الزهد
في الحديث عن رابعة العدوية لا بدَّ من التّطرق إلى فكرة الزّهد، وهي أن يترك الإنسان المحرمات في الدّنيا مخافة العقاب يوم القيامة، وترك الحلال في الحياة مخافة الحساب ما بعد الحياة، وزَهد في الشيء أيّ تركه ورغب عنه لاحتقاره أو لقلته، ومصطلح الزّهد لا يعني بالضّرورة لبس المرقع والمثقّب من الثّياب، وإنّما كما قال بعض العلماء هو ترك ما لا يفيد بالآخرة، وقد قال الإمام أحمد بن حنبل: الزّهد على ثلاثة أنواع، زهد العارفين وهو ترك كل ما يشغل عن الله تعالى، وزهد الخواص وهو ترك الفضول من الأمور المحللة، وزهد العوامل يعني ترك ما حرمه الله تعالى، وفي هذا المقال والمقام سيتم الحديث عن رابعة العدوية.[١]
من هي رابعة العدوية
في الحديث عن رابعة العدوية، فقد سميت رابعة بهذا الاسم؛ لأنّها الابنة الرابعة لاسماعيل العدوي، وهو رجلٌ فقيرٌ وعابدٌ في البصرة، وهناك وُلِدت رابعة العدوية الّتي لُقبت بأم الخير، وقد أسست مذهبًا صوفيًا في طريقة الحبِّ الإلهي، وقد توفي والد رابعة العدوية وهي صغيرة و لحقته بعد فترة أمها مما جعل رابعة يتيمة مع أخوتها دون معيل، ثم دبّت مجاعةٌ في البصرة أدت لانتقال رابعة مع إخوتها عنها، وفي ذلك الوقت انتشر اللصوص وقطاع الطّرق الذين خطفوا رابعة، بعد أن عاشت التشرد والفقر والجوع، وباعوها لآل عتيق وهناك ذاقت الكثير من العذاب، واضطربت الآراء في شخصية رابعة العدوية، ولكن عُرف عنها الزّهد والتّقى وأنّها حفظت القرآن الكريم وتدبرت آياته، وحافظت على الصّلاة وهي في عمر الزهور، وبقيت رابعة العدويّة عذراء طيلة فترة حياتها، فهي لم تتزوج بالرغم من أنّ كثير من الرجال طلبوا يدها للزّواج، ولكنّها استبدلت حبّ الزّوج والأولاد، بالحبِّ الإلهي الذي اشتُهرت به، وقد اختلفت رابعة العدوية عن غيرها من الزّهاد في عصرها، وذلك لأنّها كانت صوفيّة بحقّ وقد دفعها الحبّ القويّ لله -سبحانه وتعالى- لعبادته، وقالت مقولتها المشهورة بأنّ الإنسان يجب أن يحبَّ من يحبه أولًا وهو الله، وقد ذكر ابن الجوزي أنّ وفاتها كانت سنة 135 للهجرة.[٢]
أشعار رابعة العدوية
في الحديث عن رابعة العدوية، من الظّلم أن لا يذكر المقال موهبة رابعة العدوية بالشّعر، فقد كانت فصيحة اللسان، وتنساب الكلمات من شفتيها بشكل سلس ولطيف، وقد دفعها حب الله لنظم الشّعر المميز في وصف الحب الإلهي ومن هذا الشّعر ما يأتي: [٣]
عـرفت الهـوى مذ عرفت هـواك
- واغـلـقـت قلـبـي عـمـن سـواك
وكــنت أناجيـــك يـــا من تــرى
- خـفـايـا الـقـلـوب ولسـنـا نـراك
أحبـــك حـبـيــن حـب الهـــــوى
- وحــبــــا لأنـــك أهـــل لـــذاك
فــأما الــذي هــو حب الهــــوى
- فشـغلـي بـذكـرك عـمـن سـواك
وأمـــا الـــذي أنــت أهــل لــــه
- فكـشـفـك للـحـجـب حـتـى أراك
فـلا الحـمد فـي ذا ولا ذاك لـــي
- ولـكـن لك الـحـمـد فـي ذا وذاك
أحبــك حـبـيـن.. حــب الهـــوى
- وحــبــــا لأنــــك أهـــل لـــذاك
- يُعدّ شعر رابعة العدوية من الأشعار التي تعلّم النّاس أصول الحب الإلهي: ومن أشعارها التي قالتها في حب الذّات الإلهية ما يأتي:[٣]
يا سروري ومنيتي وعمـادي
- وأنـيـسـي وعـدتـي ومــرادي.
أنت روح الفؤاد أنت رجائـي
- أنت لي مؤنس وشوقك زادي.
أنت لولاك يا حياتي وأنســي
- مـا تـشـتت في فـسـيـح البـلاد.
كم بدت منةٌ، وكم لك عنــدي
- مـن عـطـاء ونـعـمـة وأيـادي.
حبـك الآن بغيتـي ونعـيـمــي
- وجـلاء لعيـن قلبــي الصـادي.
إن تكـن راضيـاً عنـي فإننــي
- يا منـى القلب قد بـدا إسعـادي.
- مما قالته رابعة العدوية في وصف حبها وحبيبها: والذي وإن غاب عن عينيها فهو حاضر في فؤادها؛ وهي تقصد بذلك الذات الإلهية فتقول:[٤]
حبيب ليس يعدله حبيب
- وما لسواه في قلبي نصيب
حبيب غاب عن بصري وشخصي
- ولكن عن فؤادي ما يغيب
المراجع
- ↑ "الزُهْد فِي الدُنْيَا!"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2020-01-19. بتصرّف.
- ↑ "رابعة العدوية"، www.ar.wikipedia.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-01-19. بتصرّف.
- ^ أ ب "رابعة العدوية"، www.marefa.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-01-19. بتصرّف.
- ↑ "رابعة العدوية"، ar.wikiquote.org، اطّلع عليه بتاريخ 2020-01-19. بتصرّف.