مفهوم الصبر
الصبر من الكلمات التي تحمل الكثير من المعاني، ومفهوم الصبر لغةً نقيض الجزع، أمّا في معجم المعاني يعني: الاحتمال والتجلّد والاطمئنان دون استعجال أو شكوى، وحبس النفس ومنعها، والصبر حبس النفس عن الجزع، أمّا في الاصطلاح فهو منع النفس عن محارم الله وحبسها على أداء الفرائض والعبادات، ومنعها من الشكاية والتسخّط، والرضا بقضاء الله وقدره، وفي الاصطلاح يشمل مفهوم الصبر معانٍ عدة، بحسب الموقف الذي يصبر فيه الإنسان عمّا يؤذيه.[١]
الصبر عبادة عظيمة أمر الله تعالى به في القرآن الكريم، وقد جاء ذكر الصبر في العديد من الآيات منها قوله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}[٢]، وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدلّ على عظمة الصبر، وقد قرنه الناس منذ القدم بالفرج، لأنّ الصبر يعني أن يكون الإنسان راضيًا بما قسم الله تعالى له دون أي تذمر أو شكوى، ويظلّ منظرًا للفرج حتى يأذن الله تعالى به، فينال الفلاح والخير الكثير في الدنيا والآخرة، ويستشعر لذة انتظار الفرج.
أنواع الصبر
للصبر أنواعٌ كثيرة، ويحتلف كل نوع باختلاف الظرف الذي جعل الإنسان يصبر فيه ويحتسب، وبصفته من الأخلاق الكريمة التي تقع قمة الهرم من حيث الأهمية، فإنّ أنواع الصبر تتدرّج بحسب أهميتها، وأهم هذه الأنواع هو الصبر على أداء الطاعات والفرائض التي امر الله تعالى بها، وتحمّل المشقة الناتجة عنها، ومن بينها الصبر على الجوع والعطش في صيام شهر رمضان، والصبر على مشقة قيام الليل والوضوء والصلاة، وغير ذلك الكثير، والإنسان الذي يُحافظ على هذا النوع من الصبر ويحتسب أجره عند الله تعالى، يُلاقي الكثير من الحسنات التي وعد الله بها وأعدّها للصابرين، وفي هذا قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}[٣]
النوع الثاني من أنواع الصبر هو الصبر عن ارتكاب المعاصي والآثام، وفي هذا النوع يُجاهد الإنسان نفسه وهواه ويجاهد الشيطان حتى لا يقع في الذنب، ويصبر على هذه المشقة العظيمة حتى يتجنب الفساد، ويكون هذا ابتغاءً لوجه الله تعالى، والأمثلة على هذا النوع كثيرة منها صبر النبي يوسف -عليه السلام- عن الوقوع في معصية الزنا بعد أن دعته امرأة العزيز إلى ذلك، وصبر المؤمنين عن شرب الخمر والوقوع في الشهوات، واستحضارهم لخشية الله تعالى، مما يجنبهم الفاحشة والوقوع في الرذائل.
النوع الثالث من أنواع الصبر هو الصبر على شرّ القدر، وكل الأحداث المؤلمة التي يمرّ بها الإنسان وما يترتب عليها من مشاعر سيئة وحزن عميق، وأن يتجنب جميع الأقوال والأفعال التي تدلّ على السخط وعدم الرضى بقضاء الله تعالى، وفي هذا قوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}[٤]، ومن الأمثلة على هذا النوع من الصبر، الصبر على الفقر والجوع والأمراض والأحزان التي تُصيب الإنسان عند فقد شخصٍ عزيز بالموت، وعدم الجزع من تقلبات الأقدار والمصائب المرافقة لها، ومن يصبر ويحتسب ثوابه عند الله تعالى سيعطيه الله أجر الصابرين المحتسبين.
الصبر ليس بالأمر الهيّن، بل يحتاج إلى أن يكون الإنسان راضيًا رضىً تامًّا عن كلّ ما اختاره الله تعالى له، وألّا يسمح للجزع من المصيبة أن يُصيبه، وألّا يرتكب أي فعل يُنافي الصبر، خاصة إذا كان الإنسان متوكلًا على ربه، ومهما اختلفت الأحداث التي تدعو الإنسان إلى الصبر فكلّها من أقدار الله تعالى التي تتطلّب الثبات والرضى، وتحمل الآلام الناتجة عنها بصدرٍ رحب واحتساب للأجر والثواب حتى ينال الفضل الكبير الذي وعد الله به الصابرين.
فضل الصبر
للصبر فضلٌ عظيم أعدّه الله تعالى للمؤمنين الصابرين المحتسبين، وأعظم هذا الفضل هو رضا الله تعالى عن المؤمن الصابر، لأنّه رضي بقضاء الله وقدره، فأصبح حقًا على الله أن يُرضيه، وهذا الثواب يمنحه الله بلا حساب أي أنّه ثوابٌ كبير لا يعرف قدره إلّا الله تعالى، ومن فضله أيضًا أنّ الصابرين يُحبهم الله ويعطيهم الجنة جزاء صبرهم واحتسابهم، ويصبحون في معية الله ويمنحهم الخير والعطاء ويُذيقهم لذّة الإيمان وحلاوة انتظار الفرج، وقد بشّر الله تعالى الصابرين المحتسبين بثلاثة بشائر ذكرها في القرآن الكريم، أوّلها صلوات الله وثانيها رحمته وثالثها هدايته.
من أعظم فضائل الصبر التي يجنيها المؤمن الصابر المحتسب أنّه يجني الاستقامة على شرع الله والثبات على دينه، ويُجنبه الله سوء الخاتمة ويقيه من الوقوع في أيّ انحرافٍ أو شر، ويشعر الصابرون بالفرح الكبير والراحة والاطمئنان أنّهم في معية الله وحده وسيجزيهم بالفرج القريب، ويُصبح الصابر قدوة لغيره من الناس، وأفضل قدوة هم الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- الذين ضربوا أروع الأمثلة في الصبر والثبات على الإيمان، ولم يتزحزحوا أو يحيدوا عن طريق الحق على الرغم من كثرة الضغوطات حولهم، وكثيرٌ منهم صبر على أّذى القريب مثل النبي محمد -عليه الصلاة والسلام-، ومنهم من صبر على المرض مثل النبي أيوب -عليه السلام-.
يكفي الصابرين شرفًا ورفعة أنّ الله تعلى أثنى عليهم في القرآن الكريم وأعلى مكانتهم في آياتٍ كثيرة، ولم يذكر الصبر في موضعٍ من القرآن إلا ذكر معه الأجر والثواب، وفي الوقت نفسه فإنّ النبي -عليه الصلاة والسلام- ذكر الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة التي تحثّ عليه، وتدعو المؤمنين أن يتمسكوا به في جميع أمور حياتهم، وألّا يتخلوا عنه أبدًا مهما كانت الظروف صعبة.
كيفية التمرس على الصبر
الصبر ليس بالأمر السهل، بل يحتاج الإنسان إلى إعدادٍ نفسي كبير حتى يستطيع الثبات عليه والمقاومة والبقاء في دائرة الصابرين المحتسبين دون أيّ شكوى أو تذمُّر، ولهذا على الإنسان أن يتعلّم التمرّس على الصبر وأن يلتمس جميع الوسائل المعينة عليه، وأهم الوسائل التي يستعين بها الإنسان على الصبر هو أن يقوي إيمانه بالله تعالى، ويعلم بينه وبين نفسه أنّ الحياة الدنيا ما هي إلا متاع الغرور، وأنّ الأصل فيها هو الصبر على الأحداث وعدم الجزع وتجاوزها بالتوكل على الله حق التوكل، فإن وقع قضاء الله وقدره فلا رادّ له أبدًا.
يتمرّس الإنسان على الصبر بأن يستشعر قيمته والأجر الكبير الذي أعدّه الله له إن كان صابرًا محتسبًا، ويعرف أنه مقتدٍ بالأنبياء والصالحين، وهذا ما يجعله أيضًا قدوة لأبناء المجتمع الذين يرون صبره وثباته، ويمكن التمرّس عليه أيضًا بالدعاء إلى الله تعالى والإلحاح في الدعاء بالصبر الكبير الجميل الذي ليس فيه يأس أو جزع او شكوى أو تذمر، وأن يعلم الإنسان جيدًا أنّ الدعاء يردّ القدر، ويُمكن أن يعجل الله بالفرج إذا ألحّ فيه، فتكون نتيجة صبره فرج قريب من الله.
تذكر الإنسان بأنّ الدنيا ما هي إلا دار فناء يُعينه على الصبر والاحتساب، كما أنّ الصلاة تُعين الإنسان على أن يكون أكثر قوة وتحملًا للاحداث والمصائب التي تُصيبه، وكذلك الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- والإكثار من ذكر الله تعالى في كلّ وقت، كما أنّ الإنسان الذي يُمعن في الحياة ويرى حال الناس فيها يعلم أنّه ليس وحده من يُعاني منها، وأنّ الأيام تدور على الجميع بكلّ ما فيها من قسوة، لكن الفائز هو الذي يكون قادرًا على التأقلم معها ومتمرسًا على الصبر، كما أنّ قراءة آيات القرآن الكريم وقصص الأنبياء أولو العزم الذين صبروا كثيرًا في حياتهم تزيد من عزيمة المؤمن وتحثه على الصبر أيضًا.
عندما يكون الإنسان مُحاطًا بالأشخاص الإيجابيّين الذين يقدّمون له الدعم والمعونة على الدّوام، ويكونون له سندًا في الحياة ويعينونه على الصبر، يستطيع الإنسان أن يكون أكثر قدرة على التحمل، وأكثر تمرسًا ومقاومة، ولهذا من أراد أن يتمرّس على الصبر الجميل الذي ليس فيه شكوى أو تذمر، فعليه أن يتجنّب الأشخاص المُحبطين السلبيين الذي يملأون قلبه باليأس ويصوّرون الحياة سوداء في عينيه، وأن يكون قريبًا ممّن يجملونها ويجعلون حملها أكثر خفّة.
التمرّس على الصبر ليس مجرّد شيءٍ عابر، بل هو ضرورة حتى يكون الإنسان أكثر قوة وقدرة على تجاوز ما يؤلمه من أحداث، خاصة أنّ بعض المصائب الكبرى تتطلب رباطة جأشٍ كبيرة من الإنسان، وأن يكون حريصًا على ألّا يضعف إيمانه أبدًا، فالعديد من الاشخاص يصيبهم الشك في إيمانهم إذا كان ضعيفًا، ويستسلمون للشيطان بمجرّد مرور أحداث قاسية في حياتهم، ويعترضون على أقدار الله تعالى، لهذا فإنّ التمرّس على الصبر ليس أمرًا سهلًا، بل يتطلّب الكثير من الوعي والقوة النفسية.
لقراءة المزيد من الموضوعات، ننصحك بالاطّلاع على هذا المقال: موضوع تعبير عن الأمل.
المراجع
- ↑ "تعريف و معنى صبر في معجم المعاني الجامع - معجم عربي عربي"، معجم المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 13/1/2021. بتصرّف.
- ↑ سورة يوسف، آية:90
- ↑ سورة البقرة، آية:153
- ↑ سورة البقرة، آية:155