فلسفة الشجاعة
الشجاعة من أبرز الصفات التي تغير حياة الإنسان إلى الأفضل، وتقوم فسلفة الشجاعة على القوة الداخلية التي يجب أن تكون في داخل كلّ شخص حتى يكون قادرًا على تحمّل المصاعب برباطة جأش وثبات كبيرين، فالشجاعة هي مقباس للثبات في وجه الأحداث والقدرة على المواجهة، والجرأة في عمل الأشياء وقولها، وهي أنواعٌ عدة، فالشجاعة قد تكون أحيانًا بالكلام وأحيانًا تكون بالصمت، لهذا فهي مقترنة بالمواقف والأحداث وليس لها تعريف مطلق، كما أنّ الشجاعة قد تكون صفية فطرية موجودة في الشخص منذ ولادته، وقد تكون شجاعة مكتسبة يتعلمها الإنسان بفضل الأحداث التي تمرّ به أو بسبب طريقة تربيته أو البيئة التي يعيش فيها الإنسان.
تختلف قوّة الشجاعة بين شخص وآخر باختلاف العديد من العوامل، فالبعض قد يكون شجاعًا ولا تظهر شجاعته إلّا تحت ظرف معين، بينما الآخر قد يكون شجاعًا في كلّ المواقف حتى بات يُعرف بهذه الصفة، خاصة أنّ شجاعة البعض تكون بينهم وبين أنفسهم عندما يواجهون الأمراض والآلام والمصائب بقوة وعزيمة وثبات ورباطة جأش دون أن يشعر بهم أحد، والبعض تكون لديه شجاعة أخلاقية تمنحه القدرة على مواجهة عدد كبير من الناس ليدافع عن فكر ما أو حق ما رغم كل الظروف والإحباطات المحيطة، والدليل على هذا القصص الكثيرة التي مجدت الشجاعة منذ القدم، وكيف أنها انتصرت للشجاع ومجدته.
الشجاعة ليس لها علاقة بالقوة الجسدية فقط، بل هي جزء منها لكنها ليست الأساس، فالشجاعة تكون في معظم الأحيان في العقل وطريقة التفكير، وكيف يتحاور الإنسان مع نفسه، وقد تكون الشجاعة في الجرأة في اتخاذ القرار، وأن يُصر الشخص على موقفه إن كان صحيحًا، لكن الشجاعة في موقفٍ خاطئ لا تعدّ شجاعة بشكل حرفي وإنما هي نوعٌ من الإصرار على الخطأ، لذلك حتى يكون الإنسان شجاعًا يجب أن يكون تصرفه مبنيًا على شيءٍ صحيح، وأن يتحكم عقله بتصرفاته قبل أن يتسرّع ويتصرف بطريقة شجاعة بدنية فقط، لهذا الشجاعة محكومة بالعديد من الأمور والقوانين التي يجب أن تكون موجودة حتى تكون في محلّها.
اختلفت فلسفة الشجاعة من قبل عنها في الوقت الحاضر، ففي السابق كان الإنسان البدائي ينظر للشجاعة في مواجهة الطبيعة وما في من حيوانات وكوارث طبيعية، باعتبار أن الشخص القادر على هزيمة أسد أو نمر على سبيل المثال هو الأكثر شجاعة والقادر على الحماية، وتطوّر مفهوم الشجاعة مع الوقت حتى أصبح أكثر شمولية، فقد أصبحت الشجاعة بعد ذلك تتمثّل بأن يكون الإنسان قادرًا على تأمين حاجياته دون أن يعتمد على أحد، خاصة أنّ تأمين الطعام في السابق كان يعتمد على ما يأتي به الرجال من صيد للحيوانات، وبالتالي بدأ الناس يربطون مفهوم الشجاعة بالرجل بالمعنى الدقيق للكلمة، ويعدّون القوة من أهم سمات الشجاعة.
على الرغم من اقتران صفة الشجاعة من قبل بالرجال عمومًا وأنهم الأكثر قوة ورباطة جأش وثبات، إلّا أنّ مفهوم الشجاعة أصبح اليوم لا يتعلق بعمر أو جنس أو مكان أو زمان، فهناك نساء شجاعات أظهرن قوة كبيرة في المواجهة، وهناك أيضًا أطفال شجعان أثبتوا أنهم قادرين ولديهم الكثير من القوة، كما يصف الناس بعض الحيوانات بوصف الشجاعة ويعدّونها الأكثر قوة ومواجهة في الدفاع عن نفسها أمام الحيوانات الأخرى كالأسد والنمر والفهد، والكثير منها أصبح مضربًا للمثل.
مراتب الشجاعة
تتعدد مراتب الشجاعة، وأوّل مراتب الشجاعة وأعظمها هي الدفاع عن الحق في سبيل الله، أي الجهاد الذي يكون فيه الإنسان مستعدًا للتضحية بروحه في سبيل الله تعالى، بحيث يكون مهيأ للموت في أي لحظة دون أن يسأل، ومن الشجاعة أيضًا أن يعمل الإنسان في أعمال يواجه فيها خطر الموت دون خوف مثل عمل رجال الإطفاء وعمل رجال الشرطة، فهذه الأعمال تحتاج إلى قوة وثبات ورباطة جأش كبيرة.
يُطلق الناس لفظ الشجاعة بطرقٍ عدة، فأحيانًا يصفونه بالشجاع أو البطل أو الباسل أو المنحار أي: كثير العطاء، للشجاعة مراتب عديدة كما أنّ للشجعان مراتب عديدة، من مراتب الشجاعة أن يحتفظ الإنسان بحضور ذهنه وقوة تركيزه عند الشدائد، بحيث لا يُصاب العقل بالتشتت والضياع، وهناك أيضًا الشجاعة الأدبية التي التي يقول فيها الإنسان رأيه وما يظنه بأنه الحق دون أي يخاف لومة لائم، وأن يعترف بالخطأ دون خوف من العقوبة أو من أي أحد.
ممّا يجدر ذكره أنّ العرب يفتخرون بصفة الشجاعة منذ القدم وبجميع مراتبها، ويعدّون الشجاع بمثابة البطل، خاصة أنّه يستطيع الإقدام على فعل الكثير من الأشياء التي يعجز عنها غيره ولديه روح المغامرة، والشجاع الحقيقي هو الذي ينتصر للحق ضدّ الباطل عكس الجبان المتخاذل الذي يتلعثم أمام من هو أقوى منه قولًا وفعلًا، ولا يستطيع أن يعبر عن أي شيء لأنه لا يملك الجرأة أبدًا.
من أنواع الشجاعة الشجاعة التي تكون نصرةً للمظلوم ضدّ الظالم، مما يُشعر المظلوم بالأمان والاطمئنان، ويعرف أنّ حقه سيعود إليه، ومن مراتبها أيضًا الصبر على الشدائد والمحن، سواء في وقت الموت أم في المصائب التي تحدث في الحياة على نحو مفاجئ، فالبعض يفقدون صوابهم وصلابتهم وجأشهم، ويتصرفون بطريقة توحي بأنّ الحياة انتهت بالنسبة لهم، لهذا فوجود الشجعان في أيّ مكان يجعلهم علامة فارقة ومميزة بين الحضور دون وجود أي خوف، ولكن هل الشجاع يخاف؟
إنّ الشجاع لا يخاف، لأنّ أهم سمات الشجاع عدم الخوف، لأنه يعلم تمامًا أن الروح والعمر والحياة والموت كلها بيد الله تعالى ولن يستطيع أحدٌ أن يسلبه إياها إلًا بأمر الله، فلا داعي لأن يفكر بالعواقب، عكس الجبان الذي يكثر من الحسابات والتحليل ويدمن التفكير في مصيره.
اكتساب الشجاعة
حتى يكون الإنسان شجاعًا غير الشجاعة الفطرية التي يُميز الله تعالى فيها بعض الأشخاص أكثر من غيرهم، لكن يمكن للإنسان أن يكتسب صفة الشجاعة بطرقٍ عدة، وأهم هذه الطرق أن يدعو الله تعالى وأن يلجأ إليه في كلّ وقت ويطلب منه أن يكون شجاعًا مقدمًا وأن يمنحه قوة القلب والثبات، وقد ورد في القرآن الكريم العديد من الآيات التي دعا فيها الأنبياء الله تعالى أن يمنحهم قوة القلب والشجاعة والثبات خاصة وقت الحروب والشدائد منها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ}[١]
الشجاعة مفتاح تحقيق الطموحات والنجاحات في الحياة، لهذا من المهم جدًا أن يسعى الإنسان لاكتسابها، ومن طرق اكتساب الشجاعة أيضًا أن يرافق الإنسان الشجعان ويتعلم منهم ويكتسب من صفاتهم وأخلاقهم، وأن يقرأ قصص الشجعان ومغامراتهم ويأخذ منها العبرة ويتعلّم كيف يكون شجاعًا وقويًا ومقدامًا ولا يخاف إلّا من الله تعالى وحده، كما يصبح الإنسان شجاعًا إذا رسخت في ذهنه فكرة الإيمان بالقضاء والقدر، وآمن أن لن يصيبه إلا ما كتبه ربّ العالمين، لهذا يجب أن يقوي الإنسان الوازع الديني في قلبه حتى يملك القدرة على المواجهة، وأن يواجه التحديات والخطر باليقين التام والتوكل على الله تعالى.
يصل الإنسان إلى الشجاعة التامة عندما يملك قناعة داخلية بأن مصدر جميع الأوهام مصدر واهم ليس موجودًا من الأساس، وأنّ الشجاعة أعلى وأسمى مكانة من الجبن الذي يضع الإنسان في مكانة قليلة ويجعله متخاذلًا وغير قادرٍ على أن يفعل أي شيء في حياته، لهذا فإنّ اكتساب الشجاعة يكون بتصحيح الفكر والعقل والسعي إلى الشجاعة بعزم وثبات دون الاكتراث لأي شيء محبط يدعو للجبن.
يمكن للإنسان أن يكون أكثر شجاعة عندما يتخذ له قدوة حسنة من الشجعان الذين ذاع صيتهم وكتبت عنهم كتبالتاريخ وذكرت قصص شجاعتهم، سواء الشجاعة في الحرب والقتال، أم الشجاعة في مواجهة الحاكم الظالم، أم الشجاعة في قول الحق مهما كانت الظروف، وبغض النظر عن كلّ هذه القصص فإنّ كثرة اطلاع الإنسان عليها تمنحه الإلهام الصادق الذي يدلّه كيف يكون قويًا ولا يخشى أيّ شيء مهما كان، مع ضرورة استخدام الإنسان لعقله وطريقة تفكيره وأن يكون ذكيًا في المواجهة، ويعرف كيف يفعل ومتى ينسحب ومتى يواجه.
يمكن أن يصبح الإنسان شجاعًا إذا بحث عن الأشياء التي تحفزه لهذه الصفة، وأن يُشجع نفسه على القوة والثبات من خلال تقديم المكافآت لنفسه إذا صبر وثبت، خاصة أنّ الإسلام يحث على أن يكون الإنسان قويًا ثابتًا ومتمتعًا برباطة الجأش التي تجعله يتخطّى جميع الصعوبات والأحداث دون أي خوف إلا من الله وحده، ولهذا مجد الإسلام الشجاعة في قول الحقوالجهاد في سبيل الله.
لقراءة المزيد من الموضوعات، ننصحك الاطّلاع على هذا المقال: كلام عن الرجولة والشجاعة.
المراجع
- ↑ سورة الأنفال، آية: 45