مفهوم الصناعة
تُعدّ الصناعة من القطاعات الحيوية التي تقوم على تحويل المواد الخام الموجودة في الطبيعة إلى مواد ثانية ذات فائدة أكبر، حيث يمكن من خلالها تحويل المواد إلى مواد أخرى ذات قيمة أكبر ومضمون أفضل، والصناعات من أهم القطاعات التي ترفد الحركة التجارية والاقتصادية للبلاد، وهي المساهم الأساسي في تشغيل أعداد كبيرة من الأيدي العاملة، وعند الحديث عن الصناعة يجب التطرّق إلى أهميتها وأنواعها وذكر الفوائد الكبيرة التي تجنيها الدول الصناعية نتيجة التطور الكبير الذي يكون في مصانعها، مما يخلق حالة من الإبداع الصناعي الذي يذيع صيته في جميع دول العالم.
تطور مفهوم الصناعة عبر الزمن، حيث كان قديمًا له مفهوم بسيط مناسب لأنواع الصناعات البسيطة التي كانت منتشرة في ذلك الزمن، حيث كانت تقتصر على بعض الصناعات الغذائية التي تتم بطريقة بدائية وعلى الصناعة اليدوية المعتمدة على دباغة الجلود وتحويلها من شكل إلى آخر وتصنيع الملابس والأحذية منها، وتصنيع ألياف النباتات إلى أقمشة مثل القطن والكتان، أما مع تطوّر الزمن واكتشاف الآلات والطرق االتقنية الحديثة، دخلت في مرحلة جديدة وحدثت ثورة صناعية كبرى بدأت في القرن التاسع عشر، وأصبحت الصناعة تتطور من حيث الكم والنوع.
في الوقت الحالي تُعدّ الصناعة في قمة تطورها، وبدأت تعتمد إلى حد بعيد جدًا على التكنولوجيا والآلات والخطط المرسومة ببرامج الحاسوب، مما يعني أن نسبة الخطأ قلّت كثيرًا فيها، كما أصبحت تختصر الوقت والجهد بشكل كبير، بالإضافة إلى اختصار الأيدي العاملة، ورغم أنّ الصناعة مهمة جدًا ولا يمكن الاستغناء عنها أبدًا ولا تجاهل وجودها، إلّا أنّ لها بعض السلبيات مثل زيادة نسبة تلوث البيئة، خاصة أنّ معظم الصناعات تُخرج أبخرة سامة ودخان للغلاف الجوي، كما تُسبب تلويث المياه السطحية والجوفية، كما أن التقدم الصناعي الكبير الذي زاد من الاعتماد على الآلات تسبب في الاستغناء عن الأيدي العاملة إلى حد بعيد
من سلبيات الصناعة أنها اعتدت على الطبيعة ومكوناتها بشكلٍ كبير، حيث يتم استغلال العديد من المواد الطبيعية دون حساب وتحويلها إلى مواد أخرى، مما قد يُسبب حدوث خلل في التوازن الطبيعي لهذه المواد، والدليل على هذا أنّ النفط على وشك النفاد لأنه االمكون الأساسي في الصناعات منذ أن بدأت الثورة الصناعية، ولحسن الحظ أصبحت تتحوّل اليوم إلى صناعة رقمية تعتمد على التقنية، كما أصبحت العديد من الدول تحاول الاتجاه لتصنيع المواد بإعادة التدوير لتقليل الكلفة وتقليل التلوث البيئي، ورغم كل سلبيات الصناعة إلا أن إيجابياتها أكثر بكثير، وفائدتها أكبر من ضررها.
أنواع الصناعة
يوجد العديد من أنواع الصناعة التي تتداخل فيما بينها وتكون مكملة لبعضها بعضًا، منها الصناعة الغذائية التي تعتمد على تحويل الأغذية المختلفة إلى أشكال أخرى، ويمكن أن تتم هذه الصناعة بأدوات بسيطة مثل: تحويل بعض أنواع الفواكه إلى مربى وتحويل اللحوم إلى لحوم مصنعة وتحويل بعض الخضراوات إلى خضروات معلبة، والجدير بالذكر أن الصناعات التحويلية التي يتم فيها تحويل مواد معينة إلى مواد أخرى بحسب الحاجة، مثل تحويل المواد البترولية إلى بلاستيك ومبيدات ومشتقات نفطية مختلفة، من الصناعات التي تحتاج إلى توافر مواد خام حتى تتم بشكل أفضل وأسرع.
يدخل في مفهوم الصناعة جميع أنواعها أيضًا، ومن أنواعها أيضًا الصناعات الإنشائية التي تقوم على قطاع البناء بمختلف أشكاله، والصناعات التعدينية المتخصصة بصناعة الحديد والصلب والنحاس ومختلف أنواع المعادن لإنتاج مواد مختلفة منها مثل السبائك والأثاث وهياكل السيارات، والصناعة التحليلية التي يتم فيها استخلاص بعض المواد من مواد أخرى مثل استخلاص بعض المعادن من خاماتها الطبيعية واستخلاص المواد المفيدة من النباتات والحيوانات، والصناعة الاستخراجية التي يتم فيها استخراج المواد الخام من باطن الأرض أو من ظاهرها وتحويلها إلى مواد أخرى مثل استخراج النفط من الصخر الزيتي.
هناك الصناعة التجميعية أيضًا التي تقوم على تجميع العديد من القطع المصنعة والجاهزة لتكوين آلة معينة مثل: تجميع قطع السيارات وتجميع قطع الأدوات الكهربائية، أو تجميع قطع الأثاث، ومن المعروف أنّ الصناعة على وجه العموم تحتاج إلى الكثير من المقومات حتى تتطوّر وتسير بعجلتها، وأهم هذه المقوّمات توفر العقول التي تكتشف الطريقة الصحيحة للتصنيع، وتوفر النقود اللازمة لشراء الأدوات والوقود، وتوفر الأيدي العاملة التي تصنع، وتوفر التسهيلات الفي وقت مسبقمن قبل الدولة حتى تقوم المصانع مثل: الأرض والكهرباء وغير ذلك.
لا يقتصر تصنيف الصناعات على أنواع محددة فقط، فبعض أنواع الصناعات تحتاج إلى إبداع وابتكار وإلهام وقدرة على التخيل مثل: تصنيع الأثاث الذي يحتاج إلى وجود أفكار وتطبيقها على أرض الواقع لإنتاج قطع أثاث جميلة ومتميزة، بالَإضافة إلى صناعة الملابس التي تعتمد على وجود نماذج جديدة ومبتكرة من شكل الملابس لخياطتها وتوضيبها بالشكل اللازم، لهذا يجب أن تقوم جميع أنواع الصناعات على بعض الأسس التي تُسهم في تطويرها، ويجب أن تكون الأسس صحيحة فيها الكثير من الإبداع، وأن يتم توظيف أشخاص متخصصين في كل شيء حتى يتم التصنيع بطريقة صحيحة ودون وجود أي اخطاء.
أهمية الصناعة
للصناعة أهمية كبرى لا يمكن تعويضها إذا لم تكن موجودة في الدولة، فالصناعة هي المحرّك الأساسي لعجلة التنمية في أي بلد، وهي الأساس في الميزان التجاري، ولهذا ينظر العالم إلى الدول الصناعية إلى أنّها دول متقدمة ذات تطوّر كبير، كما أنّ الصناعة تُسهم في تقليل البطالة في الدولة، وتشغيل أعداد كبيرة من العمال، وتُسهم في زيادة إنتاج السلع وتلبية احتياجات الدولة من الصناعات المختلفة سواء صناعات الأثاث أم الدواء أم الآلات أم الأجهزة المختلفة، مما يجعل الدولة تكون دولة منتجة وليست دولة مستهلكة، وهذا يُعطيها قوة كبيرة، كما تزيد الصناعة من الدخل القومي للدولة بشكلٍ وترفع قيمة العملة فيها.
ترفع الصناعة من مستوى رقي الشعوب، وتُسهم في زيادة الراحة والرفاهية واختصار الكثير من الوقت والجهد، خاصة أن تصنيع الأجهزة الكهربائية سواء الموجودة في داخل البيت أم في خارجه أسهم كثيرًا في إراحة الناس وإنجاز أعمالهم بوقتٍ قياسي، كما حسّنت الصناعة معيشة الناس وزادت من انفتاحهم وسهّلت عملية التنقل بين المدن والدول، فعند اختراع الطائرة والقوارب والسفن الحديثة أصبح بإمكان الإنسان السفر عبر العالم في وقتٍ قليل ومحدود، وهذا يدخل في صلب الصناعة العصرية التي أسهمت بشكل كبير في تطوير الصناعات.
أسهمت الصناعة بشكلٍ كبير وملموس في تطوّر الحركة التجارية والزراعة، حيث أصبح بالإمكان زراعة مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية في وقت قليل وبعمالة قليلة وبجودة أعلى، ونفس الشيء ينطبق على الحفاظ على المزروعات ورشهابالمبيدات الحشرية بأحدث الآلات الزراعية التي تمّ تصنيعها وجنيها بسرعة أكبر، وهذا قلل من فرص حدوث المجاعات نظرًا لزيادة كمية الغذاء وزيادة كمية المنتوجات الزراعية، كما أسهمت في تحسين عمليات تخزين الخضار والفواكه واستخلاص المكونات المختلفة منها لاستخدامها في تصنيع الغذاء والدواء والمواد الخام، وهذا يبرز أهمية الصناعة في الوطن العربي، خاصة أنّ الدول العربية عمومًا إما زراعية أو نفطية.
أهمية الصناعة في العالم تحتاج إلى تضافر جميع دول العالم معًا لمزيدٍ من الاكتشافات والتصنيع، فقد أسهمت في إنقاذ حياة ملايين البشر نظرًا لتصنيع الآلات الطبية الحديثة وأجهزة الكشف عن الأمراض وتشخيصها وعلاجها، مما أسهم في تطوّر المستشفيات بشكلٍ كبير، وإطالة حياة الناس وتخفيف الألم عنهم، وكان لها الدّور في تسريع إجراء العمليات المعقدة نظرًا لتصنيع العديد من المواد والأدوات التي أتاحت ذلك، وهذا من فضائل الصناعة التي لا يمكن إنكارها.
لتصينع أجهزة الرادار والمراقبة والاستشعار دور كبير في تقليل المخالفات على الطرقات وتقليل حدوث حوادث السير،فقد أسهمت في زيادة معرفة الإنسان وزيادة اكتشافاته ومن بينها المساعدة في اكتشاف الفضاء الخارجي بعد تصنيع صواريخ فضائية وأقمار صناعية.
للحفاظ على اهمية الصناعة وزيادة تطورها لا بدّ من اتخاذ الإجراءات التي تبقيها في نمو مستمر، وأهم هذه الخطوات التي تُساعد في استمرارية الإنتاج الصناعي هو التجدد والابتكار وعدم التوقف عند حد معين لتطويرها، بالإضافة إلى تقصير مدة الإنتاج والعمل على زيادة عدد خطوط الإنتاج في المصانع لتصنيع كميات كبيرة من المواد في وقت قصير، وزيادة التقدم التقني والتكنولوجين خاصة أنّ التقدم التقني هو الأساس في النمو الصناعي، كما يجب أن يحرص جميع من يعمل في الصناعة على توسيع آفاق التطوّر الصناعي لزيادة مستوى إنتاجية العمل من خلال تبادل المعارف والثقافة والمعلومات بين الدول الصناعية، وإنتاج طرق جديدة في الصناعة، والعمل على التركيز على الكم والنوع في الوقت نفسه.