كيف توسع القراءة مداركنا؟
إنّ القراءة هي ذلك العالَم الجميل الذي تعيشُ فيه وكأنّكَ "أليس" وقد دخلت بلاد العجائب، ذلك العالَم الذي يُعطيكَ كلّ ثماره مجانًا شرط أن تدخله طواعية من دون أن تكونَ قد دخلتَه مرغمًا، فمتى دخلتَ هذا العالم بقدميك فإنّك ستجد نفسك تنتقل بين عالَمٍ وآخر وبين بلد وآخر، ستجد نفسك تتحدّث مع رجال قد ماتوا منذ مئات وآلاف السنين، ستجدُ نفسكَ تجلس قرب نهر الراين أو الدانوب، أو ربما تجد نفسك تجوب جبال الأنديز، أو ربما تصعد مع مع الصاعدين إلى إيفرست تنظر إلى العالَم كما نظر آدم -عليه السلام- يوم هبط من السماء عليها كما يقول بعض المفسرين.
بالقراءة وحدها تستطيع فعل كلّ ذلك، وبالقراءة يُمكنك بناء نفسك حتى تكون إنسانًا قويًّا يمكن الاعتماد عليه؛ إذ إنّ الجهل هو العدو الأكبر الذي يُهدّد الإنسان، فإذا تملّك الإنسانَ الجهلُ فإنّ كلّ شيء بعدها سيكون كارثيًّا وصعبًا، فقد يهدم الجاهل بلحظة ما بناه العلماء على مدى آلاف أو مئات السنين، فالقراءة هي الحصن الذي يختبئ خلفه الإنسان ويواجه من خلاله كلّ أنواع الشرور والآفات.
يُمكن للقراءة أن توسّع مداركنا من خلال اطّلاعنا على ثقافات الأمم الأخرى وآدابهم وعلومهم وابتكاراتهم ومعتقداتهم وغير ذلك، فيمكن لنا أن نجلس مع أديسون نقرأ مذكّراته فنعلم عنه ما لا يعلمه غيرنا، ربما نجلس معه ونسمعه وهو يحدثنا عن اختراعه للمصباح، أو ربّما يحدثنا عن إكماله التعليم خارج أسوار المدرسة، يمكننا أن نجلس مع حكيم صيني قد عاش قبل ألفي سنة يُحدّثنا عن سور الصين العظيم كيف بُني ولماذا، وما الحروب التي خاضها الصينيون على أعتاب هذا السور، وكم عدد الغارات التي صدّها وكم عدد الجنود الذين ماتوا عنده.
بالقراءة ينتقل دماغك من حال إلى حال، وبالقراءة تُمرّن ذاكرتك على حفظ الثقافات الأخرى، وبالقراءة يمكنك أن ترى بعينيك التاريخ واقفًا أمامك على قدميه، فتغوص في أعماقه وتلتقى رجاله وتفهم آليّة تفكيرهم وكيف وصلوا إلى القمة إن كانوا ناجحين، أو ترى كيف هبطوا إلى القاع إن كانوا من المخفقين، وتتعلّم من تجارب هذا وذاك حتى تصل إلى الأسلوب الصحيح الذي يجب أن تسلكه لئلّا تقع في مطبات قد وقع فيها من سبقوك، ولكي تسبق من سبقك بالزمن وتنجح وتثبت للعالم أنّ الطريق لمن صدق لا لمن سبق.
كيف تسمو القراءة بالروح؟
لقد شاع مؤخرًا مفهوم يقال له العلاج بالقراءة، بمعنى أن يُنظر إلى الإنسان الذي يُعاني مشكلة في مجال ما، فيُنظر إلى أصل المشكلة وسببها، ثمّ يوجّه هذا الإنسان صاحب المشكلة إلى كتب بعينها يمكنها مساعدة صاحب هذه المشكلة، فيقرأ هذا الرجل صاحب المشكلة فتُحلّ مشكلته بفضل القراءة، هذا بالنسبة لمن يعاني مشكلة ويحتاج إلى حلّ، ولكن ماذا عنّا نحن الذين نقرأ ولا مشكلة عندنا؟ ألا تحتاج أرواحنا لكتب ترتقي بها وتسمو بين الحين والآخر؟
إنّ القراءة في الأصل غذاء للروح، ولا بدّ للروح عند القراءة من أن تسمو، ولكن ينبغي تخيّر الكتب التي يمكنها أن تسمو بالروح وربما تسمو بالعقل معها أيضًا، فمثلًا هنالك كتب اسمها كتب الرقائق، هذه الكتب تتحدث على أحوال أناس عاشوا في زمن السلف الصالح، أكثرهم من الزهّاد الذين يُعرِضون عن متاع الدنيا ويخاطبون الروح في جوهرها، فيكون الخطاب من الروح إلى الروح، خطاب يحمل في ثناياه سحرًا خاصًّا فيه شيفرة تصل فورًا إلى الروح من دون عوائق.
الروح تسمو بالقراءة حين تتعلّم الحكمة، وتتعلّم أن تُنصت أكثر من أن تتكلم، حين تستمع إلى كلام الحكماء المبثوث في كتبهم، حين تتعلّم منهم خلاصة تجاربهم في الحياة، حين تصبح لك حكمتك الخاصة بك في الحياة، حين تتوقف عن تقليد الآخرين ويكون لك نهجك الخاص، حين تشعر في داخلك أنّ تلك الروح ما هي إلّا سحابة مسافرة عبر الأثير تتنقّل بك من عالم إلى عالم، ومن بلد إلى آخر، تنتقي لك كل جليل وجميل، وتطوف في أروقة الحضارات معلنة لكَ أنّ العالم بأسره صار ملكك قديمًا وحديثًا، تدعوك لشرب كأس من الشاي على كرسيّ يطلّ على البوسفور، أو ربما تدعوك لفنجان قهوة إيطاليّة في أزقّة ميلانو.
ماذا يحدث لو توقفنا عن القراءة؟
إنّ القراءة ليست خِيارًا، بل هي حياة يحياها الإنسان ومن دونها لا قيمة ولا معنى لحياته، فالذي يسأل ماذا سيحدث لو توقف عن القراءة فهو كمن يسأل الوردة ماذا سيحدث لها لو توقّف راعيها عن سقايتها، أكيد أنّها ستذبل وتموت عروقها وتنطوي صفحتها في هذي الحياة، بل ماذا سيحدث لفراخ الطيور الصغيرة التي تنتظر أمّها مساء كلّ يوم لتعود إليها حاملة الطعام؟ ماذا سيحلّ بتلك الطيور الضعيفة التي لا تستطيع أن تطعم نفسها بنفسها إن لم تأتِ أمّهم إليهم في نهاية ذلك اليوم؟
ماذا سيحلّ بغزال الريم إن زال جماله؟ هل سيتغزّل به الشعراء كما هي عادتهم دائمًا؟ هل سيكون هذا الغزال ملهمًا لهم كعادته؟ بالتأكيد لا، فالطيور ستموت جوعًا لأنّ الغذاء هو الذي تحيا به، وإن توقّفت أمّهم عن إطعامهم فإنّ جسدهم الضعيف لن يحتمل ألم الجوع فيموتون بسبب ضعفهم، وغزال الريم سيصبح منبوذًا لا يلتفت إليه أحد لأنّ جماله هو الذي يميّزه عن غيره من باقي الحيوانات التي تشترك معًا بميزة عدم التمييز والإدراك والعقل، فعندها عاد الغزال حيوانًا لا قيمة له ولا يفيد بشيء سوى بلحمه ربما، فتساوى بذلك مع الكبش والتيس والحمل الوديع.
إن توقّف الإنسان عن القراءة فكلّ ذلك سيحدث، سيصبح منبوذًا بسبب جهله، وبذلك يتساوى مع الجاهلين الذين هم عالة على المجتمع، بل وتموت روحه التي تتغذى على القراءة والمعرفة، وبذلك يصبح جسدًا ميتًا لا روح فيه، يأكل ويشرب ويتغذى وينام ويمارس حياته الغريزية التي تريد منه أن يبقى على قيد الحياة لا أكثر، هذا كلّه وأكثر يحدث إن أنتَ توقّفتَ عن القراءة.
لقراءة المزيد، انظر هنا: موضوع تعبير عن أهمية القراءة.