موضوع تعبير عن القدس

كتابة:
موضوع تعبير عن القدس

القدس تاريخ وحضارة

للقدس أهمية خاصة في قلوب الجميع عامة والمسلمين خاصة، ربما لأنّها المكان الذي ضمّ أوّل قبلة لهم قبل أن تتحوّل القبلة بأمر من الله سبحانه وتعالى إلى الكعبة الشريفة، وربما لأنّها المكان المبارك والمُقدّس الذي عرج منه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- إلى السماء في رحلة الإسراء والمعراج، وقد ذكر الله القدس في القرآن الكريم في عدّة مواضع، منها ذكْر المسجد الأقصى، هذه البقعة المقدّسة التي تعدّ أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، فقال تعالى: "سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله"[١]


لا يتوقّف تاريخ القدس على قدسيّتها للمُسلمين فقط، بل قدسيّتها تمتدّ إلى الديانات السماوية السابقة على الإسلام أيضًا، سواء اليهوديّة أم المسيحيّة، حيث يعتبرها اليهود أرضهم المقدّسة منذ أن فتحها النبيّ داوود عليه السلام في 1000 ق.م تقريبًا، وقام بعدها نبيّ الله سليمان عليه السلام ببناء أوّل هيكل فيها كما تقول التوراة، أمّا عند المسيحيّين فهم يعتبرون القدس العاصمة المقدّسة لأنّهم يعتقدون أنّ المسيح صُلب على إحدى تِلالها وهي تلّة جلجثة سنة 30 للميلاد تقريبًا، ولأنّ القدس تجمع حضارات وتاريخ الأديان الثلاث يُطلق عليها اسم المدينة القديمة، بما يوجد فيها من المسجد الأقصى وكنيسة القيامة وحائط البراق.[٢]


لهذا فإنّ أهمية القدس للمسلمين ترتكز على جانبين، أوّلهها أنّها المكان الذي عرج منه رسول الله -صلّى الله عليه وسلم- إلى السماء، وثانيها أنّها كانت القبلة الأولى للصلاة قبل أن يأمر الله تعالى نبيه بتوجيه القبلة للمسجد الحرام، حيث قال تعالى: "قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ۗ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ".[٣]


سبحان من جعل القدس صلبة قويّة على الرُّغم ممّا مرّت به من صعوبات وتحدّيات، إنّها تُشبه امرأة كبيرة في السنّ لكن صحّتها قوية، امرأة تعرّضت لكلّ المهالك التي تجعل أعتى الرجال ينهارون لكنّها أبيّة، لا تركع أبدًا لظالم ولا تخشى من جائر، لذا فإنّه من الدّهشة أن تسترجع تاريخ القدس وتجد أنّها تعرضت للتدمير أكثر من مرة، وتمّت مُحاصرتها 23 مرة، ومهاجمتها 52 مرة، وكانت مطمع للغزاة 44 مرة، فكيف لهذه المدينة العريقة أن تظلّ صلبة شامخة رغم كلّ هذا؟[٢]


هذه المدينة لها طابع دينيّ خاص، فقد ظل شعبها يُناضل طوال هذه السنوات من أجل تحريريها من قوّات الاحتلال دون ملل أو كلل، وما زال العالم العربي يؤمن بأنّ القدس عربية، وأنّها العاصمة الفعلية لفلسطين على الرغم من ادّعاء المحتل غير ذلك.

وصف معالم القدس الأثرية

القدس غنيّة بمعالمها وآثارها التاريخية العريقة التي ترجع إلى آلاف السنين، على رأسها المعالم الدينية التي لها قيمة كبيرة في نفوس مختلف الشعوب، وكونها المكان الذي مر عليه الأنبياء، وهذا ما يجعل زيارتها يُراود لتحقيقه الجميع، ولأنّ تاريخها ممتدّ منذ القدم، فقد أطلق عليها الكثير من الأسماء، وتعدّ أكثر خمس أسماء قديمة لمدينة القدس والأشهر على الإطلاق: بيت المقدس، أورشليم أو مدينة السلام، مدينة العدل، يبوس وإيلياء.[٢]


لأنّ القدس تحتوي على معالم أثرية ودينيّة تخصّ كلّ الديانات تُثير زيارة معالمها مشاعر مختلفة في قلبك، حيث سيتولّد لديك الشعور بأنّك قريب من رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، حينما ترى المسجد الأقصى أُولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين والذي يقع في البلدة القديمة داخل مدينة القدس، وقد تمّ تدمير هذا المسجد عدّة مرات ثم أعيد بناؤه، وخلال عمليات الترميم التي كانت تتم للمسجد بصورة دورة قام الحُكّام المُسلمون بإضافة بعض الإضافات سواء على المسجد أم الأماكن المُحيطة به.[٢]


ستجد هناك قُبّة المسجد والمنبر والواجهة والمنارات وغيرها من الإضافات، ويوجد هناك ساحات محيطة بالمسجد، والتي يُطلق عليها اليهود اسم "جبل الهيكل"، لذا يُقدّس اليهود هذا المكان على اعتبار أنّه نسبة إلى هيكل سيدنا سليمان عليه السلام.[٢]، ويقول الشاعر عبد الرحمن العشماوي عن المسجد الأقصى: [٤]


صارتْ فلسطينُ رَمزًا للإباءِ، وما

زالتْ تُواجِهُ ضُلاَّلًا و فُسَّاقا

في قلبها ساحة الأقصى وقبَّتُهُ

وبيرقٌ للهُدى مازالَ خفَّاقا


يتكوّن المسجد الأقصى من 7 مصليات وعدة قاعات صغيرة تقع في الجهتين الغربيّة والشرقيّة في الجزء الجنوبيّ من المسجد الأقصى، وكان هناك 121 نافذة مُلوّنة في العصر العباسيّ والفاطميّ في هذا المسجد، لكن لم يتمّ استعادة إلّا ربع هذا العدد عام 1924، ومن أهمّ المصليات هناك الجامع المسقوف، وهو جامع ذو قبة رصاصية اللون، والمُصلّى المرواني الذي بناه الأمويّون والذي يبلغ مساحته 4000 متر مربع ويوجد فيه 16 رواق، وكذلك مصلى الأقصى القديم الذي بناه الأمويون كذلك، حتى يكون بمثابة المدخل الملكي للمسجد الأقصى.[٢]


حينما تزور كنيسة القيامة تشعر بالرهبة كونها أعراق كنائس بيت المقدس ككنيسة المهد التي تقع في بيت لحم، وقد زار عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كنيسة القيامة بعد أن دعاه البطريرك صفرونيوس، وصلّى على مقربة منها، وفي البقعة التي صلّى فيها تمّ بناء مسجد سُمّي باسمه، وقد استمر بناء هذه الكنيسة 11 عام، وقد تم بناؤها فوق الجلجثة "المكان الذي يعتقد المسيحيون أنه صلب عليه المسيح".[٢]


هناك داخل الكنيسة يقع القبر المقدس الذي يعتقد المسيحيون أنّ المسيح دُفن فيه، وتتميّز الكنيسة بزخارفها ونقوشها المُلوّنة، والصور المميزة في كل مكان على جدرانها، ويقع فيها دير الرهبان الفرنسيين الذين يقومون على خدمة الكنيسة، وهناك عدد من الأديار أيضًا مثل دير الروم الأرثوذكس.[٢]


تتمكّن في القدس من رؤية حائط البراق الذي يعدّ مكان اليهود المُقدّس، والذي يعتبرونه آخر أثر تبقّى من هيكل سليمان عليه السلام، لكن هذا الحائط يرتبط بالمسلمين أيضًا كونُه مُرتبطًا بمعجزة الإسراء والمعراج، حيث يُقال إنّ البرّاق وهي "الدابة التي ركبها الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- في رحلة الإسراء والمعراج" تمّ ربطه في هذا الحائط حيثُ دخل الرسول حتى يُصلّي في المسجد الأقصى قبل أن يصعد للسماء.[٢]


يبلغ طول هذا الحائط 50 مترًا، أمّا ارتفاعه فهو أقل من 20 مترًا بقليل، وبدأ هذا الحائط يصبح مكان يصلي فيه اليهود منذ القرن السادس عشر، وأصبح أكثر أهمية لهم منذ بداية القرن التاسع عشر، وقد كان حي المغاربة يوجد أمام هذا الحائط، قبل أن يحتل الإسرائيليون المكان ويقوموا بإزالة الحي بالكامل، من أجل توسيع الساحة التي تجاور الحائط، ثم افتتحت إسرائيل كنيس في النفق الذي يقع تحت حائط البراق، وذلك في التاسع عشر من ديسمبر عام 2017، والذي استغرق بناؤه اثني عشر عامًا. [٢]


مكانة القدس في الإسلام

إذا كان لكلّ الأديان شيء في القدس، فإنّ المُسلمين لهم فيها كلّ شيء، ربّما لهذا تعدّ مكانة القدس مختلفة لديهم عن باقي الأديان كلّها، وعلى الرغم من انتهاك الكثير من أجزاء فلسطين الحبيبة إلّا أنّها ستكون دومًا للمسلمين، إنّ عقد حق المسلمين الشرعي فيها مكتوب بالدماء لا بحبر الأقلام، وهذا ينطبق على كلّ الأماكن المُحتلّة فيها سواء عكا أم الناصرة أم حيفا أم أراضي فسلطين الحبيبة الأخرى.


على الرغم من تَخاذٌل المٌتخاذلين تجاه القدس الحبيبة، إلّا أنّ الظّلم لا يستمرّ، لا بُدّ من أن تعود الحقوق لأصحابها يومًا ما وتُزهر القدس من جديد، وتُزهر القلوب بورود فلسطين مجددًا، وسيدفع الظّالم ثمن ظلمه، فالحقّ حقّ الله لا يتركه أبدًا، فالقدس أقوى من كلّ شيء، القدس أوضح من الشمس، وإذا كان الشعراء ينعون القدس في قصائدهم اليوم، فغدًا ينعيها الظّالمون أبدًا، ويتجلّى روعة وصْف مكانة المسجد الأقصى والحزن على فقده في أبيات من قصيدة الشاعر عبد الرحمن العشماوي حين قال:[٤]


يا قبَّة المسجِدِ الأقصى أراكِ على

مرمى الحَصاةِ، وقدْ أُحْكِمتِ إغلاقا

نُشاهِدُ المسجد الأقصى بأعينن

وقدْ ملأنا بهِ قلبًا وأحداقا

تراهُ أعيُنُنا، والعجزُ يقتلُنا

غمًَّا، ويؤلِمُنا حُزْنًا وإرْهاقا


لذلك إنّ المكانة العظيمة للقدس ممتدّة من الماضي إلى المُستقبل، وستظلّ هذه المكانة قائمة أبدًا، وحّق المسلمين فيها لا يُمكن أن تُنكره القلوب حتى وإن أنكرته الألسنة، وتتّضح عظمة القدس في أنّ الرسول أمر بأنّ الرحال لا تُشدّ إلّا لثلاثة منها المسجد الأقصى، حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا تُشدّ الرّحال إلّا إلى ثلاثة مساجد؛ المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى" [٥]، فالحق واضح حتى وإن كره المُعتدون.


لقراءة المزيد، ننصحك بالاطّلاع على هذا المقال: كلمات عن القدس.

المراجع

  1. سورة الإسراء، آية:1
  2. ^ أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر "القدس"، المعرفة، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-25. بتصرّف.
  3. سورة البقرة، آية:144
  4. ^ أ ب "يا قبة المسجد الأقصى"، الديوان، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-25.
  5. رواه أبو هريرة، في صحيح البخاري، عن البخاري، الصفحة أو الرقم:1189.
5986 مشاهدة
للأعلى للسفل
×