ما هي رحلة الإسراء والمعراج؟
يعرف معنى الإسراء والمعراج في معاجم اللغة بالسير ليلًا والصعود، والإسراء هو الحدث الذي يشير إلى سير الرسول الكريم وانتقاله من مكانه ليلًا[١]، أما المعراج فهي كلمة مشتقة من الفعل عرج والذي يقصد به الصعود ويشير إلى صعود الرسول الكريم في السماوات العلى.[٢]
أما الإسراء والمعراج في الاصطلاح فيدلّ على رحلة الرسول من مكة إلى المسجد الأقصى، وتّعد رحلة الإسراء والمعراج واحدة من المعجزات الإلهية التي أيّد بها الله تعالى نبيه محمد -صلّى الله عليه وسلم- اقتضت بنقل النبي من مكة إلى المسجد الأقصى والصعود به إلى السماوات العلى ومقابلة الرسل وكل ذلك في ليلة واحدة[٣]، وقد وردت الإشارة إلى الإسراء والمعراج في القرآن الكريم في قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[٤]
لقد وقعت رحلة الإسراء والمعراج بعد البعثة بعدة أعوام وقبل الهجرة النبوية، حيث بدأت بمجيء جبريل -عليه السلام- لصحبة محمد -عليه السلام- وقد أركبه على ظهرالبراق وهي دابة ما بين الحمار والبغل بيضاء اللون، فأسري بالرسول -عليه السلام- من المسجد الحرام بمكة المكرمة إلى المسجد الأقصى في القدس على ظهر البراق، وكان البراق قد ربط بحلقة موجودة بحائط البراق الذي يربط به الأنبياء دوابهم.[٥]
أسباب رحلة الإسراء والمعراج
لقد كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد كُذّب من قومه وعانى من ألم الفقد بسبب موت زوجته خديجة -رضي الله عنها- وعمهأبي طالب، فكانت هذه الرحلة سبب في التخفيف من معاناة النبي وإدخال السرور إلى قلبه، كما كانت واقعة أراد الله بها أن يعرفه بأنبيائه الذين سبقوه ومعاناتهم مع أقوامهم في دعوتهم إلى التوحيد، لعلّ ذلك ييسر عليه سبيله في الدعوة إلى الإسلام، إذ إنّ جميع الرسل قد قوبلوا بالرفض والنكران في دعواتهم إلا أنهم واصلوا رسالة الله تعالى وأوفوا بالأمانة.[٦]
قد التقى الرسول بالأنبياء في السماوات العلى، وصلى بهم ركعتين في ساحة المسجد الأقصى، ثم عرج على صخرة في بيت المقدس وارتقى على جناح جبريل -عليه السلام- حيث تبعته الصخرة فأمرها جبريل -عليه السلام- بأن تثبت مكانها فبقيت معلقة في الهواء، ثم صعد جبريل بمحمد -عليه السلام- إلى السماء فكان يطلب الإذن عند الوصول إلى كل سماء فترحب الملائكة بقدوم سيد الخلق -صلى الله عليه وسلم-.[٧]
قد شاء الله تعالى أن يلتقي محمد -صلى الله عليه وسلم- بالأنبياء متسلسلين متتابعين كما بعثهم الله تعالى زمنيًا، فالتقى في السماء الدنيا سيدنا آدم -عليه السلام- حتى وصل إلى السماء الثانية وكان فيها سيدنا يحيى وعيسى ابن مريم، ثم صعد إلى السماء الثالثة فالتقى بسيدنا يوسف -عليه السلام-، ثم في السماء الرابعة لقي فيها إدريس، ثم ارتقى إلى السماء الخامسة فوجد فيها سيدنا هارون، وفي السماء السادسة التقى بالنبي موسى، وعندما وصل إلى السماء السابعة التقى بسيدنا إبراهيم حيث كان مسند ظهره إلى البيت المعمور، حيث استقبل إبراهيم -عليه السلام- بمحمد ودعا له.[٧]
لعل الله تعالى قد أراد أن يعرف محمد -عليه السلام- بنوع آخر من خلقه لم يبصره بشر من قبل، حيث تمكّن الرسول من رؤية جبريل -عليه السلام- على صورته التي خلق عليها حين وصل به إلى سدرة المنتهى، إذ إنّ له ستمائة جناح يسقط منها الدر والياقوت وقد أسبل عليه الله غطاء رحمته فلم يخف أو يرتعد كما حصل معه في أول مرة أوحي إليه.[٧]
لقد شاء الله تعالى لنبيه الكريم محمد أن يطلع ويدرك إدراكًا حسّيًا لمواضع التكريم الإلهي لعباده الصالحين ومواضع العذاب الحقيقي للكافرين، حيث عُرض عليه من نعيم الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، وقد رأى النار وما فيها من عذاب وأغلال ورأى أحوال الناس يعذبون في جهنم رأى الرسول شجرة الزقوم التي وصفها الله تعالى في القرآن الكريم، ورأى مالك خازن النار وماشطة ابنة فرعون والدجال بشعره الأجعد أعور العين عظيم[٧]، وكل ذلك مثبت ومسجل في القرآن الكريم كما في قوله تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى * عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى * ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى * لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى}.[٨]
في هذه الرحلة كان الله تعالى قد أراد للنبي محمد أن يسير على الفطرة الني فطر عليها فطرة الإيمان والخير والتي مثلت له من خلال اللبن، حيث أحضر جبريل عليه السلام ثلاثة أواني للرسول -صلى الله عليه وسلم- الأول فيه الخمر ويمثل الشر، والثاني فيه العسل ويمثل المتعة، والثالث فيه اللبن ويمثل الخير والحياة، فاختار الرسول اللبن ليكون قدوة أمته في الخير والانصراف عن اللهو والشر.[٩]
ثمرات قصة الإسراء والمعراج
إنّ رحلة الإسراء والمعراج لم تكن مجرد رحلة نبوية عادية أو معجزة إلهية يؤيد بها نبي من أنبياء الله وحسب، إنما كانت مصدر تشريع لعقيدة الإسلام ووسيلة من وسائل تبيان أحكامه، حيث فرض الصيام على المسلمين خلال شهررمضان وعرّفنا الرسول صلى الله عليه وسلم بصيام تاسوعاء وعاشوراء وصيام يوم عرفة وصيام السنن، كما فرضت الصلوات الخمس بعد أن كانت خمسين صلاة، حيث طلب الرسول من الله تعالى تخفيف عدد الصلوات إلى خمس صلوات.[١٠]
في حادثة الإسراء والمعراج بشرى للرسول وللمسلمين أجمعين، فقد أرى الله تعالى نبيه الكريم محمد -صلى الله عليه وسلم- نهر الكوثر الذي كرّمه به وخصّه به من دون خلقه من الأنبياء والصالحين، فهذا النهر الذي يأتي الرسول الكريم يوم القيامة فيسقي منه أمته فردًا فردًا فلا يظمأ الشارب بعدها ابدًا[١١]، وقد وصفه الرسول بقوله: "بينما أنا أسير في الجنّة إذا أنا بنهر حافتاه قباب الدرّ المجوّف، قلت ما هذا يا جبريل، قال هذا الكوثر الذي أعطاك ربّك، فإذا طينه أو طيبه مسك أذفر".[١٢]
شكلت رحلة الإسراء والمعراج امتحانًا واختبارًا من الله تعالى للمؤمنين الصادقين، فقد فتن الناس بالحدث عندما سرد الرسول -عليه السلام- الأحداث التي وقعت معه لهم، حيث اختلف الناس بين مصدق ومكذب فزادت المؤمنين إيمانًا وتثبيتًا وكشف الكافرين وكل من كان في قلبه ضعف وعرف أبو بكر بالصديق بعد هذه الحادثة إذ كان صديق رسول الله الصدّيق الذي لا يكذبه في شيء أبدًا ولم يتأثر بتلك الفتنة التي جعلت الناس في لجة من أمرها آنذاك وإن كان الرسول نفسه قد أبدى قلقه من تكذيب الناس له.[١٣]
كشفت رحلة الإسراء والمعراج عن تسلسل أنبياء الله تعالى ووحدة الدعوة التي دعا إليها كل منهم أمته، فعلى الرغم من اختلاف تفاصيل العبادات والتشريعات وما حلّل وحرّم على كل نبيّ وأمّته، إلا أنّ رسالاتهم كانت تقوم على غاية واحدة وهي الدّعوة إلى وحدانية الله تعالى وعدم الإشراك به.[١٤]
في حادثة الإسراء والمعراج نسخت القبلة حيث كانت قبلة المسلمين موجهة نحو المسجد الأقصى، إلا أنها لأمر أراده الله وشاءته حكمته نقلت القبلة وأصبحت موجهة نحو الكعبة المشرفة في مدينة مكة المكرمة.[١٥]
عرف المسلمون من خلال حادثة الإسراء والمعراج المكانة الدينية المرموقة التي حازها كل من المسجد الأقصى في القدس الشريف، والمسجد الحرام في مدينة مكة المكرمة ،حيث ميزهما الله تعالى وخصّهما عن سائر المساجد والبيوت التي يعبد فيها، كما نالت المدن التي وقعت فيها تلك المساجد شيئًا من البركة التي أشار إليها الله تعالى[١٦]، كما في قوله: {الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ}.[١٧]
كما أثبتت حادثة الإسراء والمعراج بتوقيتها الذي وقعت به وأحداثها التي مر بها رسول الله أنّ رحمة الله وسعت كل شيء، فقد أراد الله تعالى أن يجبر خاطر حبيبه ونبيه في الوقت الذي شعر فيه بالفقد والوحدة حينما خسر كلًّا من زوجته خديجة وعمّه أبي طالب الذي كان يسنده ويدعمه، بالإضافة إلى ما أصابه من حزن بسبب المواجهة القبيحة والمؤذية من أهل الطائف له.[١٨]
أظهر الله تعالى للنبي الكريم محمد مشاهدات ودلائل على أحقية رسالته وعمومها وأنّه نبيّ القبلتين وإمام المشرقين والمغربين وأنه خاتم النبيين وإمامهم، وقد كرم الله تعالى النبي كأول إنسان يرتقي للسماوات العلا ويعود للأرض برفقة الملك جبريل -عليه السلام- ووجود نهر الكوثر الخاص به في الجنة وتكليفه -صلى الله عليه وسلم- بالرسالة، حيث كانت خالدة على مر الزمن وشاملة للعالم أجمع فحفظها الله بحفظه وأعز بها نبيه وأمته وجعله شفيعًا لأمته.[١٩]
لقراءة المزيد، اخترنا لك هذا المقال: مواقف من رحلة الإسراء والمعراج.
المراجع
- ↑ مجمع اللغة العربية، المعجم الوسيط، صفحة 428. بتصرّف.
- ↑ مجمع اللغة العربية ، المعجم الوسيط، صفحة 592. بتصرّف.
- ↑ "الإسراء والمعراج"، الالوكه. بتصرّف.
- ↑ سورة الإسراء، آية:1
- ↑ خطأ استشهاد: وسم
غير صحيح؛ لا نص تم توفيره للمراجع المسماة
b8f8b19d_8f78_42ec_9548_ae802c8e372c
- ↑ متولي الشعراوي، الإسراء والمعراج، صفحة 16. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث متولي الشعراوي، الاسراء والمعراج، صفحة 59. بتصرّف.
- ↑ سورة النجم، آية:13
- ↑ متولي الشعراوي، الاسراء والمعراج، صفحة 71. بتصرّف.
- ↑ "آية الإسراء والمعراج: دلالات وعبر"، الالوكه، اطّلع عليه بتاريخ 6/2/2021. بتصرّف.
- ↑ خطأ استشهاد: وسم
غير صحيح؛ لا نص تم توفيره للمراجع المسماة
f68132de_1875_4f3e_8872_602ca09de772
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:6581، حديث صحيح.
- ↑ خطأ استشهاد: وسم
غير صحيح؛ لا نص تم توفيره للمراجع المسماة
9a1b200d_18d7_458d_8be7_140d0c81101a
- ↑ خطأ استشهاد: وسم
غير صحيح؛ لا نص تم توفيره للمراجع المسماة
9a323346_7a68_4d66_a58f_1dd041449a47
- ↑ خطأ استشهاد: وسم
غير صحيح؛ لا نص تم توفيره للمراجع المسماة
856a08ba_4dd0_484c_a839_c7ad7eba33d9
- ↑ خطأ استشهاد: وسم
غير صحيح؛ لا نص تم توفيره للمراجع المسماة
d6133092_cd57_41ef_8bce_8ea3e0e4dc97
- ↑ سورة الاسراء، آية:1
- ↑ خطأ استشهاد: وسم
غير صحيح؛ لا نص تم توفيره للمراجع المسماة
5bc2a158_5de3_41fc_b16b_b0c289b67b72
- ↑ خطأ استشهاد: وسم
غير صحيح؛ لا نص تم توفيره للمراجع المسماة
200e0fdf_3b73_43f1_a54e_cbd00fd0f0dd