موضوع إنشاء عن الصديق

كتابة:
موضوع إنشاء عن الصديق

من هو الصديق الحقيقي؟

العلاقات الاجتماعية كثيرة ومتعددة، وهذا التعدد سببه كثرة الحاجات الاجتماعية في الحياة، ويمكن القول إن واحدة من أسمى العلاقات وأرقاها هي الصداقة، إذ إن الصداقة تجمع بين شخصين مختلفين في التفكير والأصل والنسب والمعتقدات والمبادئ والتوجهات، ومع ذلك قد تنشأ في كثير من الأحيان بينهما علاقة متينة وصداقة متماسكة تتجاوز كل هذه الحدود، وتلك الاختلافات.


يمكن اعتبار هذه الصداقة متينة وسامية عندما تواجه أي ريح تعصف بها محاولة هدمها، وعندما يتحلى الطرفان بالوعي الكافي لأهمية هذه الصداقة ودورها في الدعم النفسي والمعنوي لكلا الطرفين، وكثيرًا ما يُقال: رُبَّ أخ لم تلده أمك، فقوة هذه الصداقة كلما ازدادت كلما صارت أشبه بالأخوة، فيصبح الهمّ واحدًا، والفرح واحدًا، والحزن واحدًا، ولا يمكن أن تكتمل سعادة المرء دون أن يرى الابتسامة مرسومة على وجه صديقه. هذا هو الصديق الحقيقي الذي يشعر أنه وصديقه روح واحدة تفرقت في جسدين، وهذه الروح لا تقوى إلا باتحادهما وزيادة الود بينهما.

الصداقة الحقيقية هي تلك التي تُغرس جذورها في تربة جيدة ونظيفة، وتبدأ هذه الجذور تتعمق في باطن الأرض، وما إن تثبت وتتمكن في قلب الأرض، حتى تبدأ بالنضج والإثمار والإيناع حُبًا وثقةً واحترامًا وتعاونًا بين الصديقين، وممّا يجعل هذه الصداقة من أبهى العلاقات الاجتماعية أنها علاقة طوعية، لا إكراه فيها ولا إجبار، فالإنسان لا يختار إخوته، لكنّه يختار أصدقائه.


كلما كانت النية صافية في الصداقة، وكلما ابتعدت عن كل ما يشوهها من مصالح شخصية، أو مرابح تجارية، أو أحقاد خفية، كلما كانت الصداقة مثلًأ يُحتذى به، وحياة في قلب الحياة ينعم بها الأصدقاء بالحب والاحترام، ويجدون فيها الملاذ الآمن من مشاق الحياة ومتاعبها، فالصديق الحقيقي هو الذي لا يفتأ يمد يده لصديقه، ويساعده في شتى أمور الحياة، ولا يتوانى لحظة عن التربيت على كتفه، ولسان حاله يقول: أنا إلى جانبك.


الصديق الحقيقي هو السند في لحظات الضعف، هو الأمان في أوقات الخوف، هو السعادة داخل ظلمات الكآبة، هو نور منبثق من بين الغيوم الكالحة في ليلة شتوية عاصفة، في غربة الإنسان لا بد له من صديق وفيّ يشعر به ويؤنسه، يتقرب منه ويضع يده بيد صديقه ويقول له: دعنا نمشي معًا في هذه الحياة، ونتغلب على كل عثراتها وأوجاعها وآلامها، فباتحادنا وصداقتنا نتغلب على كل مُرّ.


الصداقة الحقيقية هي ذلك الدواء السحري الغريب والنادر الذي يُذهب الآلام ويُبدّدها ويُشتّتها، كيف ولماذا لا أحد يعرف، لكنها تفعل أكثر من ذلك، فهي التي ترمم كل كسر وتجبر كل خيبة، وتهوّن كل صعب، وتيسر كل عسير، لا سيما إذا كانت مبنية على المحبة الصادقة النبيلة التي دعا إليها الإسلام وحث على المحبة في الله، والمقصد من هذا أن يكون حبًا بين الأصدقاء بعيدًا عن أي مصالح شخصية.


اختيار الصديق

لما كانت علاقة الصداقة اختيارية، ويُمكن لكل إنسان أن يختار صديقه الذي سيُمضي معه شطرًا طويلًا من حياته، وقد تمتد هذه الصداقة إلى آخر العمر، فلا بد أن يحسن المرء اختيار صديقه، وأن يتريّث في بناء صداقته مع هذا الشخص أو ذاك، وذلك لأن المرء يُعرف بأقرانه، والصاحب والصديق هو الذي يؤثر في صديقه وقد يكون قادرًا على تغيير قناعاته في كثير من الأمور.


من المهم أن يكون اختيار الصديق مبنيًا على أسس سليمة، أولها -بلا شك- هو ما وصى به الدين الإسلامي، أن يكون صديقًا يدلّ صديقه على الخير ويحثه على العبادة والالتزام بأوامر الله تعالى واجتناب نواهيه، وأن يكون ممّن يُشدّ به عضد صديقه، ويعلم أنّه في وجوده وغيابه يُحافظ على الصداقة ويحفظ الود، أي أن يكون بعيدًا عن الرياء والمراوغة، التي تفسد الصداقة وتهد أركانها هدًّا.


يبقى الصديق هو بيت الأسرار وحافظها، لا يبوح بها لأحد مهما كلفه الأمر، فلا يمكن أن تُبنى صداقة بين شخصين غير قادرين على حفظ الأسرار والأمانات في قلوبهما، فالصديق الوفي هو الذي يفي بعهد الصداقة ويُحافظ على أركانها، وإلا فلا قيمة للصداقة، وستكون مثل رماد يتبعثر عندما تهب نسمة من الهواء، وبذلك يُمكن القول إنّ الصداقة والوفاء أمران لا يمكن فصلهما عن بعضهما.


عند اختيار الصديق ينبغي أن يعاهد المرء نفسه أن يصون الصداقة ويحفظها، ويوضح هذا العهد للطرف الآخر الذي اختاره، ممّا يقوي صلات الصداقة ويُعزّز بنيانها، ويثبت أركانها، وليس شرطًا عند اختيار الصديق أن يكون نسخة عن الطرف الآخر، فكثيرًا ما جمعت الأيام أصدقاء بينهم الكثير من اختلاف وجهات النظر، إلا أنّ متانة الصداقة لم تسمح لهذا الاختلاف أن يصبح خلافًا، وهنا يأتي دور الوعي والإدراك لقيمة الصداقة.


من المهم أن يختار الإنسان صديقًا يتمتّع بأخلاق حسنة وفاضلة، وذلك لأنّه سيُصاحبه وسيكون معه في أغلب خطوات حياته، وسيقترن اسمه معه في كثير من المواقف واللحظات، فلا بدّ أن يكون في الصداقة حفاظًا على سمعة الطرفين، لا أن تؤدي إلى تشويه سمعة أحدهما، أو جرّه إلى مغالط وآثام لا فائدة منها، بل على العكس قد تضر بالإنسان وتُقلّل من شأنه وتُسبّب له المتاعب.


علاوة على الاهتمام بالأخلاق، ينبغي عند اختيار الصديق أن يكون المرء واعيًا لما له من واجبات تجاه هذا الصديق، لا أن يكتفي بالتفكير بحقوقه، ولا بدّ أن يكون سندًا له في كلّ لحظة، فإن أصاب وفعل ما هو صحيح دعمه وعزّزه، وإن أخطأ ردّه ومنعه، فليس الصديق الحقيقي من يُجامل ويُحابي ولا ينبه على الخطأ، بل هو من يقول كلمة الحق ولا يخاف فيها لومة لائم، هذه هي الصداقة.


واجب الصديق اتجاه صديقه

إنّ أسس اختيار الصديق كثيرة ومتعددة، ومن خلالها يمكن التوصل إلى أبرز واجبات الصديق تجاه صديقه، إذ لا يمكن أن تمر هذه الصداقة هكذا كعلاقة عابرة دون أن يقوم كل طرف بواجباته، فالصداقة هي الصدق والإخلاص والاحترام والوفاء والأمانة والقوة والتعاون والاتحاد، وغيرها الكثير الكثير من القيم الأخلاقية العظيمة، ومن خلال هذه القيم يمكن تحديد الكثير من الواجبات التي يجب احترامها بين الأًصدقاء.


لا بد أن يحترم الصديق صديقه، ويحترم رأيه، ويبتعد عن قمعه أو استغلاله أو التسلط عليه، أو السخرية منه، ولا يمكن أن يجعل الفارق الطبقي أو الاجتماعي بينهما سببًا ليؤذي صديقه أو يستكبر عليه أو يُعامله بفوقيّة، بل لا بد أن يكون الاحترام هو سيد كل المواقف بين الأصدقاء، ومهما بلغت بينهم المشاكل والاختلافات، لا ُيمكن تغييب الاحترام بين الطرفين، فبمجرد غيابه سيُقضى على الصداقة وسيصعب ترميمها.


الصدق هو الركن الأساسيّ الذي يحفظ كل العلاقات الاجتماعية، ويصونها من أي ضرر أو أذى أو خلل قد يلحق بها، وكذلك الصداقة، فمن المهم أن يسود الصدق بين الأصدقاء، ويُلغى أي مكان للكذب أو الابتعاد عن الحق والحقيقة، إضافة إلى الأمانة وحفظها، فهي أيَضًا تزيد من متانة الصداقة وتقوي أواصرها، وترفع معدل الثقة بين الأصدقاء وتلغي أي مجال للشك.


ممّا يجب أن يكون بين الأصدقاء أيضًا التعاون، لا سيما التعاون في أعمال الخير والبر وتقوى الله، فهو أمر من الله تعالى وفيه أجر وثواب كبيران، إضافة إلى إدخال السعادة على قلوب الناس، ويزيد من رابط الصداقة لأنها تتجه نحو ما يرضي الله، ويوافق هدي النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- إضافة إلى ما يزيده هذه التعاون من ارتباط بين الصديقين، ويفتح أمامهما آفاقًا جديدة في الحياة.


والتعاون يكون أيضًا لمساعدة الصديق، فعندما يشعر الصديق أن صديقه في مأزق، ويحتاج مساعدة، لا بد أن يكون أول الواقفين إلى جانبه، ويؤازره ويسانده بكل ما استطاع من قوة مادية أو معنوية أو نفسية، وإلا فما قيمة الصداقة، وما دورها في حياة البشر، فالصديق هو ذلك الذي يراه الإنسان عندما تُدار له ظهور كل البشر، ويسمع صوته عندما يصمت الجميع، ويشعر بيده عند تُكفّ كل الأيادي.


إن الأمثلة عن الصداقة وأهميتها منذ قديم الزمان لا تُعد ولا تُحصى، وكثيرًا ما يُقال: الصديق وقت الضيق، الصديق هو الذي نجده في أصعب الأوقات، وهو الذي تُمتحن صداقته وصدقها في الأوقات العصيبة، وعندها يتبين عِظم هذه الصداقة ومدى تحملها لعواصف الحياة الشديدة والمدمرة أحيانًا، هو صديق يصدق في القول والفعل والتصرف والنظرة والنصيحة والمساعدة والأمانة والعهد.


هذه هي الصداقة بأبهى صورها، والتي ينبغي أن تعمر في قلوب الناس حتى تتألق الحياة ويعمّ الخير ويزول الحقد والكره.

3705 مشاهدة
للأعلى للسفل
×