محتويات
الأمل موهبة
يقولون دائمًا: مِن رحم المُعاناة يُولد الأمل، ربّما لأنّ ميلاد الأمل لا يتحقّق عن طريق فكرة ملموسة، وإنّما يتحقق عن طريق الموهبة، وكما قال محمود درويش: "ليس الأمل مادّة ولا فكرة، إنّه موهبة" [١]، فأنتَ وحدك القادر على خلقه من قلْب المُعاناة، وإنارة الطريق لنفسك بشمعة الأمل في عتمة اليأس، واستعادة الإيمان والأمل بالله في ذروة القنوط والإحباط.
إنّ الأمل هو الرجاء، الاعتقاد والظنّ بحصول ما فيه خير وسعادة، ونصر على الأعداء، وجبر لكسر النّفس، على الرّغم من كلّ المظاهر التي تدعو لليأس وتُثقل كاهلنا بالأحمال، وقد خُلقت النّفس البشريّة بطبيعتها على الأمل، وجعله الله سبحانه وتعالى مُلازمًا لنا في كلّ مراحل حياتنا، فيشتعل الرأس شيبًا، ويبقى القلب بالأمل شابًا، وقد أكّد على هذا الرسول الكريم -صلّى الله عليه وسلم- ع في حديث عن أبي هريرة قال: "سمعت رسول الله -صلّى الله عليه وسلم- يقول: لا يزال قلب الكبير شابًّا في اثنتين: في حبّ الدنيا وطول الأمل".[٢]
على هذا، ولمّا كانت الفطرة التي فطر الله النّاس عليها هي الأمل، فقد حُرّم علينا اليأس والقنوط ،بل وجعله كبيرة من الكبائر وتشبُّهًا بالكافرين، فقد قال الله تعالى في القرآن الكريم على لسان يعقوب عليه السلام :" يَا بني اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُون"[٣]، بل ويُؤكد الله في كتابه العزيز أنّ القنوط من رحمته هي صفة الضالّين، فيقول سبحانه :" قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ".[٤]
هل للأمل تأثير إيجابي على حياة الإنسان؟
الأمل هو الحياة، وجهان لعملة واحدة لا ينفصلا عن بعضهما، مَن منّا يستطيع العيش بدون أمل؟، لو تأمّلنا قليلًا في حالنا لوجدنا أنّنا نحيا على الأمل في أن الساعة القادمة ستحمل بُشرى تُسعد قلوبنا، وأنّ الغد سيحمل معه أطنانًا من الفرح، نحيا على أمل أنّنا سنكون أفضل وأحسن، وأنّ القادم سيكون أجمل من الفائت، وهذا ما يجعلنا نعيش، الأمل يزرع الورد بداخلنا، يجعل قلوبنا تزهر، فنُصبح أشخاصًا إيجابيّين مُقبِلين على الحياة.
لو اقتربنا قليلًا وألقينا نظرة أكثر تركيزًا على الأمل، لَوجدنا أنّه جزءٌ من كلّ شيء، وأساس لكلّ العلاقات، فالإيمان ينطوي جزء كبير منه على الأمل بالله، والحبّ يستمر باستمرار الأمل بالحبيب، وحينما ينقطع يبهت الحب وينطفئ، وكذلك الصداقة تحيا على الأمل، حيث يُولد بالصديق المثاليّ، الصديق الذي يُعطينا الحبّ ويكون لنا نِعْمَ السّند.
بالتّالي فإنّ التحلّي بـالتفاؤل هو الحافز الأساسيّ لنا لأن نكون إيجابيّين في نظرتنا للحياة، وهذا بدوره يُؤهّلنا لتحقيق أهدافنا وأمنياتنا، ويكون دافعًا لنا نحو التقدُّم والنجاح والإنجاز والمُواصلة، والسبيل الوحيد لحلّ المشكلات وتجاوُز العقبات، وإلّا فإنْ تملّك اليأس منّا سيُعيق استمراريّتنا نحو الأمام، وسيسلب منّا كلّ ما نرجو تحقيقه وإنجازه، وسيجعلنا نقف في نفس النقطة ولا نتقدّم، وبالطبع هذا سيؤثّر على حياتنا كأفراد من جهة، وعلى المجتمع ككلّ من جهة أخرى، وربما هذا ما يجعل التحليّ بالأمل هو اللّبنة الأساسيّة لتقدُّم الشعوب وتحضُّرها.
لماذا نفقد الأمل أحيانًا؟
التحلّي بالأمل شيء ليس سهلًا، ولا يُمكن الحصول عليه بالقليل من الجهد، وإلّا لما أصابت خيبة الأمل الكثير من الأشخاص، الفكرة كلّها تكون في الإيمان بأنّ هذا لن يستمرّ للأبد، وأنّ الدنيا تتقلّب فنراها تفتحُ ذراعيها لاحتضاننا حينًا، ونجدها تضمّنا لتعصر عظامنا حينًا آخر، وكلّما قاومنا اعتصارها لنا كلّما تألّمنا أكثر، لذا يكون من الذكاء أن نتحلّى بالسكون في هذه الأوقات.
إنّ البشر يتقلّبون وهذا من طبيعتهم، فيتحلّون بالأمل تارّة، ويُصابون بالخيبة تارّة أخرى، فتُؤثّر ضغوطات الحياة عليهم، ولأنّ الضغوط تزيد فإنّنا نُلاحظ أنّ يأس الناس أصبح في ازدياد أيضًا، الحياة لها العديد من الجوانب الجميلة، لكن لها جوانبها السيئة التي أصبحت تُكشّر عن أنيابها، والتي تعدّ السبب الرّئيس في الإصابة بخيبة الأمل، ربّما بالمشاكل والصعوبات، أو بالصدمات التي نتلقّاها في المحيطين بنا، وربّما بفقد الطاقة وانتهاكها بداخلنا، ممّا يجعلنا غير قادرين على المواصلة والاستمرار.
لن أقول إنّنا بضغطة زر يُمكننا أن نتخطّى الخيبات ونُسيطر على فقدان الأمل، لكنّنا بحاجة إلى أن نفهم عواطفنا ونتقبّلها، فالإنسان جملة من العواطف والمشاعر المُتداخلة والمُركّبة، تجده يطير فرحًا بكلمة ويُصاب بخيبة في صدره من أخرى، والحلّ هنا لا يكون في إنكار المشاعر بل في تقبُّلها، التقبل هو الخطوة الأولى في استعادة الأمل من جديد، التقبُّل هو الماء الذي يغسل غبار اليأس والإحباط الذي يُغطّي جسد الأمل في صدورنا.
كيف يمكن أن تؤثر خيبة الأمل على حياتنا
حين نُصاب باليأس سنفقد إرادتنا شيئًا فشيئًا، وهذا ما يجعلُنا نفقد هويّتنا دون أن نشعر، وسنتحوّل لكائنات جامدة لا تُريد أن تفعل أيّ شيء في الحياة، لأنّها تُؤمن أنّ الأمل معدوم في كلّ شيء، وأنّ الإنسان مهما فعل لن يستطيع الوصول إلى آماله ولن يُحقّق ما يُريد تحقيقه، وهذا لن يؤثر على الفرد والمُحيطين به في دائرته الصغيرة من الأهل والأصدقاء فقط، لكنّه يؤثر سلبًا على المجتمع ككلّ.
ليت الأمر يتوقّف عند هذا الحدّ، بل إنّ فقدانه سيكون سببًا أساسيًّا في إصابتنا بالعديد من الأمراض الجسديّة، وهذا ليس كلامًا عشوائيًّا، بل إنّه نِتاج دراسات وأبحاث قام بها العلماء في كلّ أنحاء العالم، من بينها دراسة أمريكية أجراها عدد من الباحثين في مستشفى ماونت سيناي بنيويورك، لبيان أثر العلاقة بين الأمل والتفاؤل وبين صحة القلب، فبعد أن قام الباحثون بمتابعة نتائج 15 دراسة قامت في دول كالولايات المتحدة وأستراليا وأوروبا لتفسير هذه العلاقة، اكتشفوا أنّ الأشخاص الذين تحلّوا بالأمل والتفاؤل كانوا أقلّ عُرضة من غيرهم للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، وأنّ الأشخاص المُصابين بفقدان الأمل والنظرة التشاؤميّة تجاه الحياة تَزيد احتماليّة إصابتهم بأمراض القلب والوفاة المُبكّرة.
لو طالَتنا خيبة الأمل وتمكّنتْ منّا فسنحتاج حينها وقتًا كبيرًا للاستشفاء؛ لأنّ الآثار الجانبيّة التي ستتركها لن نتخلّص منها بسهولة، ففقدانه سيؤثّر علينا من الناحية النفسيّة ويُصيبنا بنظرة سلبيّة تجاه كلّ ما هو جميل، وهذا سيجعل داوخلنا هشّة لا تَقْوى على الوقوف والاستمرار في الحياة، لذا فخيبة الأمل هي السلاح الوحيد الذي يمُكنه قتلنا حقًّا ونحن على قيد الحياة.
كيف يمكننا استعادة الأمل؟
رُبّما أصبحنا نعلم الآن لماذا حرّم الله اليأس على قلوبنا، وحذّرنا من القنوط من رحمته، فاليأس وخيبة الأمل والنظرة التشاؤمية للحياة، كلّ هذا يؤثّر علينا نفسيًّا وجسديًّا، وستؤثر على علاقتنا بمن حولنا في الدائرة القريبة والبعيدة في المجتمع، وهذا يُهدّد تماسُك المجتمع بأسره، ويُهدّد الهدف الذي خلقنا الله لأجله، وهو إعمار الأرض والعمل والسعي في الحياة، ولمّا كان الأمر كذلك وجب علينا أن ننفض غبار اليأس عن قلوبنا ونستعيد الأمل حتى تُزهر نفوسنا مرة أخرى.
إنّ أولى خطوات التغلب على الشعور باليأس واستعادة ذلك الأمل الغائب هو الثقة في الله، والإيمان بقضائه وقدره، وأنّ كلّ ما يحدث هو تخطيط إلهيّ، وأن نظرة الإنسان مهما وصل إليه من علم ستظل محدودة جدًا أمام النظرة الإلهيّة.
الخطوة التالية تتمثّل في أن يثق الإنسان بنفسه وبقدراته، وأنّه قادر دائمًا على التغيير وإحداث الفرق، فلا شيء يستمرّ في الحياة للأبد، وبقليل من الثقة بالنفس والسعي والإرادة يُمكننا أن نخلق الأمل من قلب اليأس، ونخرج من الظلمات إلى النور، والثقة أنّ الاستسلام لليأس والاستمرار في عدم المحاولة للخروج من بئره المُظلم السحيق، لن نجني من ورائها إلا مزيدًا من التعب والفشل والإحباط، لأنّ اليأس لن يولد إلا اليأس.
أمّا الخطوة الأخيرة والتي لا تقلّ أهمية عن سابقيها هي "التخلُّص"، تخلّصْ من كلّ مسبّبات الإحباط واليأس، صديقك الذي يدفعُك لليأس دفعًا ويسلب منك الأمل ما هو إلّا عدو فتخلّص منه، وعاداتك التي تتّبعها هي التي تُحدّد مسارك، فلا تجلس مع القانطين، ولا تقرأ للفاشلين المُحبطين، ثمّ تتعجّب من إصابتك بالإحباط، فعقلك هو نتاج للأفكار التي تزرعها فيه، فإن زرعت تفاؤلًا ستحصد أملًا، وإن زرعت يأسًا ستحصد خيبة، والقرار يعود لك وحدك.
إنّ الأمل حالة تصل إليها حينما تنجح في رفع ستار الجهل؛ لأنّ بالمعرفة الحقيقيّة يُمكنك التحلّي بالأمل والتفاؤل والوصول للشعور بالرضا والسعادة؛ معرفتك الحقّة باللّه سبحانه وتعالى، ومعرفتك بحقيقة قدراتك وقوتك، ومعرفتك بطبيعة الحياة، كلّها أمور من شأنها أن تُعيد لكَ الأمل حينما تشعر أنّ الحياة تضيق بك ذرعًا.
المراجع
- ↑ "موهبة الأمل"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-22.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبو هريرة، الصفحة أو الرقم:6420.
- ↑ سورة يوسف، آية:87
- ↑ سورة الحجر، آية:56