من هم المطففين؟ ومن هم في هذه الأيام؟

كتابة:
من هم المطففين؟ ومن هم في هذه الأيام؟

من هم المطففين؟ 

التطفيف في اللغة: البخس في الكيل والوزن، وهو نقص يخوّن به صاحبه في كيل أو وزن، وهو ضد التوفية، ومنه قوله -تعالى-: (وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ).[١]

والمطففين في الشرع؛ هم أولئك الذين ينقصون المكيال والميزان، فإِذا أخذوا الكيل من الناس أخذوه وافياً كاملاً لأنفسهم، وإِذا كالوا للناس أو وزنوا لهم ينقصون الكيل والوزن.[٢]

صورللمطففين في العصر الحالي؟

إن الصورة المباشرة للمطفّفين هم المطففين في المكيال والوزن عند الشراء والبيع؛ فإنهم ينقصونه إذا كالوا للناس ويستوفونه كاملاً إذا كالوا لأنفسهم، وبهذا المعنى فسّر العلماء التطفيف في الآية الكريمة: (وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ)،[١] وقال المفسرون: نزلت في رجلٍ يُعرف بأبي جهينة كان له صاعان، يأخذ بأحدهما ويعطي بالآخر،[٢] وذكرت كتب التفسيرأن التطفيف كان متفشياً في المدينة في أول الهجرة.[٣]

والناظر إلى حياتنا الواقعية يجد أن معاني التطفيف والكيل بميزانين قد تعدّت معاملات الشراء والبيع حتى إلى المعاملات الاجتماعية، ومن الأسواق إلى البيوت، وسنعرض في هذا المقال صوراً من التطفيف في عصرنا الحالي.

تطفيف المعلم والمعلمة 

قد تظهر بعض صور التطفيف داخل المدرسة والغرف الصفية، لكنها إن شاء الله قليلة، وأكثر ما تظهر في التفرقة في التعامل بين الطلاب المجتهدين أو أولاد المعلمين على حساب غيرهم من الطلاب وذلك من خلال:

  • كيفية التعامل مع الأخطاء

قد يتسامح المعلم مع الطالب المجتهد ويعاقب غيره عند صدور نفس الأخطاء.

  • المشاركة في أنشطة المدرسة والإذاعة المدرسية

قد يستحوذ بعض الطلاب على المشاركة الدائمة في الأنشطة المدرسية على حساب غيرهم من الطلاب.

  • توزيع الأسئلة والنقاش داخل الغرفة الصفية

قد يُحرم بعض الطلاب من المشاركة لخجلهم وعدم إشراكهم وتشجيعهم على إبداء الرأي.

  • عدم إعطاء الحصة حقها من التحضير والاستعداد لدى المعلم، أو التأخير في الحضور والتبكير في المغادرة، وعدم الاهتمام الكافي بالطلاب ذوي المستوى الضعيف وحاجتهم لتصويب أخطائهم.

تطفيف الموظف في عمله

ومن صور تطفيف الموظّف في عمله:

  • الحضور متأخراً والذهاب مبكراً.
  • عدم إعطاء ساعات العمل حقّها من العمل من خلال عدم الانتاجية وتضييع الوقت بما لا يفيد؛ فقد تكون ساعات العمل ست ساعات وإذا نظرنا لإنتاجية الموظف فإنها لا تتعدى الساعتين.
  • التسويف وتأخير المعاملات المنتظرة أو تعقيدها.
  • المطالبة بكامل حقوق الموظف وامتيازاته رغم معرفته بعدم إعطائه لكامل واجبات الوظيفة.
  • ظاهرة المحسوبية وقوة العلاقات الشخصية لتعيين الموظفين وترقيتهم على حساب الموظف الكفء.
  • ظاهرة الرشوة لإكمال المعاملات والتسريع في إنجازها.

تطفيف الزوجة بنكران جميل زوجها

نكران الجميل هو ألّا يعترف الإنسان بلسانه بما يقرّ به قلبه من المعروف والصّنائع الجميلة الّتي أُسْدِيَت إليه سواء من الله- عزّ وجلّ- أو من المخلوقين،[٤] وهذه الصورة من التطفيف ذكرها النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الشريف: (قالَ: يَكْفُرْنَ العَشِيرَ، ويَكْفُرْنَ الإحْسَانَ، لو أحْسَنْتَ إلى إحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شيئًا، قالَتْ: ما رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ).[٥]

ويظهر هذا النكران عند حدوث بعض المشاكل البسيطة بين الزوجين، فيتم تضخيمها على حساب حسنات الزوج وحسن معاشرته لزوجته، فتنسى الزوجة إيجابيات زوجها، وتُنكرها، ولا تكاد ترى منه إلا الشر، وهذا ما يؤثر على الزوج سلباً، فيزيد من المشاكل.

وقد عظَّم الله حق الزوج على زوجته كما في الحديث الصحيح الذي أخرجه الألباني: (المرأةُ لا تُؤَدِّي حقَّ اللهِ حتى تُؤَدِّيَ حقَّ زَوْجِها)،[٦] وقد يكون تطفيف الزوجة بالمطالبة بحقوقها كاملة مع عدم إعطاء الزوج كامل حقوقه أو العكس، فقد يُطفّف الزوج في حق زوجته.

التطفيف في الصلاة 

تطفيف الصلاة يعني عدم إعطاء الصلاة حقّها من الأركان، والشروط، وعدم الطمأنينة فيها، والقيام بها على عجلة وبدون إتقان، وقد لاحظ النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا التطفيف في الصلاة على أحد المصلين في المسجد، فنبّهه وعلّمه الطريقة الصحيحة لإعطاء الصلاة حقها؛ فقد جاء في صحيح البخاري من رواية أبي هريرة -رضي الاه عنه-:

(أنَّ رَجُلًا دَخَلَ المَسْجِدَ فَصَلَّى، ورَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- في نَاحِيَةِ المَسْجِدِ، فَجَاءَ فَسَلَّمَ عليه، فَقَالَ له: ارْجِعْ فَصَلِّ فإنَّكَ لَمْ تُصَلِّ فَرَجَعَ فَصَلَّى ثُمَّ سَلَّمَ، فَقَالَ: وعَلَيْكَ، ارْجِعْ فَصَلِّ فإنَّكَ لَمْ تُصَلِّ قَالَ في الثَّالِثَةِ: فأعْلِمْنِي، قَالَ: إذَا قُمْتَ إلى الصَّلَاةِ، فأسْبِغِ الوُضُوءَ، ثُمَّ اسْتَقْبِلِ القِبْلَةَ، فَكَبِّرْ واقْرَأْ بما تَيَسَّرَ معكَ مِنَ القُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ رَأْسَكَ حتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حتَّى تَسْتَوِيَ وتَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ اسْجُدْ حتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حتَّى تَسْتَوِيَ قَائِمًا، ثُمَّ افْعَلْ ذلكَ في صَلَاتِكَ كُلِّهَا).[٧]

المطففين في القرآن الكريم

ورد ذكر المطففين في القرآن الكريم في فواتح السورة التي سُمّيت بذلك، قال الله -تعالى-: (وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ* الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ* وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ* أَلَا يَظُنُّ أُولَـئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ* لِيَوْمٍ عَظِيمٍ* يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ).[٨]

وجاء في بيان سبب نزولها ما رواه عبدالله بن عباس -رضي الله عنه-: (لمَّا قدمَ النَّبيُّ -صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ- المدينةَ كانوا من أخبَثِ النَّاسِ كيلًا، فأنزلَ اللَّهُ -سبحانَهُ- وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ فأحسَنوا الكيلَ بعدَ ذلِكَ)،[٩] وبينت الآيات الكريمة صفات المطففين فهم:

  • (الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ):[١٠] أي يأخذون كامل حقوقهم.
  • (وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ):[١١] أي يبخسون حقوق الناس.

أما عن مصير هؤلاء فإن الله -تعالى- قد توعّد لهم بالهلاك والعذاب الأليم إذا استمروا على صنيعهم،[١٢] وترشد الآيات إلى ما يأتي:[١٣]

  • حرمة التطفيف.
  • التذكير بالبعث والجزاء.
  • عظم يوم القيامة؛ يوم يقوم الناس لرب العالمين.

كما ورد ذكر قوم مطففين في القرآن الكريم، وهم قوم شعيب -عليه السلام- كما بينت الآية الكريمة: (وَإِلى مَديَنَ أَخاهُم شُعَيبًا قالَ يا قَومِ اعبُدُوا اللَّـهَ ما لَكُم مِن إِلـهٍ غَيرُهُ قَد جاءَتكُم بَيِّنَةٌ مِن رَبِّكُم فَأَوفُوا الكَيلَ وَالميزانَ وَلا تَبخَسُوا النّاسَ أَشياءَهُم وَلا تُفسِدوا فِي الأَرضِ بَعدَ إِصلاحِها ذلِكُم خَيرٌ لَكُم إِن كُنتُم مُؤمِنينَ).[١٤]

حكم التطفيف في الشرع وحكم فاعله

التطفيف حرامٌ شرعاً ومُرتكبه آثم، كما بيّنت ذلك الآيات الكريمة، وفي رواية عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: (وكان عندَنا رجُلٌ له مِكيالانِ مِكيالٌ كبيرٌ ومِكيالٌ صغيرٌ يُعطي بهذا ويأخُذُ بهذا فقُلْتُ: وَيْلٌ لِفُلانٍ)،[١٥] وفي رواية أخرى: (فقلتُ لنفسي: ويلٌ لفلانٍ! إذا اكتال اكتال بالوافي وإذا كال كال بالنَّاقصِ).[١٦][١٧]

المراجع

  1. ^ أ ب سورة المطففين، آية:1
  2. ^ أ ب محمد الصابوني (1997)، صفوة التفاسير (الطبعة 1)، القاهرة:دار الصابوني للطباعة والنشر والتوزيع، صفحة 506، جزء 3. بتصرّف.
  3. محمد الطاهر بن عاشور (1984)، التحرير والتنوير، تونس:الدار التونسية للنشر، صفحة 190، جزء 30.
  4. مجموعة من المؤلفين، نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (الطبعة 4)، جدة:دار الوسيلة للنشر والتوزيع، صفحة 654، جزء 11.
  5. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم:29، صحيح.
  6. رواه الألباني، في صحيح الترغيب، عن زيد بن أرقم، الصفحة أو الرقم:1943، صحيح.
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:6667، صحيح.
  8. سورة المطففين، آية:1-6
  9. رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم:1822، حسن.
  10. سورة المطففين، آية:2
  11. سورة المطففين، آية:3
  12. محمد سيد طنطاوي (1998)، التفسير الوسيط للقرآن الكريم (الطبعة 1)، القاهرة:دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، صفحة 318، جزء 15. بتصرّف.
  13. جابر أبو بكر الجزائري (2003)، أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير (الطبعة 5)، المدينة المنورة:مكتبة العلوم والحكم، صفحة 534، جزء 5. بتصرّف.
  14. سورة الأعراف، آية:85
  15. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج صحيح ابن حبان، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:7156، إسناده صحيح على شرط مسلم.
  16. رواه ابن كثير، في الأحكام الكبير، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:3/154، إسناده صحيح.
  17. محرر إسلام ويب (14/7/2005)، "التطفيف.. ماهيته.. وجزاء فاعله"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 7/10/2021. بتصرّف.
4336 مشاهدة
للأعلى للسفل
×