موضوع تعبير عن الشهادة

كتابة:
موضوع تعبير عن الشهادة

مفهوم الشهادة

إنّ تعريف الشهادة في الإسلام هو بذل النفس في سبيل الله تعالى وفي سبيل إعلاء كلمة لا إله إلّا الله محمّد رسول الله في حربٍ مع الكافرين بالله وبدينه وبآخر أنبيائه، وهنالك آراء كثيرة حول سبب تسمية الشهيد بهذا الاسم، فقال بعضهم إنّه قد سمّي بالشهيد لأنّ الله تعالى والنبي محمد -صلّى الله عليه وسلّم- والملائكة -عليهم السلام- قد شهدوا له بالجنة، وقال بعضهم لأنّ روحه قد شهدَت الجنّة قبل مجيء صاحبها، وذلك بخلاف الناس العاديين الذين لا تدخل أرواحهم الجنّة إلّا بدخولهم هم بعد يوم القيامة، وقال بعضهم أيضًا إنّ الشهيد قد سمّي شهيدًا لأنّه أشهدَ نفسَهُ على حبّ دينه وعقيدته أكثر من نفسه.


قِيل أيضًا لأنّه يأتي يوم القيامة تشهد عليه جراحه ودماؤه، وذلك كما في حديث الرسول عن الشهداء إذ قد قال -صلّى الله عليه وسلّم-: "والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، ما مِن كَلْمٍ يُكْلَمُ في سَبيلِ اللهِ، إلَّا جاءَ يَومَ القِيامَةِ كَهَيْئَتِهِ حِينَ كُلِمَ، لَوْنُهُ لَوْنُ دَمٍ، ورِيحُهُ مِسْكٌ"[١]، وقيل بل هو شهيد لأنّ الخلائق قد شهدَت له بالشهادة في سبيل الله تعالى، وقيل لأنّه حيٌّ حاضرٌ عند ربّه وليس ميتًا، وقيل لأنّ ملائكة الرحمة تشهد موته فيشهدون له، وقيل غير ذلك من اجتهادات قال بها علماء المسلمين.


لكنّ المعنى الأكبر والأوسع لهذه الكلمة هو البذل والعطاء والجود بالنفس في سبيل أمرٍ عظيمٍ قد بعث الله أنبياءه من أجله من لدن آدم إلى محمّد مرورًا بكلّ الأنبياء -صلوات الله وسلاماته عليهم أجمعين-، فتبقى صورة الشهيد هو ذلك المضرّج بدمائه المستلقي تحت سماء ربّه شاخصًا بصره الحديد إلى السماء يرى ما أعدّ الله تعالى له من نعيمٍ مُقيم في دار لا تعبَ فيها ولا نصَب، تحفّه الأملاك وتغشى وجهه السكينة والهدوء وتعلو شفتيه ابتسامه الرضا بحكم الله وإن كانت نفسه هي التي قد كُتِبَ عليه أن يجود بها.


ليس بعد هذا البذل بذلٌ يوصف ولو جيء بألف حاتمٍ وألف هرِمٍ وألف حارث، هو الشهيد لا غيره ذلك الذي هبط من العلياء إلى الأرض ليعلّم الناس كيف يكون الصدق مع الله تعالى والإخلاص في سبيل العقيدة التي قد تضرّجَ بابُها بأنهار من دماء الشجعان ليحفظوها ولتقوم على أقدامها كما نراها اليوم عزيزةً أبيّةً لا تنحني سوى للإله العليّ الصمد، ولعلّ مفهوم الشهادة لا يقتصر على قتلى الحروب ضد أعداء الديانة، بل هم فروع وصنوف، وأعلاها منزلة هو الذي قد بذَلَ دمه ونفسه في سبيل الله، ولذلك ينبغي لنا أن نعلم أنّ أحكام الشهيد تختلف باختلاف صورة استشهاده، فكما أسلفنا إنّ للشهادة صور كثيرة وإن كان أعلاها شهيد الحرب.


أنواع الشهادة

إنّ الشهادة تنقسم إلى أنواع كثيرة ولا تختصّ فقط بشهيد الحرب؛ فالشهادة هي البذل في سبيل الله، ولتوضيح هذه الفكرة نأتي على حديث للنبي -صلّى الله عليه وسلّم- يعلّم فيه أصحابه أنّ البذل في سبيل الله تعالى يمكن أن يكون في أيّام الحرب وأيّام السلم، ففي أيّام الحرب البذل في سبيل الله معروف، ولكن في أيّام السلم ربّما تكون معلومة غائبة عن الأذهان، فمرّة كان النبي -عليه الصلاة والسلام- واقفًا مع الصحابة فرَأوا رجلًا ممتلئًا نشاطًا وهمّة وطاقة، ويبدو أنّ بنية جسمه كانت صلبة وقويّة ما جعلَ الصحابة يُعجبون بقوّته وطاقته.


قالوا لو كان هذا الرجل يخرج في سبيل الله فينتفع به المسلمين، فأجابهم -عليه الصلاة والسلام- إجابة تعلّمهم -ونحن معهم- ما معنى أن يكون الرجل في سبيل الله، فقال لهم: "إن كان خرج يسعَى على ولدِه صِغارًا فهو في سبيلِ اللهِ وإن كان خرج يسعَى على أبوَيْن شيخَيْن كبيرَيْن فهو في سبيلِ اللهِ وإن كان خرج يسعَى على نفسِه يعفُّها فهو في سبيلِ اللهِ وإن كان خرج يسعَى رياءً ومُفاخَرةً فهو في سبيلِ الشَّيطانِ".[٢]


هذه صوَرٌ توضّح أنّ الخروج في سبيل الله لا يقتصر فقط على القتال في المعارك، وإذا علمنا أنّ الإسلام لا يرى البذلَ في سبيل الله مقصورًا على البذل في المعارك، فمن باب أولى أن يكون للشهادة أنواع أخرى غير الاستشهاد في المعركة.


الشهادة المقبولة عند الله هي الشهادة الصادقة وليس الشهادة التي يخرج صاحبها ليستعرض طاقاته أمام الناس ليرضي غروره ويرضي الشيطان، ولكن الشهيد الحق هو الذي قد خرج من بيته يدفعه الصدق وحب الله تعالى، حب الله يجعل المرء عبدًا لله كما ينبغي، وبذلك تكون كل أفعاله نابعة من قلبه، ومن هنا تكون أعلى منازل الشهادة هي الشهادة في سبيل الله في قتال الكفار إقبالًا من غير إدبار، وهنالك أيضًا أنواع للشهداء قد ذكرها النبي -صلّى الله عليه وسلّم- في أحاديث كثيرة، ولكن مع فرق صغير وهو أنّها تُعامَل في الدنيا معاملة الموتى العاديين من حيث التغسيل والتكفين والصلاة عليهم، ولكنّهم عند الله في الشهداء.


منهم خمسة أصنافٍ قد ذكرهم النبي -صلّى الله عليه وسلّم- في حديث واحد، منهم شهيد المعركة الذي يُعرَّف أنّه الشهيد في سبيل الله، وأمّا الأصناف الأخرى فهي في قوله -عليه الصلاة والسلام-: "الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ: المَطْعُونُ، والمَبْطُونُ، والغَرِيقُ، وصَاحِبُ الهَدْمِ، والشَّهِيدُ في سَبيلِ اللَّهِ"[٣]، فالمطعون هو الذي يموت في مرض الطاعون، وهذا المرض من أشدّ الأمراض فتكًا بالبشر، وقيل ليس هو فقط الطاعون، بل كلّ مرض يكون وباءً يفتك بالبشر فهو طاعون، ومن يموت فيه هو شهيد، والثاني هو المبطون، وهو الذي يموت بسبب داء في بطنه، والثالث هو الغريق في الماء، وهذا الميت يعاني آلامًا شديدة قبل الموت.


أمّا الصنف قبل الأخير فهو الذي يقع عليه شيئًا متهدّمًا، كالذي يقع عليه جدار أو بناء أو نحو ذلك من الأسباب التي تؤدي إلى موته بسبب وقوع شيء ما عليه، والصنف الأخير قد استفضنا كثيرًا في شرحه فيما تقدّم، وقد يقول قائل هل هؤلاء هم فقط أصناف الشهداء في الإسلام؟ نقول لك لا، فقد قال النبي -عليه الصلاة والسلام- أيضًا: "من قاتل دون مالِه، فقُتل فهو شهيدٌ، ومن قاتل دونَ دمِه، فهو شهيدٌ، ومن قاتل دونَ أهلِه، فهو شهيدٌ"[٤]، فهذه أيضًا ثلاثة أصناف أخرى للشهداء في الإسلام، فأمّا الأوّل فهو الذي يريد أحدٌ أخذ ماله منه، فيقاتلهم ليدافع عن ماله، فإن قتلوه فهو شهيدٌ بإذن الله.


أمّا الثاني فهو الذي يريد أحدٌ ما قتله فيدافع عن نفسه، فإن قتله فهو شهيدٌ أيضًا، وأمّا الثالث فهو الذي يدافع عن أهله كزوجته وإخوته وأبنائه أو أحد والديه أو أحد أقاربه، فإن قُتِلَ وهو على تلك الحال من الدفاع فهو شهيدٌ كذلك، ذلك أنّ الحقّ واحدٌ وإن اختلفت الطرق الموصلة إليه، فالشهادة هي الحق، وقد اختطّ الله لها طرائق كثيرة توصل إليها، فأيّ طريق يسلكه العبد للوصول إلى الشهادة من الطرائق المشروعة فهو في سبيل الله، فإن مات وهو على تلك الطريق فإنّ الشهادة هي المنزلة التي يصيب، والجنة هي الأجر العظيم الذي قد أعدّه الله لأولئك السادة الكرام.


أجر الشهادة

لقد أعدّ الله تعالى للشهداء من الأجر العظيم ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعَت ولا خطر على قلب بشر، لقد أعدّ لهم دار الخلود، دار الخلود التي وعدَ عباده مَن كان منهم تقيًّا، ومَن أتقى وأكرم من الشهيد سوى من رضي الله من الأنبياء والصالحين ممّن رفعهم مكانًا عليًّا؛ فإنّ منازل الشهداء عند الله لا يبلغها أيّ مخلوق، وقد ذكر الله أجر الشهداء في القرآن فقال عزّ من قائل: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}.[٥]


الشهداء عندما صعدَت أرواحهم إلى السماء ورأوا ما كانوا يوعدون فرحوا بعطاء الله، ولكنّهم حزنوا على أهلهم وإخوانهم الذين يحزنون عليهم في الدنيا، فسألوا الله أن يطمئن أهلهم عنهم، فأنزلَ هذه الآيات ليواسي أهلهم، فقد رأى الشهيد من الأجر العظيم ما لم يره غيره وما لم يتوقّعه هو نفسه، فمنها أنّه حيٌّ عند ربّه، ومنها أنّه مع الأنبياء والصديقين في منزلة رفيعة عند الله، ومنها أنّه لا يشعر بألم ولا عذاب عند موته، ومنها أنّه لا يُعذّب في قبره ولا يوم القيامة، ومنها أنّ منزلته في الفردوس الأعلى، ومنها غير ذلك ممّا استأثر الله تعالى به في علم الغيب.



لقراءة المزيد من الموضوعات، ننصحك بالاطّلاع على هذا المقال: موضوع تعبير عن الشهيد.

المراجع

  1. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:1876، حديث صحيح.
  2. رواه المنذري، في الترغيب والترهيب، عن كعب بن عجرة، الصفحة أو الرقم:3/107، الحديث رجاله رجال الصحيح.
  3. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:652، حديث صحيح.
  4. رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن سعيد بن زيد، الصفحة أو الرقم:4105، حديث صحيح.
  5. سورة آل عمران، آية:169 - 170
9891 مشاهدة
للأعلى للسفل
×