كيف نعبر عن حبنا للوالدين؟
الوالدان هما أغلى ما نملك، وهما النعمة التي أنعمها الله تعالى علينا وتستحق شكرها ليلّا ونهارًا، لهذا من واجبنا أن نُعبّر عن حبنا للوالدين بكل الطرق المتاحة، وأن نُقدّم لهما العون والحاجة حتى قبل أن يطلبوا منّا هذا، ويتجلى حبنا الكبير للوالدين بطاعتهما وعدم عصيان أوامرهما أبدًا، وعدم رفع الصوت في وجودهما، فالأم والأب هم أكثر الناس دراية بمصلحة أبنائهم، لهذا على الأبناء أن يقدموا لهما الطاعة وأن يعرفوا أن مصلحتهم تقتضي تنفيذ أوامرهما، كما يمكننا التعبير عن حبنا للوالدين بأن نقدم لهما الاحترام المطلق وأن نتعب على أنفسنا ليكونا فخورين بنا في كلّ وقت.
أكثر ما يتمناه الوالدان من الأبناء أن ينجحوا ويجتهدوا ليصلو إلى تحقيق الطموح الذي يتمناه الوالدان للأبناء، فأكثر ما يُدخل السرور إلى قلبيهما أن يُشاهدا ثمرة تعبهما مع الأبناء قد أينعت ونضجت وحان قطافها، ويكون التعبير من الأبناء عن حبهم لوالديهم بتحقيق هذا النجاح الباهر الذي ينتظرونه بفارغ الصبر، كما يكون التعبير عن الحب للوالدين بأن يحب الأبناء بعضهم بعضًا وألّا يحدث بينهم شجار أو تشاحن يُسبّب الحزن لهما، وأن تكون كلمتهما نافذة في كلّ وقت، وعدم تفضيل أي شخص عليهما مهما كان، لأن الوالدين هما أقرب الأقربين للأبناء، وهم أكثر من يُلاقي التعب والحرمان لأجل أن يقدما لأبنائهما كل ما يحتاجونه.
التعبير عن الحب للوالدين يكون بالكلمات الجميلة اللطيفة التي تُقال لهم، ويكون أيضًا بالأفعال، ومن واجب الأبناء أن يكون تكون الكلمات الموجهة للوالدين منتقاة وفيها كمية من المشاعر الجميلة، كأن يبدأ الصباح معهم بقول صباح الخير، وأن يتم ذكر المعروف اذلي يقدمانه في كلّ وقت والاعتراف لهما بالجميل، ويكون بالأفعال أيضًا بتقديم الهدايا لهما في المناسبات وحتى بدون مناسبات، ومرافقتهم في رحلات يُحبونها، والجلوس معهما باستمرار وعدم تفضيل أي شخص عليهما مهما كان صديقًا أو قريبًا، والتودد لهما في كلّ وقت، وطلب رضاهما بأجمل العبارات والكلمات.
كيف يتحقق بر الوالدين؟
برّ الوالدين يتحقق بطرق كثيرة ولا يقتصر فقط على الكلمات التي تقال لهم أو الأفعال والتصرفات التي يتصرفها الأبناء معهم، وأهمّ ما يمكن تقديمه من بر للوالدين هو طاعتهما وعدم الصراخ في وجهيهما وعدم قول كلمة "أف" لهما ما كانت الظروف، وهذا أمرٌ رباني ذكره الله تعالى في القرآن الكريم في سورة الإسراء في قوله: {وَقَضى رَبُّكَ أَلّا تَعبُدوا إِلّا إِيّاهُ وَبِالوالِدَينِ إِحسانًا إِمّا يَبلُغَنَّ عِندَكَ الكِبَرَ أَحَدُهُما أَو كِلاهُما فَلا تَقُل لَهُما أُفٍّ وَلا تَنهَرهُما وَقُل لَهُما قَولًا كَريمًا}[١]، لهذا فإنّ بر الوالدين ورضاهما مقترنٌ برضا الله تعالى الذي جعل رضاهما وبرهما سببًا في دخول الجنة من أوسع أبوابها وأخذ الأجر والثواب والنجاة من النار.
من بر الوالدين تلبية ما يحتاجونه من أشياء مادية ومعنوية وتفضيلهما على النفس والمال والأولاد، وعدم التسبُّب لهما بالحزن والخذلان، وإدخال الفرح والسعادة والسرور إلى قلبيهما، وحُسن معاملتهما في جميع الأوقات، وطاعتهما في كل ما يأمران به ما دام في حدود طاعة الله تعالى، واحترام خصوصيتهما، والتعامل معهما بالخضوع الخالي من الكبر، واستئذانهما في جميع شؤون الحياة وأخذ مشورتهما وعدم تخطي كلامهما أو نصائحهما مهما كان.
ومن واجب الأبناء أيضًا تقديم الوالدين على أنفسهم في كلّ شيء، سواء في تناول الطعام أم شرب الماء أم في الخروج من المكان أم في الجلوس أم حتى المشي، فهذا يدخل السرور والفخر إلى قلبيهما ويُشعرهما بالبر الكبير من الأبناء، ويعطيهما شعورًا كبيرًا بأنّهما نجحا في تربية أبنائهما خير نجاح، ولم يذهب تعبهما هدرًا.
من بر الوالدين تقديم الحاجات المادية لهم وتلبيتهما على أتم وجه، وإظهار التودد لهما في حضور جميع الناس، وعدم تفضيل الزوج أو الزوجة عليهما، كما أنّ من واجب الأبناء خدمة الوالدين بأنفسهم وعدم تكليف شخص غريب بالقيام بهذا الأمر، وعدم تفويت الأجر العظيم، وبر الوالدين لا يكون فقط في حياتهما، بل بعد موتهما أيضًا، ومن صور البر العظيمة للوالدين بعد وفاتهما هو تنفيذ الوصية التي يتركانها، وأن يتم الدعاء لهما في كل وقت وتقديم الصدقات عنهما للفقراء والمحتاجين، وإنفاذ عهدهما في الدنيا بعد وفاتهما، والمواظبة على صلة الرحم التي لا تتصل إلا بهما، واحترام الأعمام والأخوال لأنّهما امتداد للوالدين.
ومن الواجب أيضًا احترام أصدقائهما بعد موتهما، ومن عظيم فضل الله تعالى أن جعل بر الوالدين باب من أبواب الحصول على الأجر والثواب في كل وقت وليس فقط في حياتهما، وبرهما بعد موتهما يحمل مكانة عظيمة لأنّهما يكونان بحاجة لهذا البر وبحاجة للدعاء، حتى أن الله تعالى يرفع درجاتهما بدعاء الأبناء.
مكانة الوالدين في الإسلام
جعل الإسلام للوالدين مكانة عالية جدًا لا تُوازيها أيّ مكانة، فهما صاحبا الفضل الأكبر على الأبناء، ويتوجب عليهم الترفق بالوالدين في كلّ وقت، وأن يكون اللين في المعاملة معهما هو الأساس دائمًا، وعدم التأفف في وجودهما أو توجيه اللوم والعتاب لهما أبدًا، وألّا يتخلى الأبناء عنهما في حال عجزهما وتقدم العمر بهما وتوقفهما عن العطاء والإنتاج.
ففي هذه الحالة من واجب الأبناء التكفل بجميع مصاريف الوالدين والنفقة عليهما وإطعامهما والابتعاد عن جميع الأشياء التي قد تُسبّب لهما الضيق والحرج بسبب عجزهما، فالأم والأب يتعبان على أبنائهما في صغرهما حتى يشتدّ عودهم، ثم يصبحون بحاجة هؤلاء الأبناء الذين يجب ألّا يتخلوا عنهما أبدًا، وألّا يبخلوا عليهما بأي شيءٍ يحتاجونه مهما كان صغيرًا أو كبيرًا.
جعل الإسلام عقاب عقوق الوالدين كبيرًا، إذ إنّ العاق لوالديه لا يدخل الجنة أبدًا، وينزع الله البركة من عمره، ويُسقط هيبته واحترامه بين الناس، فمن لم يتصف بالأخلاق الكريمة الفاضلة مع والديه فلا يُعول على أخلاقه أبدًا، ولا يُمكن أن يكون محطّ ثقة واهتمام من الناس، لأنّ مَن لا خير له في والديه فلا خير فيه لأيّ أحد.
وقد شدّد الإسلام على حقوق الوالدين على الأبناء، وجاء ذلك في العديد من الأحاديث النبوية الشريفة التي بيّن فيها الرسول -عليه الصلاة والسلام- ما يجب أن يقوم به الأبناء من أقوال وأفعال تجاه الوالدين لكسب رضاهما، حتى أنّ رضا الله تعالى مقترنٌ برضا الوالدين، ودعاؤهما للأبناء وعلى الأبناء مستجاب، فويلٌ لكل من لا يقدم لهما الحقوق التي أمر الله تعالى بها، وويل لكل من يكون من الأبناء العاقين، لأنه بهذا خسر الدنيا والآخرة.
أمر الإسلام بخفض الجناح للوالدين والإصغاء لحديثهما حتى لو كان الحديث مملًا، والمواظبة على تقديم الطاعة لهما في كلّ وقت، كما يجب إظهار الفرح والبشاشة وإطلاق الابتسامة في وجهيهما لأنهما يفرحان بهذا التصرف من الأبناء، وعدم إبداء الإزعاج من حضورهما أبدًا، كما أنّه من واجب الأبناء والأحفاد احترام وجود الوالدين في المجلس وعدم التقدم عليهما في حديث أو أي شيء، كما يجب مراعاة طلباتهما أولًا بأول، وعدم مجادلتهما أو التشاجر معهما لأي سبب كان، ومن واجب الأبناء إظهار السرعة في تلبية طلبات الوالدين وعدم جعلهما ينتظران طويلًا، والمبادرة للإصلاح بين الوالدين إذا حصل بينهما أي خلاف، ومن البر بالوالدين الذي أمر به الإسلام أن يتم استئذان الوالدين قبل الدخول عليهما.
من برّ الوالدين الذي أكد عليه الإٍسلام بعد وفاتهما هو قضاء الديون عنهما، بالإضافة إلى قضاء النذور التي نذروها، وقضاء الصيام عنهما، والصدقة والدعاء المستمر، وعمل الصدقة الجارية عنهما قدر المستطاع، وقضاء ما عليهما من كفارات يمين، وردّ المظالم عنهما، وإكرام ضيوفهما والترحيب بهم كما لو أنهم ما زالوا أحياء، فهذا كله من بر الوالدين الذي أمر الله تعالى به وفاتهما، وأكد عليه الرسول -عليه الصلاة والسلام-، والإنسان الذي يرغب في طاعة الله تعالى والحصول على الأجر والثواب، عليه أن يحرص على نيل رضا والديه بجميع الطرق، وألّا يفوت الدعاء لهما وأن يطلب الدعاء منهما في كل وقت لأخذ البركة والاستجابة من هذا الدعاء.
لا يعرف الأبناء القيمة الحقيقة لوجود الوالدين إلا بعد أن يفقد أحدهما أو كليهما بالموت، لهذا على الأبناء أن يغتنموا وجود الوالدين حولهما في الحياة، وأن يعرفوا حق المعرفة أنّ وجود الأم والأب هو بمثابة باب مفتوح إلى الجنة، يستطيع الأبناء الدخول منه لنيل رضا الله تعالى والتقرب إليه من خلالهما للحصول على الخير والبركة في الدنيا والآخرة، وليكون كلّ شخص قدوة لأبنائه في احترام والديه حتى يفعلوا مثل فعله عندما يكبر ويصبح عاجزًا.
لقراءة المزيد، انظر هنا: موضوع إنشاء عن بر الوالدين.
المراجع
- ↑ سورة الإسراء، آية: 23