محتويات
من ماذا خلق الإنسان؟
من ماذا خلق آدم؟
بدء الله -سبحانه وتعالى- بخلق الإنسان من الماء؛ إذ إنّ الماء دخل في خلق كلّ حيّ أوجده الله -سبحانه وتعالى-؛ قال -تعالى-: (وَجَعَلنا مِنَ الماءِ كُلَّ شَيءٍ حَيٍّ)،[١] وقال -تعالى-: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا)،[٢] ثمّ دخل مع الماء التّراب؛ حيث كان التّراب أساساً في خلق آدم -عليه السّلام-، قال -تعالى-: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّـهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ).[٣][٤]
كما أنَّ التّراب يدخل في تكوّن الإنسان، فمن التراب النّبات، ومن النّبات الغذاء، ومن الغذاء الدّم، ومن الدّم النّطفة المكوّنة للجنين، وأمّا العنصر الثّالث في خلق الإنسان؛ فهو الطّين النّاتج عن مزيج الماء بالتّراب، والطّين الذي تكوّن منه آدم -عليه السّلام- هو طين لزج متماسك، وصفه الله -سبحانه وتعالى- فقال: (إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لَّازِبٍ)،[٥][٤] فيصير يابساً بعد مدّة، وهو ما قال عنه -تعالى-: (وَلَقَد خَلَقنَا الإِنسانَ مِن صَلصالٍ مِن حَمَإٍ مَسنونٍ)،[٦] ثمّ يصير صلصالاً.[٧]
وبذلك اكتمل خلق آدم -علسه السلام- بعد أن خلق الله -سبحانه وتعالى- جسده من الطّين ثمّ نفخ فيه الرّوح، أمّا الإنسان يبقى في بطن أمّه بعد نفخ الرّوح فيه خمسة أشهر، ثمّ يستمر جسده في النموّ.[٨]
من ماذا خلق الانسان؟
ذكر القرآن الكريم المراحل السّبعة التي يمرّ بها خلق الإنسان في قول الله -تعالى-: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ*ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ*ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّـهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)،[٩] وقد أثبت العلم الحديث هذه المراحل كلّها.[١٠]
والآيات توضّح أصل خلقة الإنسان التي هي من طين؛ ذلك أنّ النّطفة أصلها الغذاء، والنّطفة هي ما يخرج من الرّجل من الحيوانات المنويّة إلى رحم المرأة، ثم تُصبح علقة تعلق في رحم المرأة لتصير بعدها علقة، ثمّ مُضغة تشبه قطعة اللّحم الممضوغة، ومن المضغة تبدأ العظام بالتكوّن، وبعد العظام اللّحم، لتكتمل جميع الأعضاء فيكون بذلك إنساناً، في أحسن صورة وفي حالة استواء واعتدال.[١١]
ويكون الإنسان في أوّل عمره في حالة ضعف، ثمّ في قوّة، ويعود بعدها إلى الضّعف، ثمّ يموت الإنسان في نهاية المطاف، وبعد ذلك يُحييه الله -سبحانه وتعالى- ليبعثه ويحاسبه على أعماله، فإمّا الجنّة أو النّار.[١٢]
خلق الإنسان في أحسن صورة
أنعم الله -سبحانه وتعالى- على الإنسان بأن خلقه في أحسن صورة، وقد ذكر القرآن الكريم ذلك، فقال -تعالى-: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ)،[١٣] ومظاهر ذلك الأمر تتجلّى في أنّ الله -سبحانه وتعالى- خلقه دون عيب أو نقص أو خلل، وهو ما يدلّ على قدرة الله -سبحانه وتعالى-.[١٤]
وجعل هذا الجمال متفاوت بين إنسان وآخر، حيث جعل سيّدنا محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- أجمل النّاس، وأتمّهم في خِلقته وأخلاقه، كما أنّه اتّصف بمحامد الأخلاق جميعها، فقال فيه -تعالى-: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)،[١٥][١٦]ويظهر تكريم الله -تعالى- للإنسان لمّا أمر الملائكة بالسّجود له، قال -تعالى-: (فَإِذا سَوَّيتُهُ وَنَفَختُ فيهِ مِن روحي فَقَعوا لَهُ ساجِدينَ).[١٧][١٨]
الحكمة من خلق الإنسان
جعل الله -عزّ وجلّ- خلق الكون للدّلالة على قدرته، وقوّته، وعظمته، فإذا تفكّر الإنسان في الكون من حوله وأدرك ذلك أقبل على خالقه، وقام بحقّ الله -سبحانه وتعالى- في عبوديّته وطاعته، وحقّق مُراد الله في قوله -تعالى-: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ*مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ*إِنَّ اللَّـهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ).[١٩][٢٠]
وقد ميّز الله -سبحانه وتعالى- الإنسان عن غيره من المخلوقات بالعقل، فحمل أمانة التّكليف والمسؤولية، قال -تعالى-: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا)،[٢١] ليُفكر بعقله ويختار الطّريق الذي يسير فيه، وليس ذاك لأحد إلّا للإنسان.[٢٢]
كما ميّزه الله -سبحانه وتعالى- الإنسان عن باقي المخلوقات وكرّمه، ووهبه العلم الذي يحصل عليه بالتفكّر، والممارسة، والتّجربة، والرّؤية، ثمّ للحفاظ على هذا العلم علّم الإنسان الكتابة التي ساعدت على تناقله من جيل إلى جيل، لكي يحفظونه ويتّسعون فيه، قال -تعالى-: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ*خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ*اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ*الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ*عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ).[٢٣][٢٢]
وقد جعل الله -سبحانه وتعالى- العبادة مليئة بالابتلاءات التي يجهلها العبد أثناء القيام بها، فأخبره الله -سبحانه وتعالى- أنّ هذا الأمر مُقدّر على الإنسان، وعليه أن يمضي سائراً في طريق العبادة، متزوداً بالعلم الذي يزيده إيماناً ويقيناً بالله تعالى،[٢٤] وفي ذلك دلالة على تفرّد الله -عزّ وجلّ- بالألوهيّة، ونعمه التي أنعم بها على الإنسان.[٢٥]
المراجع
- ↑ سورة الأنبياء ، آية:30
- ↑ سورة الفرقان ، آية:54
- ↑ سورة آل عمران ، آية:59
- ^ أ ب مجموعة من المؤلفين (2002)، الموسوعة القرآنية المتخصصة، مصر :المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، صفحة 779-781. بتصرّف.
- ↑ سورة الصافات ، آية:11
- ↑ سورة الحجر ، آية:26
- ↑ محمد التويجري ، موسوعة فقه القلوب، صفحة 572. بتصرّف.
- ↑ ابن تيمية (1999)، الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح (الطبعة 2)، السعودية :دار العاصمة، صفحة 317، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ سورة المؤمنون ، آية:12-14
- ↑ عبد الرحمن محمود ، رحلة إيمانية مع رجال ونساء أسلموا، صفحة 201. بتصرّف.
- ↑ حسين المهدي ، صيد الأفكار في الأدب والأخلاق والحكم والأمثال، صفحة 95-97. بتصرّف.
- ↑ محمد الشوكاني (1414)، فتح القدير (الطبعة 1)، دمشق/ بيروت :دار ابن كثير/ دار الكلم الطيب ، صفحة 423، جزء 6. بتصرّف.
- ↑ سورة التغابن ، آية:3
- ↑ ناقص ، القيم الإسلامية، صفحة 91. بتصرّف.
- ↑ سورة القلم ، آية:4
- ↑ محمد التويجري ، موسوعة فقه القلوب، السعودية :بيت الأفكار الدولية، صفحة 327، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ سورة الحجر ، آية:29
- ↑ حسين المهدي ، صيد الأفكار في الأدب والأخلاق والحكم والأمثال، صفحة 454. بتصرّف.
- ↑ سورة الذاريات ، آية:56-58
- ↑ محمد التويجري (2009)، موسوعة الفقه الإسلامي (الطبعة 1)، السعودية :بيت الأفكار الدولية ، صفحة 342، جزء 6. بتصرّف.
- ↑ سورة الأحزاب ، آية:72
- ^ أ ب محمد عافية (1994)، القرآن وعلوم الأرض (الطبعة 1)، القاهرة :الزهراء للإعلام العربي، صفحة 7-8. بتصرّف.
- ↑ سورة العلق ، آية:1-5
- ↑ مجموعة من المؤلفين (2002)، الموسوعة القرآنية المتخصصة، مصر :المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، صفحة 774. بتصرّف.
- ↑ ابن عاشور (1984)، التحرير والتنوير، تونس :الدار التونسية للنشر، صفحة 233، جزء 27. بتصرّف.