفة الإسلامية

تتميَّز الفلسفة الإسلامية بالعديد من الخصائص، نذكر أهمها فيما يأتي:[٦][٧]

  • فلسفة مُهجَّنة؛ أي أنَّ فيها العديد من الأفكار مُتعدّدة الاتجاهات والمصادر.
  • فلسفة إلهيَّة الطَّابع.
  • فلسفة إيجابية ومُنفتحة على الغير.
  • فلسفة مُتجدِّدة ونَامية.
  • فلسلفة ذات مناهج متعدِّدة، وذات مفهوم جديد للعِلم.
  • الاهتمام بالعُلوم الاجتماعية والإنسانية.
  • فلسفة عقليَّة، تُعمِل العقل وتأخذ بأحكامه ولا تُلغيه بالمُطلق.
  • فلسفة تُؤمن بوحدة المَعرفة والحقيقة.
  • فلسفة تَشترك مع الفلسفة اليونانيّة وفلاسفتها في أمور، وتختلف عنها في أمور أخرى.
  • فلسفة تحتوي على نقدٍ بناء؛ إذ إنَّ العديد من الفلاسفة المسلمين نقدوا الفلسفة اليونانيَّة، وأفكارها، وفلاسفتها.


موضوعات الفلسفة الإسلامية

تبحث الفلسفة في العديد من القضايا، ولكنَّ مِحورها الرَّئيسي الذي تبحث فيه والذي يُشكِّل العمود الفقريِّ لها هو مَبحث الوُجود والمَوجود، وكلُّ ما يتعلَّق بالمَوجودات من أحكامٍ عامَّة تشترك جميعها فيه دون أن تَختصَّ بأحدها دون الآخر، وهذا المبحث يشمل العديد من الحيثيَّات المُتعلِّقة بالوُجود والعدم، وأقسام الوُجود، والقوانين العامَّة الحاكمة على الوجود، ومَراتب وطبقات الوجود، والعلاقة بين الموجودات المُختلفة.[٨]


كما تميَّزت الفلسفة الإسلامية عن بقيَّة الفلسفات في طابعها الدِّيني، وأخذها بالوَحي وما تضمَّنه من أفكارٍ وعقائد في تفسير جوانب الوجود والموجودات المختلفة في الحياة وأدوار كلٍّ منها، كما أنَّها أخذت بالجانب الدِّيني في محاولة إعادة تعريف العديد من المُصطلحات والعلاقة فيما بينها؛ مثل مفهوم الصَّواب والخطأ، النَّفس والعقل، الظَّن واليقين، الفطريٍّ والمُكتسب، أنواع الفَضائل وتقسيماتها، مما يعني وجود الأثر البارز للجانب الدِّيني في تشكيل الفلسفة الإسلاميَّة وأبعادها. كما أنَّ الفلسفة الإسلامية تحتوي على جانبيّ التَّطبيق العملي والفكر النَّظري، وهذا نِتاج النَّظرة الشمولية التي حملها أصحاب الفلسفة الإسلامية لمفهُوم الفلسفة، لتشمل الفلسفة عندهم كافَّة العلوم باختلاف مَوضوعاتها من طبٍ، وكيمياءٍ، وفلكٍ، وغيرها، بالإضافة إلى البُحوث الكَلاميَّة والصُّوفية، وجوانب من أصول الفقه الإسلامي.[٩]


المراجع

  1. مقداد يالجن (2003)، علم الأخلاق الإسلامية (الطبعة الاولى)، السعودية: دار عالم الكتب للطباعة والنشر، صفحة 14. بتصرّف.
  2. كامل عويضة (1995)، الفلسفة الإسلامية (الطبعة الاولى)، لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 98. بتصرّف.
  3. إبراهيم مدكور (1947)، في الفلسفة الإسلامية، مصر: دار إحياء الكتب العربية، صفحة 9-15. بتصرّف.
  4. ^ أ ب إبراهيم مدكور (1947)، في الفلسفة الإسلامية (الطبعة الاولى)، مصر: دار إحياء الكتب العربية، صفحة 18-19. بتصرّف.
  5. عمر فروخ (1952)، أثر الفلسفة الأسلامية في الفلسفة الأوروبية (الطبعة الثانية)، لبنان: مكتبة ميمنة، صفحة 19-20. بتصرّف.
  6. زكريا إمام (1998)، تاريخ الفلسفة الإسلامية (الطبعة الاولى)، السودان: الدار السودانية للكتب، صفحة 11-18. بتصرّف.
  7. محمد مقبل (2010)، مدخل إلى الفلسفة العربية الإسلامية (الطبعة الاولى)، اليمن: دار جامعة عدن للطباعة والنشر، صفحة 31-32. بتصرّف.
  8. عبدالجبار الرفاعي (2001)، مبادئ الفلسفة الاسلامية (الطبعة الاولى)، لبنان: دار الهادي للطباعة والنشر، صفحة 67-69، جزء 1. بتصرّف.
  9. إبراهيم مدكور (1947)، في الفلسفة الإسلامية، مصر: دار إحياء الكتب العربية، صفحة 16-17. بتصرّف.
16025 مشاهدة
للأعلى للسفل
×