موضوع إنشاء عن التواضع والتكبر

كتابة:
موضوع إنشاء عن التواضع والتكبر

مظاهر التواضع والتكبر

التواضع هو السمَّة التي يحبها الله ورسوله، والتواضع مع النَّاس هو معاملتهم باللين والخلق الحسن والطَّيب، وسيد الأمثلة على التواضع هو تواضع الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فكان يُلاعب الصغير ويعطف على الكبير وهو سيد الأمة والعالمين، حتَّى أنَّ رجلًا قد أتى إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يُكلمه في بعض الأمر وكانت فرائضه ترتعد وقلبه يرتجف حتى بان ذلك عليه، فجعل النبي -صلى الله عليه وسلم- يهوّن الأمر عليه فهو ليس بالملك الظالم بل هو ابن امرأة كانت تأكل القديد -كما أخبره عليه الصلاة والسلام-.[١]


من أهم مظاهر التواضع هو أن يُقبل الإنسان على مساعدة من أهم أقل قوة منه ولا يتجبّر عليهم ولا يغتر بنفسه فالله هو المعطي وهو المانع، وهو المعز وهو المذل، والتواضع مع النَّاس هو صفة الصَّالحين حتى بات ذلك الخلق دالًا على طيب صاحبه، فلا ينبغي لإنسان أن يرفع صوته على آخر ولا يهينه ولا يزجره، بل يكون هينَا لينًا طيب المعشر متسامحًا في أخطاء الآخرين فلا يهول الأمور ودائمًا يترك ما بينه وبين شعرة فلا يقطعها مهما أساؤوا إليه.


من مظاهر التواضع أن يسعى الإنسان في شأن أخيه الإنسان فمن كان صاحب حاجة فليُساعده على قضاء حاجته، ومن كان صاحب طلب يُعينه على إجابة طلبه طالما كان كل ذلك بمقدوره، أمَّا التكبر فهو عكس التواضع وضده على الحقيقة، فالمتكبر هو الإنسان الذي يبدأ بالإساءة إلى نفسه قبل الإساءة إلى الآخرين، فلا يراه الإنسان إلا معجبًا بذاته مختالًا في مشيته ينظر إلى الآخرين بعين التحقير وما ذلك إلا لأسباب اخترعها في خياله فهي وهم على وهم، وفي بعض الأحيان يُعجب الإنسان بمحبة النَّاس له فلا يزيده ذلك إلا تكبرًا وغطرسة وغرورًا.


لا حلّ مع مثل تلك الحالات إلا التكبر على المتكبر ولا يكون التواضع له سوى سببًا من الأسباب التي تُعينه على غطرسته وغروره، وكثيرة هي أسباب التكبر ومن بينها امتلاك الشخصللمال، وقد غفل أو ربما يتغافل عن أنَّ هذه الأرض كلها بما عليها من الكنوز والجواهر لا تُساوي عند الله جناح بعوضة، وأنَّ الإنسان في هذه الدنيا ليس مخلدًا وعندما يرحل إلى القبر فإنَّه لن يُحمل إلا بكفنٍ أبيض خالٍ من أي كنوز سعى في الحصول إليها أو ذهب أراده.


التكبر لا يأخذ شكلًا واحدًا بل له أنواع، ومن أنواع التكبر التكبر على أوامر الله مثلما حصل مع إبليس عندما تكبر على أمر الله ورفض السجود لآدم، وما ذلك السجود إلا سجود تحية وليس سجود عبادة لكنَّ نفسه جُبلت على الفساد فأبت أوامر الله، وهناك التكبر على أنبياء الله برفض الخضوع إلى رسالتهم الحقّة والتكبر على النَّاس والإساءة إليهم وكل ذلك يصب في جعبة واحدة وهي جعبة حب النفس والخيلاء.

ثمرات التواضع وعواقب التكبر

إنَّ لكلّ فعل يُقدم الإنسان عليه ثمرات تحيط به فتُؤثر على حياته وحياة الآخرين، ومن ثمرات التواضع التي تفوح عطرًا على حياة صاحبها والمجتمع بأكمله أنَّه يرفع من قيمة الإنسان في عين نفسه وفي عين الآخرين، فالشخص الذي يُؤثر التواضع في كل أموره وجميع مجالات حياته ليس كذلك المتكبر الذي يسقط من أعين الآخرين جراء ازدرائهم، وليس شيئًا مثل التواضع يُسهم في بناء مجتمع قوي متكافل يحرص أفراده على بعضهم فيكونون كالجسد الواحد الذي يتداعى العضو منه إذا شعر الآخر بالألم.


لا يجب أن ينسى المُتطلع أهمية خلق التواضع في اكتساب محبة الآخرين وكسب قلوبهم ونفوسهم وأرواحهم والانتماء إليهم وانتمائهم إليه، وخير مثال على ثمرات التواضع هو تواضع العلماء وقدرتهم على خلق جو الألفة مع طلابهم فيسمو بذلكالعلم ويعلو بين النّاس قدره، عدا أنَّ المتواضع تكون منزلته قريبة من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم القيامة لأنه تمثل في أعلى صورة من صور حسن الخلق، ولمَّا يجول الإنسان بنظره في عصر الصحابة يجد من صور التواضع ما تشيب له الولدان، فها هو عمر بن الخطاب وهو أمير المؤمنين يحمل على ظهره أكياس المؤونة للفقراء في الليل الدَّامس، ولمَّا يطلب منه غلامه أن يحمل تلك الأكياس عنه يقول له عمر: وهل ستحمل الأوزار عني يوم القيامة؟


أمَّا عواقب التكبر فوخيمة تضر بالإنسان فردًا وبالمجتمع على جملته، ويوجب التكبر الحرمان من رحمة الله تعالى كما حصل مع إبليس عندما طرده الله لأنَّه تكبّر عن أمره، فالكبر هو مهلكة لصاحبه وتضييع له وهو سبب من أسباب الهلاك في الدنيا والآخرة، فأمّا في الدنيا فيتسبب الكبر بكره النّاس للمتكبر وعدم مخالطته حتى يكون منبوذًا وحيدًا كالشخص الذي أصابه الجُذام، فلا يُحب النّاس كلهم الجلوس مع المتكبر لكثرة نظرات الاعتلاء التي ينظر بها إلى من حوله، وهو إن أراد الكلام فإنَّه لا يتكلم إلا عن نفسه ولا يُحب أن يُمتدح غيره حتى يُصبح فظًّا يمقته النّاس ولا يتمنّون له الخبر من الأمور.


إنَّ التواضع مع النّاس مفتاح لقلوبهم، والتكبر عليهم مفتاح لكل للشرور والخطايا الأحقاد، ولو تفشى مرض التكبر في مجتمع لأسهم في هدمه، وخير مثالٍ على ذلك الشعوب التي يتكبر عنها أولياؤه فيكون ذلك سببًا في انهدام الأمة بأكملها وشياع الفساد بين النّاس، ولكن لمّا كان التواضع سمةً عامةً بين الحكّام والقضاة كان ذلك من أهم أسباب انتشار السّلام في الأرض، عدا عن ذلك فإنَّ التكبر يحجب عن صاحبه الكثير من الأمور النافعة، ومن ذلك التكبر في طلب العلم الذي يؤول بصاحبه إلى الجهل الذي يُطبق عليه فيكون فريسة ضعيفةً لجهله وأوهامه، ولكنّ التواضع في طلب العلم يكون مفتاحًا للخيرات التي يطلبها الإنسان سواء كانت الدنيويّة أم الآخروية.

الفرق بين حياة المتواضع وحياة المتكبر

لا يعمى أي إنسان عن الأثر الذي يتركه كلٌّ من التواضع أو التكبر على حياة الإنسان، فحياة الإنسان المتواضع تكون بسيطة هنيئة يقنع من نعيم الحياة بشربة ماء هانئة لا يكون فيها لا ظالمًا ولا مظلومًا، ولا يُريد من جمال الصيف سوى بقعة من الأرض تظلها شجرة مثمرة فيكفي منها بالتّأمل في ملكوت الله ويُطلق عنان ناظريه لاستباحة الجمال في خلق ربه، وخير مثال على الحياة الهنيئة تواضع العلماء فها هو الخليفة عمر بن عبد العزيز الذي لو شاء لامتلك القصور والضياع وأغرق نفسه بالماء الطّيب الهني يُخرج من ماله كل يوم درهمًا لإطعام المسكين ثم يجلس فيأكل معهم.


ليس ببعيد عن عن عمر ذلك العالم الرجل الصالح -ولا يُزكى على الله أحد- عطاء بن أبي رباح عندما يجلس مع النَّاس فيبدؤون بالحديث معه، فيُقول إنَّه كان يستمع للكلام الذي يذكره المتحدث كأنه يسمعه للمرة الأولى، ولكن والله هو يعرفه قبل أن يُولد ذلك المتحدث، وما ذاك كله إلا من أدب الحديث مع النَّاس وأدب الإنصات فلا يُسفه كلامه وبذلك يكسب قلوب النَّاس إذا أراد نصحهم وتوجيه النقد إليهم.


أمَّا المتكبر الذي اختار الخيلاء رداءً له فلا يفتأ يتحدث عن محاسنه وإذا أراد أي إنسان أن يتحدث أمامه قال له: أنا أعرف هذا الحديث فلا داعي لإعادته علي، ثم ينظر بنفسه نظرة الإعجاب والغرور، فالكبر لا يكون إلا حبلًا يشد على رقبة صاحبه حتى إذا تمكّن منه قتله فهو يشعر دائمًا بالحسد في داخله من الأشخاص النّاجحين، ويجمع في داخله كل صفة من العلياء على الآخرين، وهو يتخذ من الكبر ومن الغرور تاجًا له على تفريق أهل اللغة بينهما ولكنّه بنفسه الخبيثة قد استطاع الجمع بين ذلك وذاك.


الفرق بين الغرور والتكبر كالفرق بين الفاء والقاف لا يختلفان إلا يتشابها، وكأنّ العلاقة بينهما سببية فلا يكون الأول إلا سببًا لوجود الآخر، فالغرور هو الإعجاب بالنفس والصفات الداخلية والخارجية من الذكاء والفطنة والفهم والجمال، أمَّا الكبر فهو النظر إلى الآخرين بعين الازدراء لأنهم في رأيه لا يمتلكون تلك الصفات التي يحوزها، فلا ينعم المتكبر في حياته إلا كما ينعم الغريق العطشان من كثرة الماء حوله، فيكون سبب ريه وانطفاء عشه سبب موته وقتله.


إنَّ الفرق واضح بين التكبر والتواضع، ولو وضع الإنسان لنفسه تبريرات تعفيه من ضرائب التكبر الدنيوية والآخروية فإنه لن يُفلح، ولا بدَّ للإنسان الفطن أن يُعمل عقله حتى يتخلص من تلك الآفات النفسية التي لا تعدو كونها أمراضًا تحتاج إلى طبيب كما الأسقام الجسدية. 



لقراءة المزيد من الموضوعات، اخترنا لك هذا المقال: موضوع إنشاء عن التواضع.

المراجع

  1. "تواضع النبي صلى الله عليه وسلم"، ألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 04/02/2021م. بتصرّف.
5105 مشاهدة
للأعلى للسفل
×