تفاضل الأنبياء والرسل
ممّا لا شكّ فيه أنّ الأنبياء والرسل هم أفضل بني البشر، إلّا أنّ الله -عزّ وجلّ- فضّل بعضهم على بعض، فالرسل أفضل من الأنبياء لأنّ الرسل يبعثون لأقوامٍ كفار ومكذبين، أمّا الأنبياء فيبعثون خلفًا لأنبياء قبلهم، وحتى أنّ الله -تعالى- فضّل من الرسل خمسًا وأسماهم أولي العزم، قال -عزّ وجلّ- {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ}[١]، وسيتحدّث هذا المقال عن أولي العزم من الرسل.[٢]
معنى أولي العزم
العزم لغةً هو عقد النية على عملٍ ما والإصرار عليه، وأولو العزم من الرسل هم الرسل الذين تميّزوا بالصبر العظيم على ما لحق بهم من أذى في سبيل الله -عزّ وجلّ- أكثر من غيرهم من الأنبياء، ورد عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "يا عائشةُ إنَّ اللهَ لم يرضَ من أولي العزمِ من الرُّسلِ إلَّا الصَّبرَ على مكروهِها والصَّبرَ عن محبوبِها، ثمَّ لم يرضَ إلَّا أن كلَّفني ما كلَّفهم فقال تعالَى : فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ"[٣]، وهم أصحاب الهمّة العالية في الدعوة النبويّة رغمّ كلّ الصعوبات، والثبات على الحقّ ومواجهة الباطل والمحاولة بشتى الطرق هداية الناس لدين الله -تعالى-، ولهذا فقد كانت مكانتهم عاليةً عند ربهم، بل هم في أعلى وأسمى المراتب وقد فضلهم الله -عزّ وجلّ- على العالمين جميعًا.[٤]
من هم أولو العزم من الرسل
أولو العزم من الرسل خمسة، أفضلهم عند الله هو الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- ويليه ابراهيم ونوح وموسى وعيسى -عليهم السلام-، وقد ذكرهم الله -عزّ وجلّ- في الآية الكريمة، {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۖ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا}[٥]، هؤلاء الرسل فضّلهم الله -تعالى- على باقي الأنبياء والرسل، حتى أنّه خصّ كل رسولٍ منهم بشيءٍ خاصٍ به أيضًا، فمثلًا:[٦]
- محمد -عليه الصلاة والسلام-: خصّه بأنّه خاتم الأنبياء ومعجزته القرآن الكريم الخالد إلى يوم يبعثون، وأنّه سيد بني آدم يوم القيامة، وهو أول من ينشق عنه القبر يومها وأول شفيعٍ للمسلمين وأول من تُقبل شفاعته، قال -صلى الله عليه وسلّم- "أنا سَيِّدُ ولَدِ آدَمَ يَومَ القِيامَةِ، وأَوَّلُ مَن يَنْشَقُّ عنْه القَبْرُ، وأَوَّلُ شافِعٍ وأَوَّلُ مُشَفَّعٍ".[٧]
- نوح -عليه السلام-: خصّه الله -عزّ وجلّ- بأنّه أول رسولٍ لبني آدم وأطلق عليه اسم العبد الشكور، فقد قال -تعالى- في محكم كتابه: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا}.[٨]
- ابراهيم -عليه السلام-: خصّه الله -تعالى- بأن جعله إمامًا للمسلمين وكان هو أولّ من بنى الكعبة المشرفة، وقد جعلها الله بيته وجعلها قبلةً للمسلمين، قال -تعالى- { وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ۖ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ۖ قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۖ قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}[٩]، كما اتخذه خليلًا له {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۗ وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلً}.[١٠]
- موسى -عليه السلام-: خصّ الله -عزّ وجلّ- موسى -عليه السلام- بأن جعله كليمه، فكلّ رسولٍ كان يتلقى من ربه الأوامر الإلاهية عن طريق الوحي، إلّا سيدنا موسى-عليه السلام- فقد كلمه مباشرةً، قال -تعالى- { قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ}.[١١]
- عيسى -عليه السلام-: خصّه الله -جلّ وعلا- بأنّه روحٌ منه وكلمته التي ألقاها على مريم -عليها السلام- وقد كلّم الناس في المهد وأخبرهم أنّه رسول الله، قال -تعالى- {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ}[١٢]، وكما أنّ الله رفعه إلى السماء عندما حاول بنو اسرائيل قتله وسينزل في آخر الزمان، قال -عزّ وجلّ- {إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}.[١٣]
المراجع
- ↑ سورة البقرة، آية: 253.
- ↑ "تفاضل الرسل عليهم السلام"، alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 12-05-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه العراقي، في تخريج الإحياء ، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 4/273، فيه.
- ↑ "أولوا العزم من الرسل، وسبب تسميتهم بذلك"، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 12-05-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة الأحزاب، آية: 7.
- ↑ "مراتب الأنبياء الكرام عليهم الصلاة والسلام"، islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 12-05-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن : أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم: 2278، صحيح.
- ↑ سورة الإسراء، آية: 3.
- ↑ سورة البقرة، آية: 124.
- ↑ سورة النساء، آية: 125.
- ↑ سورة الأعراف، آية: 144.
- ↑ سورة المائدة، آية: 110.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 55.